( أبو عمار) لم أفهمُكَ إلا بعد أن رأيت الرويبضة

بقلم: منذر ارشيد

بسم الله الرحمن الرحيم
( أبو عمار) لم أفهمُكَ إلا بعد أن رأيت الرويبضة


في ذكرى استشهادك يا سيدي لا يسعني إلا القول (رحمك الله رحمة واسعة)
فقد كنت قائداً لثورة بدأت من روح التضحية والفداء ولم تكن فيها إلا الفدائي الأول و في كل مواقع النضال والكفاح ودفعت من حياتك الكثير حتى كانت نهايتك كما أردت ...شهيداً
ربما سأختلف عن جميع من رثوك في هذه الذكرى الأليمة فالجرح عميق وأعمق من خسارتك وقد خسرنا قائداً وأباً ووالداً لجميع الفتحاويين وحتى الفلسطينيين
وكما أننا خسرنا معك ما خسرناه من كثير ٍ من الأحلام والطموح الذي كان يراودنا وقد ضحى شعبنا بالغالي والنفيس من أجل ذلك
لقد كان إغتيالك صدمة لنا جميعاً ونعتذر منك لأننا لم نكن على قدر المسؤولية وقد كنا فقط بكائين رداحين كالأيتام والثكالى وذهبت كأنك عابر سبيل مر على قرية
ومات فيها فكرموه بالدفن وأقواموا له بيت عزاء ( شكرَ الله سعينا )
وإختلافي هنا حيث أني سأضع بعض الأمور في نصابها متوجها إليك وأنت عند الرفيق الأعلى أعدل العادلين وأحكم الحاكمين
وبما أنك كنت تمثل الضمير الفلسطيني المعذب والمشرد وصاحب الحق
وقد حملت هموم شعبك في كل مكان
فحق لنا أن نتحدث عنك وعن فلسطين التي ما زال شعبها مظلوما ً مقهوراً
أمام عدوٍ متغطرس يزداد ظلمه وعدوانيته كل يوم بعد أن رحلت عنا وتركتنا في النفق المظلم رغم رؤيتك لللضوء في نهايته .

وعند قولي ..لم أفهمك لا يعني أني كنت أسير خلفك وتحت قيادتك صمٌ بكمٌ عمي ٌ.!
ولكني كنا نحاول أن نستبط من فكرك وقراراتك ما يجعلنا نتابعك لأننا كنا على ثقة بأنك ترى أكثر مما نرى وتفقه أكثر مما نفقه في السياسة ودهاليزها ..
لم أكن أفهم بعض الأمور التي فاجأتنا فيها خلال مسيرتنا الطويلة , وبقيت الأسإلة تجول في خاطري حتى أيامنا هذه حتى فهمتها مؤخراً وبشكل واضح
ولكن سيبقى السؤال الأول الذي حاول البعض أن يجيبني عليه من خلال تبريرات لا يمكن أن تُقنعني , وقد طرحتها لك وبشكل شخصي وقلت لك في جلسة ود على إفطار صباحي و بعد أوسلو (لماذا كل هذه اللفة والدورة كان من الأول ).!
وكان جوابك لي نظرة فيها شيء من السخرية مخلوطة بالحب والعطف وربما الشفقة علي فهمت منها ( روح يا بني بكرة بتكتشف لوحدك )
فقلت في نفسي يبدوا أن لديه من الأسرار الكثيرة التي لا يريد أن يكشفها .!
سأوضح هنا للقاريء الكريم ما عنيته حول بداية الثورة والوطن ..!
وقد كتبتها في مقالات سابقة ولم ألقَ جواب شافياً لها اللهم من بعض الإخوة الذين ثارت ثائرتهم في موقع الملتقى الفتحاوي وغيرها من المواقع , وقالوا...
( من أنت حتى تسأل هذا السؤال) ..!

سيدي أبا عمار .. لست هنا ( أنا ) ولكني أنطلق من خلال حقي كثائر ومناضل فلسطيني سار معك خطوة بخطوة مُسَلماً ومؤمناً بك وبقيادتك
فهمتك يا سيدي اليوم ولكني لم أكن لأفهمك في بعض الأمور التي كانت في بداياتنا وخاصة بعد نكسة حزيران وهي مسألة ربما تكون بيت القصيد في كل ما جرى بعدها من إرهاصات وتداعيات أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه
خاصة أنك لم تقُد ثورتك من أجل الضفة وغزة بل من أجل فلسطين التاريخية
لأن الضفة وغزة لو كنت تريد تحريرهما وإقامة دولتك الفلسطينية عليها فقط لكانت ثورتك على الأردن ومصر في ذلك الوقت .. ولكنك ثرت على إسرائيل التي إغتصبت فلسطين ولم تكن الضفة الغربية وغزة محتلتان ..وهذا السؤال الأول ويتبعه عدة تساؤلات منها ...
دخلت الوطن ونظمت القواعد النضالية ومن ثم أخرجت المناضلين إلى خارج الوطن وبقرار منك , ومن المعروف أن قواعد النضال والكفاح يجب أن تكون في قلب الأرض المحتلة وليس خارجها لأن العدو يكون أقرب وأكثر ضعفاً وأنت معه على نفس الأرض من أن يتظرك وينصب لك الكمائن وأنت قادم عبر الحدود ,
وبغض النظر عن الظروف الطبيعية والموضوعية للضفة وغزة,
فهناك ثورات قامت على أراضٍ جرداء وانتصرت لأنها بقيت في إطار مقاومة الاحتلال فقط ولم تنشغل بصراعات ثانوية أو لم تكن ضرورية
وأيضاً لم أكن لأفهم هذا الفيضان الهائل الذي إجتاحنا بعد معركة الكرامة وقد انتقل مقاتلينا من الأغوار حيث حدود الوطن والتماس مع العدو وانشغالنا بالصدام مع الأردن وقد تم استنزاف مقدراتنا التي كانت تشكل مصدر رعب للكيان الغاصب.

ربما لا يفيد الحذر مع القدر ولكن القدر لا يأتي صدفة بل هو نتاج عمل بشري
يكون القدر فيه تحصيل حاصل ,ولهذا كرت السبحة حتى أوصلتنا إلى لبنان وقد انشغلنا بصراعات داخل لبنان استنزفتنا وأشغلتنا عن مقارعة العدو ,
ومن ثم كل ما جرى من أحداث عجلت لإبعادنا كلياً عن حدود فلسطين ..إلى الشتات ومن ثم خطوة خطوة وإذا بنا نعود إلى الوطن وبموافقة العدو نفسه
لم أفهم أيضا كيف استلمنا مؤسسات السلطة وجعلناها مؤسسات هزيلة لا ترتكز على أسس قوية ولا واضحة وبوزراء منهم من كان يخدم العدو من خلال فساده وإسرافه ومجونه , ولم نضع خطط قوية لتثبيت أركان السلطة الاقتصادية والتنموية والثقافية وحتى السياسية وكثير من المؤسسات التي تسلمها أشخاص أقل ما يقال عنهم أنهم مجربون وفاشلون ولم ينتج عنهم سوى العبث والفساد والإفساد حتى استقوى علينا العدو وقد دخل في كل تفاصيل حياتنا وأنهكها
كل هذا لم أفهمه ولن أفهمه حتى تقوم الساعة
ولكنني فهمت أخيراً لماذا غامرت وقبلت قرار
242 وسارعت وتسرعت في اتفاق أوسلو ..!

أقول الان فهمتك ....ايها الغائب الحاضر
الآن فهمتك ..في كل ما ذهبت إليه في مسيرتك التي أخذتنا إلى الشتات ومن ثم إلى توقيع إتفاق أوسلو
فهمتك الان يا سيدي بعد كل علامات الإستفهام التي واجهتنا سواءً في المؤتمرات
المجلس الوطني وما أقرته من قرارات إعلان الدولة في الجزائر والاعتراف بقراري 242 الذي شمل الاعتراف بإسرائيل
فهمتك يا أبا عمار بعد أن ثبت بالوجه القطعي أنك سبقت كل حكام العرب في فهمك لمجريات الأمور في العالم خاصة أنك ربطت خيوط اللعبة بما مكنك أن تدخل أي مكان على الكرة الأرضية وأنت مرحبٌ بك رغم أنك كنت بنظر الكثيرين... إرهابياً
فهمتك اليوم أنك إستقرأت المستقبل ببراعة
ووثقت علاقاتك بالجميع دون استثناء مع الملك فيصل ونقيضه جمال عبد الناصر
ولم تكن تعلم أن عبد الناصر قائد مصر وزعيم الأمة الذي كان يجمع العرب بصوته العالي وخطابه المجلجل
لم تكن تعلم بأنه سيأتي يوم تصبح فيه قطر هذه النقطة في بحر المحيط العربي
وبشيخها المثقل بالشبهات وها هي تجمع العرب ومعهم الغرب بإشارة واحدة
كنت ترى النقيض للحال العربي قادم مع تسارع الأحداث بعد أن أصبح القطب الواحد مهيمناً على العالم
كنت توزع القبلات على كل من هبَ ودب لأنك كنت تدرك أن أي صغير مهما كان صغيراً فلربما سيكون ذا شأن مع تقلبات الدنيا التي أصبح فيها كل شيء عجيب
لقد قرأت حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قراءة معمقة وسبقتنا في تقييم الحاضر والمستقبل بعد أن تعملق الرويبضة وأصبح ذا شأن
فذهبت إلى أبعد حد من الحدود الي كانوا يتجهون نحوها من وراء الستار وخلف الكواليس ...وتقدمت جهاراً نهاراً وفي العلن لا بل قفزت متجاوزاً كل الحواجز لأنك لم تكن تابعاً بل قائداً متميزاً بقرارك المستقل
ففاجئت الجميع بسلامك مع رابين وبيرس
وقلت للجميع... إلحقوني يا شُطار

فهمتك الان ...وأنا أرى هذا الربيع العربي الذي إستثمرته دول الغرب وعلى رأسها أمريكا لتغيير رؤوس أثمرت وحان قطافها وهم أصحابها
فهمتك الان .. ونحن على أعتاب زلزال مدمر بدأ يتململ تحتنا وبدأت علاماته بالظهور وكنت أول من نبه له وحذرت منه بعد غزو العراق فسارعت لدعم صدام لأنك فهمت اللعبة وحاولت أن تنقذ الموقف ولكن الوضع كان أكبر من أن تكون مؤثراً فيه , فسارعت وتسرعت وقلبت رأسي المجن دون أن تعبأ بكل الانتقادات والتخوين ودخلت الوطن محققاً طوحك الشخصي على الأقل كزعيم لدولة تنطلق من أرضك ولا تحتاج إذناً بالدخول من أحد ولا تنتظر التشريفات في القصور الملكية أو الرئاسية ولا تحتاج لوسطاء ينقلون رسائلك لأمريكا وأوروبا

الان فهمتك ..والفتن بدأت تطل برؤوسها في منطقتنا واسرائيل تترقب وتنتظر تقسيم المنطقة لتضع نفسها في مكانها المطلوب وقد غرست أنيابها من خلال عملاء يكادوا يشكلون نسبة لا بأس بها من عدد سكان الدول العربية
فهمتك الان ..والصراع يحتدم بيننا وبين العدو الغاصب وليس بينننا وبينه حدود
وها نحن في وطننا وفي القلب سويا ومعاً مع جيشه المحتل في صراع دائم
وهنا أعود لسؤالي الأول وهو الذي لم أفهمه ...
لماذا كل هذه اللفة الطويلة وهذا الوقت الذي أضعناه
قمنا بثورة على ارض الوطن ..ورحلنا إلى خارج الوطن ..وعقود من الصراع مع الدول العربية خسرنا الاف الشهداء خارج الصراع مع العدو..
..وأخيرا وبعد ربع قرن نعود لنمارس النضال من جديد بعد أن تبدلت الظروف وتبدلت الامكانيات وتبددت الأحلام وفقدنا الالاف وخسرنا خيرة القادة
ألم يكن من الأفضل لو أننا مارسنا نضالنا من قلب الوطن وقد فشلت نظرية العمق العربي وكلنا يعرف أن العمق العربي مُستعمر وحكامه موظفين

فهمتك الان يا سيدي ..

وأخيراً فهمتك ..وقد ذهبت إلى الضوء ..وتركتنا في النفق المظلم
وها نحن نحاول أن نجد طريقنا في هذا النفق
ونور الله ..لا ولن ينطفيء

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت