انتهت الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا اليوم وراقبت اللحظات الأخيرة لإعلان النتائج ، كانت الأصوات متقاربة والحملة الانتخابية شديدة عرض خلالها كل مرشح أفكاره وآرائه في كل ما يهم المواطن الأمريكي ومارس أكثر من مائة مليون مواطن بكل أريحية حقه فيث التصويت ةالتعبير عن رأيه ، ولم تأخذ عملية الفرز أكثر من عدة ساعات ليتم إعلان النتيجة ، فماذا جرى عند إعلان النتائج ؟
حسب التقليد والعادة الأمريكية فإن المرشح الخاسر هو من يبدأ الحديث ويبادر بالاتصال بالرئيس المنتصر لتهنأته بالفوز ويتمنى له التوفيق في تحقيق ازدهار وقوة الأمة الأمريكية ، ثم يقوم بإلقاء خطاب الاعتراف العلني بالهزيمة ويشكر كل من وقف معه من عائلته الشخصية الى عائلته الكبيرة من مسئولي حملته الانتخابية وكل من دعمه وصوت لصالحه ثم يتحدث عن الرئيس الفائز ويمتدح قدراته ويعلن استعداده لمساعدته من أجل مستقبل أمريكا .
وفي المقابل يقوم الرئيس المنتصر بإلقاء خطاب النصر ويشكر كل من وقف الى جانبه بدءا من زوجته وأولاده ثم قادة حملته وكل من سانده ومنحه الدعم ثم يعتبر كل الشعب الأمريكي وقف بجانبه بترسيخ مبدأ الديمقراطية ثم يمتدح منافسه ويمتدح قدراته ويعلن أنه سيبادر بالاتصال به للاستفادة من تجاربه ويذكر ما قدمه لخدمة الأمة الأمريكية .
هذه الصورة النمطية تتكرر كل أربع سنوات في أمريكا والدول الغربية الكل يشعر بالفخر والانتعاش ويمارسوا طقوسهم في كيفية التعبير عن سعادتهم بالرقص وتبادل الضحكات ، لا توجد شتائم ولا اتهامات ولا تشكيك ولا تجاهل ، لا تسمع صراخا بلا معنى ولا مهاترات ولا اعتداد بالنفس على حساب الآخر ، وخلال حديث كلا المرشحين لا تكاد تسمع " الأنا الفارغة " بل كل واحد منهم اعتبر أن نجاحه هو نجاح المجموع كل واحد منهم أعطى كل مواطن حقه ، لم يشعر أي مواطن أن صوته لم يكن له أثر ، الفائز كان بفضل دعم الشعب له والدعم ليس للشخص فحسب بل للبرنامج والسياسة والأمل في صياغة مستقبل أفضل .
أما الديمقراطية العربية فهي ممسوخة مغطاة بالدماء والقهر وأحزاب متصارعة متناحرة لا يعترف بعضها ببعض ، وكل حزب يعتبر ذاته على حق وغيره على باطل ، وكل حزب لا يعترف بأي حق للحزب الآخر بل يسعى لتحطيمه والتشكيل في أسباب وجوده ، وقلما تجد حزب يمتلك برنامجا سياسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا متكاملا وثابتا ، بل تجد أغلب الأحزاب تتلون في برامجها وثقافتها حسب ما تمليه عليه المصلحة في خداع شعبها للحصول على الأصوات ، وأصبح الوصول للسلطة هدفا بحد ذاته وليس خدمة لمشروع أو فكر .
هناك ممارسة في بعض عالمنا العربي لأشكال الديمقراطية وهي عملية الانتخابات وهناك شكل من أشكال التعددية الحزبية ولكن عندما نراقب السلوك والممارسة على أرض الواقع لا نكاد نجد من يفرح لانتصار منافسه ، وقلما من يفرق بين العداء والمنافسة ، في عالمنا العربي " كل من ينافسني على منصب فهو عدوي " ، وبالتالي العملية الانتخابية ـاخذ طابع المعركة العسكرية " فوز وهزيمة " وبالتالي عدم الاعتراف بالهزيمة بسبب الكبرياء التافه المسكون في أعماق كل متكبر حتى لو أظهر التواضع المصطنع ، في عالمنا العربي يكون القبول بنتائج الانتخابات بالإكراه وليس بالمحبة والرضى واعتبار أن ممارسة الشعب لحقه في الاختيار هي بحد ذاتها النصر للجميع .
في عالمنا العربي كل خاسر يعتقد اعتقادا جازما أنه الفائز لولا المؤامرة المحاكة ضده من أطراف هنا وهناك ، كل خاسر يعتقد بأنه خسر بسبب عملية تزوير وقعت لا يستطيع اثبات حدوثها ولا يملك الدليل عليها ، كل خاسر يعتقد أنه الأفضل ولكن هناك من لا يقدر قدراته الخارقة ، كل خاسر يعتقد أن الشعب خسره وسيندم مستقبلا علي سوء اختياره .
وفي عالمنا العربي كل منتصر يعتقد أنه – شخصيا – الأفضل من الجميع ولذلك اختاره الشعب ، كل منتصر يعتقد أن قدراته وما يملكه من إمكانيات فذة وعبقرية هي من أوصلته للنجاح ، كل منتصر يعتقد أنه من رفع حزبه لمستوى القيادة ولولا قدراته لكان حزبه ومؤيديه في آخر الصفوف ، كل منتصر هو على الحق المطلق وغيره على الباطل المطلق وعليه على الجميع الإقرار بالهزيمة ولا يناقشه أحد في قراراته القادمة ، وكل حزب منتصر يعمل على شطب وتجاهل كل من هو دونه ليمارس طقوس الحكم بمفرده أو بمن يختارهم بمزاجه .
في عالمنا العربي كل من يعترض مصيره السجن أو الضرب أو القتل ، وحتى نصل الى ممارسة نوع من الديمقراطية يجب أن تحرق البلاد وتزهق الأرواح حتى نحتفل بعد ذلك بالديمقراطية ، الوطن كله يزول من أجل إزالة حاكم ، الشعب كله يدفع ثمن من أجل أن يمارس حقه ، وبعد دفع هذا الثمن يحتفل الشعب بأنه حقق أهدافه بأن أصبح قادرا أن يمارس حقه كشعب في اختيار قيادته ولكن بذات الصورة آنفة الذكر .
لم أتمالك مشاعري وأنا أراقب نتائج الانتخابات الأمريكية بأن أشعر بالحزن والقهر على واقعنا العربي ولا أملك إلا أن أحترم وأقدر التجربة الأمريكية بما تحتوي من ثقافة وفكر وإنسانية ، بعيدا عن السياسة والمواقف الأمريكية العدائية من شعبنا وقضيتنا لأن هذا لا يمنعنا بأن نعترف بالحقيقة .
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت