لا نستبعد أن اغتيال القيادي القسامي أحمد الجعبري انتقام إسرائيلي متأخر من الشهيد لدوره في خطف شاليط وفي إنجاز صفقة الأسرى،وقد سبق أن هددت إسرائيل أنها ستنتقم من المسئولين عن خطف شاليط،ولكن وبالإضافة إلى ذلك فإن كل المؤشرات كانت تدل على أن إسرائيل لن تصمت طويلا على ما يجري في قطاع غزة وخصوصا بعد الحملة العسكرية للجيش المصري على الجماعات المتطرفة في سيناء،وتزايد أعداد الجماعات المتطرفة في غزة وعدم قدرة أو رغبة حماس بمواجهتها عسكريا . فإسرائيل الصهيونية التي اغتالت رئيس وزرائها اسحق رابين لأنه آمن بمبدأ السلام واغتالت ياسر عرفات شريكه بالسلام، ثم أبو علي مصطفى والشيخ ياسين والرنتيسي وغيرهم،إسرائيل التي قصفت قوافل ومخازن سلاح في السودان واغتالت قيادات حمساوية في الإمارات ودمشق ... لن تسكت على تهديد امني ولو كان صغيرا ومستقبليا يأتيها من قطاع غزة خاصرتها الجنوبية.
إسرائيل وبكل ما تملك من قوة عسكرية تشعر بالقلق وبمأزق حقيقي بسبب عدم قدرتها على التخلص من أكثر من خمسة مليون فلسطيني يعيشون داخل فلسطين دون أن يرفعوا راية الاستسلام لا في الضفة الغربية والقدس ولا في قطاع غزة وبالتأكيد لم يرفعوها في الشتات ،وإسرائيل متخوفة من صيرورة الأوضاع في العالم العربي على المدى المتوسط والبعيد ،كما أنها تشعر بالانزعاج من تحرك الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة ،لكل ذلك فأن حربها الحالية على قطاع غزة تندرج في إطار إستراتيجية طبقتها قبل ذلك في حرب 67 وفي حربها على لبنان 1982 وهي الحرب الاستباقية أو الضربة الوقائية.
اغتيال أحمد الجعبري القائد القسامي خسارة كبيرة ولا شك ،ولكن يجب التفكير مليا في أسلوب الرد من حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية انطلاقا من قطاع غزة، فغزة فيها ما يكفيها،وأهلها سواء من يعيش في غزة أو في الخارج عانوا أكثر من غيرهم. ندرك جيدا الغضب الشديد الذي ينتاب كل حمساوي وفلسطيني،وندرك العواطف الجياشة والرغبة الشديدة بالانتقام من المجرمين الصهاينة، ونعلم أن عدم الرد قد يُفسر بأنه ضعف من حركة حماس وفصائل المقاومة.ولكن لو فكرنا بعقل وبعمق عما يكمن وراء إقدام العدو على اغتيال اكبر مسئول عسكري في حماس غير عابئ بكل ما يقال عن الربيع العربي،فإن العقل سيقودنا إلى نتيجة أن إسرائيل تريد اختبار قوة الرد عند المقاومة وربما استدراج حركة حماس والفصائل لرد كبير يمنح إسرائيل المبرر لخلط الأوراق والقيام بعدوان واسع على غزة وإجراءات خطيرة في الضفة والقدس.
نعم المطلوب اليوم عقلانية فلسطينية وبطولة عربية فالربيع العربي على المحك اليوم. يكفي العرب حديثا عن البطولة الفلسطينية واستعراض فضائياتهم صور الشهداء وأشلاء الأطفال والبيوت المهدمة،والتسابق على لقاءات مع شباب ملثمين يتحدثون عن الرد المزلزل وتدمير إسرائيل وتلقينها درسا لن تنساه الخ ! ،كفانا قوافل الأغذية والأدوية وأكفان الشهداء،ويجب تغيير معادلة ( من الفلسطينيين الدم والمعاناة ومن العرب الدعوات والمال )، ولنقلها صراحة ولتقلها فصائل المقاومة صراحة دون مكابرة أو عقدة خجل ،إننا لوحدنا لا نستطيع هزيمة إسرائيل ليس نقصا في الشجاعة والإرادة أو خوفا من المواجهة بل انصياعا لعقلانية عدم رمي الذات إلى التهلكة ،ولنقلها للأنظمة العربية والإسلامية إن الدم الفلسطيني ليس أرخص من الدم الليبي أو السوري ،وإن القدس وغزة ليستا أرخص وأقل قدسية من طرابلس ودمشق وتونس والقاهرة .
نشكر كل من مد لنا يد الدعم والمساعدة: مقالا في جريدة أو تحقيقا في فضائية أو مظاهرة في شارع أو قافلة غذاء ودواء أو بناء منزل وشارع ، ونقدر كل دمعة ذرفتها امرأة عربية أو مسلمة ، ونقدر ونشكر كل من تكبد مشقة السفر بحرا وبرا ليكسر حصار غزة ،كل ذلك قد يرضي ضمير القائمين بهذه الأفعال وقد يجدون في ذلك قياما بواجبهم القومي والديني تجاه فلسطين والقدس ،وهو جهد يُمَكِن الفلسطينيين ولا شك من البقاء على قيد الحياة – مع أن هذه من مسؤولية دولة الاحتلال والدول الراعية لعملية التسوية - ،ولكنه لم ولن يمنع إسرائيل من سرقة الأرض في الضفة شبرا بعد شبر،ولا من تدنيس المقدسات وتهويد القدس،ولم ولن يمنع من استمرار اغتيال المواطنين والمجاهدين والأطفال وقصف البيوت في قطاع غزة .
ولنتساءل لماذا تصل الحمية والنخوة العربية إلى درجة تسليح المقاتلين في ليبيا وسوريا ومدهم بالمال بلا حدود ، بل ومشاركة طائرات عربية في قصف مواقع ومناطق ليبية بجانب طائرات الناتو،بل سمعنا عن مشاركة مقاتلين من دول عربية إلى جانب جماعات المعارضة، تحت عنوان مساندة الشعوب الثائرة على الدكتاتورية والاستبداد!،ولا نرى هذه النخوة والحمية العربية في دعم المقاتلين والمجاهدين الفلسطينيين بالسلام والمقاتلين لمواجهة الاحتلال ؟ لماذا تتحرك دول عربية دوليا لحشد تحالف دولي وإصدار قرارات دولية لإسقاط أنظمة مستبدة،ولا نرى مثل هكذا حشد أو حراك لإنهاء الاحتلال أو حتى إجباره على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية ؟. هل أنظمة الاستبداد العربية أكثر خطرا على العروبة والإسلام من إسرائيل التي تحتل القدس ومسجدها الأقصى ؟. أم أن إسرائيل خط احمر رسمته واشنطن غير مسموح للأنظمة العربية حتى أنظمة الربيع العربي بتجاوزه .
تقول للمقاومين الفلسطينيين أن لا أحد يشكك بشجاعتكم وبطولتكم وإن فداحة المصاب باستشهاد الجعبري تحتم ردا ،ولكن الرد يجب أن يكون بعقلانية ولا يقتصر على الرد العسكري فقط ومن غزة فقط حتى لا تُمَكِنوا العدو من تحقيق أهدافه،ويجب أن لا ننسى نتائج العدوان الأخير حيث لا يزال أهل غزة يعانون من آثاره .لا يجوز أن تتحول المعركة إلى معركة إسرائيل في مواجهة غزة فيما الضفة صامتة وفلسطينيو الشتات متفرجون، ولا يجوز أن يكون الموقف العربي بعد ربيعهم هو موقفه قبله،فعلى العرب والمسلمين وخصوصا عرب الربيع العربي أن يتحملوا المسؤولية ويخففوا العبء عن المجاهدين الفلسطينيين.
كانت خطوة مصر بسحب سفيرها خطوة مهمة و لكن نتمنى على العرب القيام بخطوات أكثر من مجرد سحب السفراء أو مناشدة الأمم المتحدة بالتدخل،وكما استطاعوا أن يوظفوا أموالهم وثقلهم الاقتصادي وعلاقاتهم الدولية وخصوصا مع واشنطن في إسقاط أنظمة مستبدة ، نأمل أن يحشدوا تحالفا دوليا،ولِما لا يكون حشدا عسكريا ، لإنهاء الاحتلال ،ونعتقد أن مواجهة الاحتلال أولى وأحق بالجهاد والمقاومة المسلحة من إسقاط أنظمة دكتاتورية .
15/11/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت