لأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، ولأن جامعة الأزهر بغزة هي إنجاز منظمة التحرير الفلسطينية حيث خط القرار بإنشائها في قصر الأندلس بالقاهرة في 14/1/1991 الرئيس/ ياسر عرفات ليس بصفته رئيساً لحركة فتح، وإنما بصفته رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية قائدة للنضال الوطني الشامل لكل الفلسطينيين.
ولأن ياسر عرفات، رحمه الله، قد مهر قرار إنشاء الجامعة بهذه الصفة، أي بصفته رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فإن هذا يعني أن هذه الجامعة هي جامعة أنشأتها منظمة التحرير الفلسطينية لصالح أبناء الشعب الفلسطيني بكل شرائحه وفئاته وانتماءاته، دون تمييز بين يمين أو يسار، أو شمال أو جنوب، أو شرق أو غرب.
ولأن جامعة الأزهر هي إنجاز من يوصف بأنه الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، فقد كان القرار بتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في مجلس أمناء جامعة الأزهر. وقد كان هذا القرار ذا مقصد وطني عظيم هو مساعدة جامعة الأزهر ومساندتها بهدف انتشالها من أزماتها المتلاحقة، غير أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تستطع- من خلال فصائلها الممثلة في مجلس أمناء الجامعة- فعل شيء يذكر، اللهم إلا إذا كان هناك ما لا نعلمه ولا يعلمه أحد وما لم نشعر به كما لم يشعر به أحد!!!
أما أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تفعل- من خلال فصائلها الممثلة في مجلس الأمناء- ولم تترك بصمة أو أثراً حتى اللحظة، فهو ما ينطبق على واقع الحال تماماً، مع أشد الأسف، ودليلنا على ذلك نورده في ثلاثة أمثلة فقط هي- دونما استزادة أو استقصاء- على النحو الآتي:
أما المثال الأول، فهو فاجعة مقتل الطالب خليل الطويل ، حيث لا سمعنا من هذه الفصائل ولا رأينا، وكأن هذه الفصائل ليست إلا شيئاً من الماضي!!!
أما المثال الثاني، فهو ما حدث من قمع ضد العاملين اسستتباعاً لما وقع من قمع ضد نقابتهم، دون أي بصمة لمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال تلك الفصائل الممثلة في مجلس أمناء الجامعة. ففي شهر إبريل الماضي، أي قبل نحو سبعة أشهر، أعلنت نقابة العاملين إضراباً هدفت من ورائه تحقيق مطالب العاملين، فكان رد إدارة الجامعة ومجلس أمنائها ليس رد المتصرف الرشيد، بل رد المتعسف المستبد والمستنطع العنيد، فأتوا على مجموعة من الإجراءات التعسفية، خلافاً لحرية الرأي وحرية التعبير عنه المكفولتين ليس في القوانين الإلهية فحسب، وإنما في القوانين الدولية والمحلية، أيضاً:
(1) لقد أغلقوا موقع النقابة الإلكتروني.
(2) أغلقوا مقر النقابة ومنعوا أعضاءها من دخوله والانعقاد فيه.
(3) أصدروا القرار بتجميد عمل النقابة.
(4) منعوا الهيئة العمومية التي زاد قوامها عن 700 موظف من الاجتماع في المقر الذي كان معداً على نحو مسبق، حيث أغلقوه بالأقفال والجنازير.
(5) أوقعوا الخصم من رواتب العاملين الذين التزموا بنقابتهم المنتخبة فاستجابوا إلى الإضراب الذي دعت إليه. (6) صرفوا مكافأة راتب يومين لكل من لم يلتزم بالنقابة فلم يستجب للإضراب، وذلك تخريباً للعمل النقابي وإفساداً للجامعة على نحو عام.
ما دمنا نتحدث عن مكانة منظمة التحرير الفلسطينية ودور فصائلها الممثلة في مجلس أمناء جامعة الأزهر، فإن أسئلة ملحة تطرح نفسها بشدة: ماذا كان موقف فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الممثلة في مجلس أمناء الجامعة؟! هل من دور اضطلعوا به؟! هل استنكروا إغلاق موقع النقابة المنتخبة ومقرها؟! هل استنكروا قرار تجميد عملها؟! هل استنكروا منع العاملين من عقد اجتماعهم في قاعة الاجتماعات المقررة والمتعارف عليها؟! هل استنكروا تصرف إداره الجامعة بإغلاقها لتلك القاعة؟! هل استنكروا تصرف إدارة الجامعة القمعي الذي دفع العاملين إلى الانعقاد تحت أشعة الشمس وفي العراء؟! هل أتى ممثلو منظمة التحرير الفلسطينية كلهم أو بعضهم للتضامن مع العاملين إزاء قمعهم وعدم تمكينهم من الاجتماع في قاعتهم؟! هل استنكروا الخصم من رواتب العاملين الذين التزموا بالإضراب ومكافأة من لم يتلزموا؟! إذاً، ماذا فعلوا؟! وما هو دورهم؟! وما هو تأثيرهم؟! وما هو سبب وجودهم أصلاً؟! إنها مجرد أسئلة تنتظر إجابات فيها من الشجاعة والجرأة بقدر ما فيها من الوطنية والأخلاق واحترام الآدمية!
وأما المثال الثالث، فهو ما يمارس من قمع ضد أكاديمي ينادي بحماية الحق في الرأي وتأمين حرية التعبير عنه، كما ينادي بإصلاح الجامعة والكف عما يعيق تقدمها ويعطل مسيرتها. لقد طالب هذا الأكاديمي مرة ومرة ومرات بإصلاحات حينما وجه ملاحظات وصوب نقدات، ولما لم يسمع من المسؤولين أحد، استمر في الدق على جدار الخزان مرة ومرة ومرات... ولما لم يسمع أحد أيضاً خرج إلى الإعلام فأثار خروجه للإعلام حفيظة مجلس الأمناء وإدارة الجامعة!
ولأن أحداً لم يسمع، أصر هذا الأكاديمي المنتمي لجامعته وطلبته ووطنه ورسالته على الاستمرار في الدق على الخزان وزاد جرعة النقد فاعتبروه تجاوز الخطوط الحمر في عرفهم لأنهم مستبدون. ولأن هذا الأكاديمي طالب بتوفير كرسي للمحاضر في قاعة درسه، ولأنه طالب بإصلاح أبواب وشبابيك خربة لا تغلق وإن أغلقت فإنها لا تفتح، ولأنه طالب بوقف أعمال البناء التي تستخدم فيها الآلات والمرزبات التي تحدث الضجيج المعطل للدراسة وقت الدوام، ولأنه طالب بحماية الأخلاق العامة والآداب بإيجاد حل لآفة الكتابة على جدران قاعات الدرس وفي الممرات والردهات وفي الحمامات بعبارات تحط من كرامة الآدميين وتخدش حياءهم، لا سيما وإن ذلك يمارس في جامعة وجدت في الأصل لإعلاء كرامة الآدميين والمحافظة على حيائهم، ولأن أحداً في رأسه قليل من العقل لا يرضى بأن يقرأ هو أو أخوه أو ابنته أو أخته عبارات من نوع:
1. أعظم فتاة وصلت عنان السماء اصطدم رأسها بحذائي- آسف يا حذائي لقد شبهتك بالنساء (مجنون روما).
2. كل شباب الأزهر مش حلوين ولا واحد عليه العين البنات وبس.
3. تخيل البنات بدون مكياج زي كندرتي قبل ما تنمسح (مع تحيات كتائب الراحة والتشمس).
4. إلى كل شاب يعتقد أنه (عظيماً) اعلم أنك برغم عظمتك تحت أقدامي.
5. بحبك يا إم إلياس.
ولأن هذا الأكاديمي كانت له تلك الملاحظات والانتقادات والمطالبات، فقد أحيل إلى لجنة للتحقيق معه بدلاً من تقديم الشكر له والجلوس معه وتطمينه بأن الجامعة ستأخذ بملاحظاته وانتقاداته.! وعليه، فما معنى أن يعاقب من كان ينبغي له أن يكافأ؟! إن معناه إما التعسف والاستبداد، وإما الجهل. إن من يحيل إلى التحقيق من يطالب بحماية حرية الرأي وتأمين حرية التعبير عنه يكون واحداً من اثنين: إما جاهل وإما مستبد، فأي الأمرين عندنا في جامعة الأزهر؟!
وارتباطاً بما سبق، فإن هناك أسئلة كالشلال تهوي على رؤوس فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الممثلة في مجلس أمناء الجامعة:
ماذا فعلتم وماذا أضفتم في جامعة الأزهر على المستوى الإنساني أو الاجتماعي أو التعليمي أو الأكاديمي أو الثقافي أو الاخلاقي أو الديني أو الوطني؟! هل فعلتم شيئاً على مستوى الحق والباطل ؟! هل فعلتم شيئاً على المستوى القانوني المتصل بحرية الرأي وحرية التعبير عنه؟! هل فعلتم شيئاً يؤكد لشعبكم من خلال تجاربكم النضالية المتنوعة- كما نفترض نحن- أن تحرير فلسطين يبدأ من تحرير الإنسان من خوفه ليصبح قادراً على التعبير عن نفسه فيبوح بما يجول في خاطره وما يعتمل في داخله؟! هل فعلتم شيئاً يؤكد على قدسية الحق في الرأي وحرية التعبير عنه، انطلاقاً من الإرادة الإلهية: "ألم نجعل له عينين، ولساناً وشفتين"، ومن التوجيه النبوي: "أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر"، وانطلاقاً من الحماية التي يكفلها القانون الأساسي الفلسطيني في المادة (19) وقانون المطبوعات والنشر الفلسطيني في المواد 2+4+24+25+26+27، ووثيقة الاستقلال الوطني الفلسطيني لعام 1988، وانطلاقاً من الضمانات الدولية ممثلة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والقوانين والمواثيق والأعراف الدولية والأوروبية والأمريكية؟! ماذا فعلتم من كل هذا؟!
وبعد: فهل يحال إلى التحقيق أكاديمي يطالب بالإصلاح بدلاً من أن يشكر ويستجاب لملاحظاته وانتقاداته؟! هل يحال إلى التحقيق أكاديمي على خلفية حقه في الرأي وممارسته لحريته في التعبير وهو محمي بالقانون السماوي والقانون الأرضي الدولي منه والإنساني والمحلي الفلسطيني؟!
أما آخر الكلام، فإن لم يكن لمنظمة التحرير الفلسطينية- من خلال فصائلها الممثلة في مجلس أمناء جامعة الأزهر- موقف أو رأي حيال ما جرى ويجري وسيجري في جامعة الأزهر، فكيف يمكن أن يكون لها رأي أو موقف في أي أمر آخر، أو فيما هو أكبر؟! إن لم يكن لها رأي أو موقف في كرسي عجزت إدارة الجامعة عن تأمينه للمحاضر في قاعه درسه، وإن لم يكن لها رأي أو موقف في أعمال البناء التي تحدث ضجيجاً يعطل التدريس في أوقات الدراسة، وإن لم يكن لها موقف أخلاقي ثقافي وطني ديني من تلك الكتابات القذرة على جدران قاعات الدرس وفي الممرات وفي الحمامات التي من شأنها أن تحط بالكرامة الآدمية وتخدش مشاعر الحياء الإنساني لبناتنا وأبنائنا وأخواتنا، فكيف يمكن لنا أن نؤمن بصدقها وصدقيتها في أنها ما تزال تعد العدة لتحرير فلسطين؟!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت