مسامير وأزاهير 309 ... هل مصر مرسي كمصر مبارك!؟.

بقلم: سماك العبوشي


كثيرة هي الأسباب الموضوعية التي أطاحت بمبارك ونظامه الفاسد، منها ما يتعلق بالشأن الداخلي المصري، ومنها ما يتعلق بالشأن القومي العربي والدولي الخارجي، ولعل قضية فلسطين - وحصار غزة تحديداً- كان من جملة تلك الأسباب القومية التي أطاحت به، ذاك النظام الفاجر الذي خلق طبقة محدودة جدا من المصريين المترفين، فيما كان السواد الأعظم من شعب مصر الأبي يتضور جوعا وحرماناً، فأذلت قاهرة المعز من أذلها وسام شعبها هواناً وكبلهم تكبيلاً، ومن تربص لها ومكر بها، ومن كتم على أنفاس أبنائها، ومن شردهم في بقاع الأرض بحثاً عن حرية وكرامة ولقمة عيش كريمة!!.

لقد كانت من تداعيات ارتباط نظام اللامبارك غير المشروط بالولايات المتحدة الأمريكية وإذعانه لاشتراطات الكيان الصهيوني وترك يدي الأخير حرة طليقة تفعل ما تشاء ووقتما تشاء أن تقزم دور مصر وفقدت دورها الريادي المؤثر على الساحة العربية والإقليمية والدولية!!، ولطالما وصف نظام مبارك بأنه كان كنزاً استراتيجياً للكيان الصهيوني بشهادة المحللين السياسيين والعسكريين الصهاينة!؟، كيف لا وتداعيات "سلام كامب ديفيد" قد جعلت من حيادية مصر وخروجها من دائرة الصراع العربي الصهيوني جسرا دبلوماسياً واقتصاديا وثقافيا تدخل من خلاله تل أبيب إلى دول الشرق الأوسط عموماً وأفريقيا خاصة!!. وكيف لا وقد ترك الحبل على الغارب للكيان الصهيوني الخبيث كي يعبث بأمنها القومي من خلال التغلغل الصهيوني في قارة أفريقيا حتى تفتت السودان إلى دولتين كان للكيان الصهيوني القدح المعلى لدى دولة السودان الجنوبية المستحدثة!!.

لقد صدّع النظام المصري السابق المخلوع رؤوسنا بمفردات الأمن القومي المصري والسيادة المصرية، والتي بموجبها مارس النظام المخلوع تشديد الحصار الظالم على أبناء غزة الصابرين المحتسبين مانعا عنهم الغذاء والدواء والحاجات الإنسانية البسيطة، ووقف متفرجاً غير مكترث إزاء الهجمة الوحشية الصهيونية واجتياح أرض غزة "الرصاص المصبوب"، ولعل أسوأ ما فيه ذاك الذي يتعلق بموقفه المشين من الصراع العربي الصهيوني، وما كان قد أظهره من عداء مفرط وقح تجاه حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الرافضة للركوع للهيمنة الأمريكية والاشتراطات الصهيونية، وتحمسه الشديد لتضييق الخناق على أبناء غزة من خلال تشديده لإجراءات الحصار الظالم على غزة، بحجة أنه يسعى لحماية أمن مصر القومي وسيادتها!!، ولطالما استخدم النظام المصري المخلوع وردد قياديوه بتصريحاتهم الصحفية ومقابلاتهم عبر الفضائيات مفردة الأمن القومي المصري والسيادة المصرية إلى غير ذلك من مفردات طنانة رنانة كلما كان الحديث يجري حول قطاع غزة وحصارها، أو كلما وقفوا أمام كاميرات وكالات الأنباء العالمية لتبرير تضييق النظام المصري لقوافل المساعدات الإنسانية الدولية والعربية المتجهة نحو غزة نصرة لأبنائها، ليظهروا أمام العالم أجمع بتصريحاتهم تلك وكأن حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى هي الخطر الأكبر على أمن مصر القومي وليس الكيان الصهيوني الغاصب الذي احتل أرض سيناء لسنين طويلة ودخل مع مصر في حروب طاحنة، كما وألقوا تبعات الحصار وأسبابه على حماس وحدها متناسيين تماماً بأن الغرب هو من فرض الحصار على غزة وأهلها إثر فوز حماس بالانتخابات التشريعية 2006!!.

لقد ساهم نظام اللامبارك بتشديد الحصار على أبناء غزة من خلال إقامته للجدار الفولاذي بين مصر وغزة، وعرقل دخول قوافل المساعدات الإنسانية لها وضيق عليها الخناق، وكان دور مصر المحروسة حيال القضية الفلسطينية محصوراً بجهود الوساطة بين الفلسطينيين والصهاينة، فبدت مصر بفعلتها تلك وكأنها ليست بدولة عربية وأن أبناء فلسطين ليسوا بأبناء جلدتها!!، فهل تغير نظام مصر السياسي حقاً بعد رحيل اللامبارك!؟، أم أن حظ أبناء غزة اليوم في ظل نظام مصري جاء في أعقاب ثورة شباب مصر في 25 يناير سيكون كمثله أيام نظام اللامبارك اللعين!!؟.

همسة محب في أذن الرئيس المصري المؤمن الورع محمد مرسي، في ظل ما يجري اليوم في غزة العزة والشرف والإباء، وفي أعقاب اغتيال القائد الشهيد أحمد الجعبري واستمرار قصف قطاع غزة وسقوط الشهداء الآمنين المسالمين من الأطفال والرضع والشيوخ والاستعداد لاجتياح مدنها عسكريا، وهي لعمري همسة صادقة ناصحة همست بها يوماً ملْ فمي في أذن اللامبارك قبل رحيله، بأن دوام الحال هو من المُحال، وأن لكل زمان دولة ورجالا، وأن كرسي الرئاسة وما يعنيه من جاه ونفوذ إنما سيهجركم يوماً ما ( كما هجر غيركم من قبلكم ) لتجدوا أنفسكم وقد جلستم على كرسي المواطنة، حينها لن يتبقى لكم سيدي الرئيس إلا ذكريات ستسترجعونها بحلوها ومرها، فتصابوا بالفرح تارة وبالغم تارة أخرى، ولا أشك لحظة واحدة سيدي الرئيس في أن يكون لأبناء غزة ( شيبها وشبابها وأطفالها ونساءها ) وما جرى لهم من مصاب ومآس حصة الأسد من ذاك الشريط من ذكرياتكم، فوالله الذي لا إله إلا هو أني لأرجو الله تعالى في أن يكون لكم نصيب كبير في إنهاء معاناة أبناء غزة بعيداً عن دهاليز السياسة المقيتة وحساباتها الضيقة المرتهنة بأمريكا ومن لفّ لفها، وبما سيضمن لكم راحة الضمير والوجدان بإذن الله تعالى!!، وإنه تالله لأمر جميل أن يجد امرؤ ( وهو في عنفوان أمره وعظمة شأنه ) متسعاً من الوقت في أن يـُخـَيـَرَ بين أحد أمرين، فيكون من تداعيات ما اختاره إما طاعة الله تعالى ورسوله وما تعنيها من راحة الضمير وسكينة النفس، أو معصية الخالق سبحانه وتعالى وما يتبعها من عذاب الضمير وسُـهـْد الجفون وحساب يوم الآخرة، والأجمل من كل هذا وذاك سيدي الرئيس أن يأتي قرار المخيـّـَر ( بفتح الياء ) بما يضمن له راحة الضمير وسكينة النفس!!، ثم والله ثلاثاً ... ما أسعد المرء حين يُشار عليه ( وهو في قمة سطوته وقوته وعنفوانه ) إلى مواطن الأذى ومكامن الظلم والجور فيكون سبباً مباشراً في رفعها وإبعادها عن طريق عباد الله ما تمكن من ذلك سبيلا، وإنني والله وتالله ما همست بأذنكم إلا صادقاً في دعوتي هذه، ناصحاً إياكم، وطالباً لكم راحة الضمير وسكينة النفس!!.

ختاماً أردد على مسامع الرئيس المصري (المؤمن الورع)، ومن خلاله لكل ساسة أمتنا العربية عموما وقادة شعب فلسطين خاصة، ما يقوله الله تعالى في محكم آياته: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً "...(الأحزاب:23).

سماك العبوشي

16 / تشرين الثاني / نوفمبر / 2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت