بدأت لحظات منسوب شدّ الاعصاب ترتفع باضطراد متزايد كلما اقترب موعد ابحار السفينة الفلسطينية المنتظر من تحديد ساعة الصفر خلال شهر نوفمبر الحالي ، متجهة الى مرسى الجمعية العامة للامم المتحدة ، حيث تختلط مشاعر الامل بالخوف من القادم ، وسط صورة اشبه ما تكون بلوحة مضطربة من عالم اللامعقول ابطالها قراصنة العصر الحديث ، المسلحين بعوامل الاحباط والتضخيم المستعدين في كل الاوقات للانقضاض على كل خطوة من شأنها اضافة نوعية تدفع باتجاه الوصول الى شاطيء الامان ، يقف في مقدمة هؤلاء الادارة الامريكية وحكومة الاحتلال اللذان يصوران السعي لنيل الحقوق الفلسطينية التي نصّت عليها كل شرائع الدنيا ، كأن كارثة ستحدث بعد اليوم التالي لاستصدار قرار رفع مكانة التمثيل الفلسطيني في الجمعية العامة الى دولة غير عضو ، بعد ان وصلت عملية التسوية الى طريق مسدود ، اسلوب قديم جديد سلكته الدول الكولونيالية عندما تشعر باقتراب نهايتها الحتمية في محاولة يائسة لاطالة امد احتلالها ، ولا تتورع عن التهديد والوعيد وعظائم الامور كما يحصل الأن مع اقطاب حكومة المستوطنين الذين يهددون بوقف دفع المستحقات الضرائبية من عوائد الجمارك وهي اموال فلسطينية صرفه تجبيها اسرائيل مقابل نسبة مئوية محددة ، كما يتوعدون باجراءات اخرى منها توسيع دائرة البناء الاستعماري الاستيطاني الذي لم يتوقف يوما ، بل على العكس من ذلك ازدادت وتائره بشكل لم يسبق له مثيل ، اضافة لرزمة من العقوبات تطال حياة المواطنين مباشرة مثل طرد العمال الفلسطينيين وعدم اصدار التصاريح وتضييق الخناق على الحركة ، بالمقابل تقلل حكومة " نتنياهو ليبرمان" من شأن الخطوة الفلسطينية بدعوى عدم اهميتها لكن السؤال الذي يطرح نفسه تلقائيا لماذا كل هذا السعار طالما يصفون المسعى الفلسطيني بغير المجدي ؟
أما الادارة الامريكية الخارجة من الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي فاز بها الرئيس اوباما بولاية ثانية ، لم يتردد باستخدام نفوذه للضغط على الدول الاوروبية والتي تدور في فلكه لحثهما على عدم التصويت لصالح مشروع القرار الفلسطيني ، إذ كان يعتقد البعض ان فترة الدعاية الانتخابية ، تسبب حرجا للادارة الامريكية ان لم تتشدد في موقفها تجاه الموضوع الفلسطيني لكسب اصوات اليهود مع ان استطلاعات الرأي العام اظهرت حقيقة ماثلة تقول ان اخر ما يهم المواطن الامريكي قضايا السياسة الدولية ومن ضمنهم الشرائح اليهودية الذيم يمنحون الديمقراطيون اصواتهم بنسبة تترواح ما بين سبعين الى خمسة وسبعين بالمائة على اساس البرامج الاقتصادية والاجتماعية غير المتشددّة الى حد ما ، كما يبدوا ان الامال التي عقدت على انتقام اوباما من فريق نتنياهو جراء تأييده للمرشح الجمهوري المنافس ميت رومني قد تلاشت تماما بكونها رؤية قاصرة لاتمت للواقع الامريكي بصلة ولا يعني بأي حال ان الولاية الثانية للرئيس تحرره من قيود المؤسسة التي تضع السياسات الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية وضغط اللوبي الصهيوني ، وهذا ما عبر عنه الرئيس الامريكي الرافضة بشده للمسعى الفلسطيني خلال اتصال مطول مع الرئيس الفلسطيني .
إن الدرس البليغ الذي ينبغي اخذه بالحسبان في سياقات العمل السياسي بان امريكا ليس لها سياسة خارجية واضحة المعالم تجاه القضايا الدولية عامة والعربية بشكل خاص يستثنى من ذلك " اسرائيل " انما تمتلك مصالح دائمة يمكن ان تتبدل في كل وقت حيث تملي مصالحها ، بغض النظر عن ايدلوجيات الجهات الحاكمة طالما انها تتساوق مع مصالحها ، هناك امثلة كثيرة ارتبطت بالسلوك الذي انتهجته الادارة الامريكية في افغانستان والعراق ، ودول الربيع العربي تؤكد بما يدع مجالا للشك كيف تتبدل السياسات الامريكية من النقيض الى النقيض ...
يكثر الحديث بين الاوساط المختلفة من امكانية تأجيل الطلب الفلسطيني الى اوقات لاحقة ، البعض يبني موقفه على تسريبات الصحف الاسرائيلية الهادفة الى ارباك الموقف الفلسطيني ، وثمة من يعتقد ان الادارة الامريكية طلبت عملية التأجيل بالتزامن مع مبادرة دنيس روس ذات البنود السبع لكل من اسرائيل والسلطة الفلسطينية ، بينما يرى اخرون ان عدد من الدول العربية تضغط باتجاه التأجيل الى ما بعد تشكيل الادارة الامريكية الجديدة وانتهاء الانتخابات الاسرائيلية وبالتالي فان امكانية الحصول على العدد المطلوب يبقى مثار ارتياب اي ان الامر لازال قيد الشدّ والجذب ، مع ان القرار قد اتخذ من قبل الاطر الفلسطينية بشكل نهائي ، وتم تحديد الشهر الجاري لاجراء المشاورات مع الاطراف الدولية والاقليمية والعربية لحشد الاغلبية المطلوبة وبالتالي فان المحاولات الحثيثة للتأجيل ماهي الا ضربة موجعة اخرى في الصميم لاضعاف الموقف الفلسطيني وكسر للارادة الوطنية سيؤدي حتما الى فقدان المصداقية الشعبية لا يمكن تلافي نتائجها على المدى المنظور ، لذلك فان التوجه لهيئة الامم المتحدة بغض النظر عن الموقف الامريكي والاسرائيلي ومن يدور في فلكهم بات ضرورة ملّحة لاعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية ، وسوف تذهب التهديدات الجوفاء ادراج الرياح لاسباب موضوعية تتعلق بعدم امكانية الاحتلال تحمّل النتائج المترتبة على سياسة العدوان والحصار وانهيار السلطة الى ما لا نهاية ، بعد ان اضحى احتلاله غير مكلف على الاطلاق .
إن المرحلة القادمة تتطلب بذل كافة الجهود من اجل تعزيز التلاحم الوطني ووقوف الجميع امام مسؤولياتهم التاريخية لانهاء الانقسام في مواجهة العدوان المستمر على قطاع غزة ومصادرة الاراضي وتهويد القدس خطوات لابد منها تعيد ثقة الشعب الفلسطيني بالمستقبل والتمسك بثوابته الوطنية في بناء دولته المستقلة بعاصمتها القدس وعودة لاجئيه الى ارضهم وديارهم التي شردوا منها ، واطلاق سراح معتقليه من قيود الاحتلال ، دون ان نكون اقوياء بوحدتنا الوطنية سنكون عرضه للرياح المتقلبه .
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت