فوز اوباما لن يغير سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة

بقلم: عباس الجمعة


ان فوز أوباما لولاية ثانية في الرئاسة الأميركية، لن يغير في سياسته حيال المنطقة اي شيئ بل ستستمر كما كانت في ولايته الأولى، إنما التغيير في السياسة الداخلية ستركز على مجالات الضمان والصحة والأمن القومي.
ان سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط لم تتغير حتى وإن غيرت التكتيك، ولكن ويبقى الهدف واحداً بإحكام السيطرة على هذه المنطقة لضمان إحكام السيطرة على مصادر النفط وأمن دولة إسرائيل ورسم خريطة المنطقة بما يضمن تحقيق تلك الأهداف، والولايات المتحدة لا تخفي ذلك في تصريحاتها الرسمية. فما بين ضرب الأنظمة غير المتجاوبة مع السياسة الأمريكية، وتقديم الدعم لدول التعاون تبقى الولايات المتحدة غير متنازلة عن تحقيق أهدافها في هذه المنطقة حتى وإن اضطرت لخوض حرباً جديدة في المنطقة، أو تقديم العون والمساندة لحليفتها اسرائيل لشن هذه الحرب، رغم كل تصريحاتها الناعمة، فالأفعال هي المقياس الحقيقي لتوجه السياسة الخارجية ولا يمكن الأخذ بالأقوال فقط.
أن السياسة الأمريكية الرئيسة وتفرد الولايات المتحدة بقيادة السياسة الدولية، قد أولت منطقتنا أهمية فوق عادية، أي استثنائية، وهذا يعود إلى أهمية المنطقة الاستراتيجية، فهذا التطور جعل مكانة إسرائيل تتعاظم في الاستراتيجية الأمريكية، وأصبح الدور الإسرائيلي ليس فقط على مستوى الشرق الأوسط، بل على المستوى الدولي، دوراً بالغ الأهمية، يتفوق بل ويسبق من حيث تأثيره ومكانته تحالف الولايات المتحدة مع نظيراتها في حلف الأطلسي، فسياسة الولايات المتحدة تصيغها المصالح وليس المبادئ المجردة بصدد حق الشعوب في تقرير مصيرها، أو الرأفة بالشعب الفلسطيني وتحقيق تطلعاته، وهنا نرى أن الصراع على المستوى الكوني يتحدد بصورة رئيسة بين الرأسمال الأمريكي واحتكاراته، وبين الرأسمال الياباني والأوروبي، حيث تسعى الولايات المتحدة لإخضاع العالم، وبلا شك أن الولايات المتحدة تنظر إلى المنطقة ونفطها كواحدة من أهم الركائز للسيطرة الكونية، وأعتقد أن المهمة الصعبة التي تواجه السياسة الأمريكية هي كيفية التوفيق في حل القضية الفلسطينية بين متطلبات الأمن والتوسع الإسرائيلي وبين المصالح الأمريكية، وحيث لم يعد ممكناً القفز على الهوية الوطنية الفلسطينية التي استطاعت أن تحقق المزيد من المكاسب من خلال الاعتراف الدولي ومن خلال تميز الموقف الأوروبي المتضرر من الاحتكار الأمريكي الإسرائيلي لسوق السلاح والنفط والأسواق بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، على هذا الأساس أعتقد أن الانحياز الأمريكي لإسرائيل قد ازداد بشكل ملحوظ، خصوصاً في ظل تصاعد الاتجاهات اليمينية في السياسة الإسرائيلية ونعرف جميعاً أن احتلال العراق ةمن ثم السطو على الثورات العربية التي اندلعت من اجل التغيير هدفها إعادة ترتيب المنطقة وفق جدول أعمال أمريكا، ويأتي ذلك وفق التحالف الاستراتيجي من اجل محاصرة إيران وانهاء دور سوريا، في هذا الإطار يصبح التحدي الذي يواجهه الشعب الفلسطيني كبيراً، وتصبح وعود الولايات المتحدة وعوداً عرقوبية، من خلال الانحياز الامريكي الاعمى والسافر لإسرائيل، وإعطاء إسرائيل كل الذرائع للقيام بما تقوم به بدعوى مكافحة الإرهاب، وباعتبارها جزءاً من المعركة الكونية لمكافحة الإرهاب، وان فكرة إقامة دولة فلسطينية مؤقتة ليس الهدف منها تحقيق الشفافية أو الديمقراطية، بل إقامة محمية تحت الهيمنة الإسرائيلية الأمريكية، وإذا ربطنا هذا بإعادة رسم الخارطة الاستراتيجية وخلق آليات جيوسياسية جديدة، أعتقد أن المراحل القديمة يشير إلى أن الاتجاه لحل الجانب الرئيس في القضية الفلسطينية سيكون خارج فلسطين.
وعلى هذا الاساس فأن فوز بارك أوباما لن يدعم القضية الفلسطينية ولا نريد العودة الى خطاباته الرنانة في في القاهرة واسطنبول بولايته الاولى ، وهذا يؤكد أن الإدارات الأمريكية تمثل سياسات عامة إستراتجية للبيت الأبيض والديمقراطيون أو الجمهوريون يطبقون تلك السياسيات بامتياز.
وعليه نرى أن سبب فوز أوباما في الانتخابات نتيجة لأجندته الداخلية، على قاعدة ضمان امن إسرائيل ودعم إسرائيل وضمان تفوق الاحتلال العسكري، وعلى قاعدة اعتبار القدس عاصمة “لإسرائيل” وان الملف الفلسطيني كان غائبا عن كافة خطاباته في الانتخابات بما خطابه بالفوز وهذا يؤكد على حالة الغموض ، رغم تهنئة القيادة الفلسطينية وامل الفلسطينيين أن تغير الإدارة الأمريكية وجهة نظرها تجاه الصراع وأن تقف موقف الحياد وليس الانحياز باتجاه هذا الكيان الاسرائيلي.
امام كل ذلك فعلى الدول العربية والاسلامية ان توحد جهودها بشكل حقيقي حتى تستطيع أن تواجه السياسة الامريكية الجديدة ، وان تقف مع مصالح الشعوب وفلسطين لان العديد منهم لم يغادروا الموقع الأمريكي المنحاز لكيان الاحتلال المستمر في عدوانه على الشعب الفلسطيني والمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس .
أن إدارة اوباما لم تضغط على نتنياهو لتجميد الاستيطان أو وقفة ، بل سيكون ضغطها على القيادة الفلسطينية للعودة الى المفاوضات الثنائية ، في الوقت التي تستمر فيه حكومة الاحتلال بمخططاتها التهويدية والاستيطانية الخطيرة لفرض وقائع جديدة على الأرض يستحيل معها إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ,وفرض وقائع تجعل مدينة القدس عاصمة واحدة لكيان الاحتلال , ومنع التوجه الى الامم المتحدة لنيل عضوية دولة مراقب ، وكل ذلك يتم بتهديد أمريكي بالحصار المالي وتهديد إسرائيلي خطير ضد القيادة الفلسطينية في حال استمرت في طريق الشرعية الدولية و عضوية الدولة.
أن التجارب السابقة للرؤساء الأمريكيين الذين تم انتخابهم لولايتين أثبتت أن الرهان على تغير السياسة الأمريكية وهم ومضيعه للوقت، ومن الخطأ أن تبني السياسة الفلسطينية باتجاه أمال أثبتت التجارب أنها لن يتحقق منها شيء، او ان ترى حصول تغيرا دراماتيكي في السياسة الخارجية الأمريكية .
وفي ظل هذه المعطيات نرى اهمية مواصلة الجهد الدبلوماسي تجاه الجمعية العامة للامم المتحدة من اجل نيل عضوية دولة غير عضو دون اانتظار الموقف الامريكي والعمل من اجل وضع الملف الفلسطيني امام المجتمع الدولي من اجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة التي تضمن حقوق الشعب الفلسطيني في العودة والحرية والاستقلال ، والعمل من اجل تجنيد الطاقات الدبلوماسية مع الدول الصديقة من اجل الضغط على الولايات المتحدة لتغيير مواقفها المنحازة اتجاه الاحتلال وتفهم للحقوق شعبنا .
ان المنطقة العربية تمر بظروف دقيقة ومفصلية، تقتضي التيقظ والتنبه لما قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، فالربيع العربي الذي مثل أملاً للكثيرين بأن يشكل جسراً للعبور نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لقد تحول الى ربيع تفتيتي بسبب محاولات الادارة الامريكية والقوى الحليفة لها الاستفراد بمنجزات القوى التي أحدثت التغيير، ومحاولة تجييرها وهذا ينذر بمواجهة جديدة بين قوى التغيير ، وبين قوى الثورة المضادة التي تحاول أن تخطف منجزات الثورات وتفرض نمطاً من الحكم الجديد التي تراه الادارة الامريكية هو الانسب ، وكل ذلك بهدف تغيب فلسطين كقضية مركزية للامة العربية .
ختاما : ان إيماننا بآفاق المستقبل الواعد للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية كلها، في هذه اللحظة الثورية ، لا يعني أننا نؤمن بحتمية تاريخية يكون للزمان والمكان دوراً رئيسياً وأحادياً فيها، بل يعني تفعيل وإنضاج عوامل وأدوات التغيير الديمقراطية ، والعمل بكل جهد من اجل توحيد صفوفنا في واقعنا الراهن.
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت