غزة دائما أولا ، ليس تعصبا لمدينة غزة بل هي قراءة في سياق التاريخ القديم والمعاصر ، حيث تشير أحداث التاريخ إلى أن غزة دائما كانت بداية الوطن وليست نهايته ، فمنذ نكبة فلسطين كانت من غزة طلائع الثورة من اجل التحرير والعودة ، من غزة كان افشال كل المخططات والمؤامرات للتدويل وإذابة القضية ، من غزة كان أول جيش فلسطيني منظم في العصر الحديث ، ومن غزة كان انطلاق الثورة ضد المحتل عام 1967 ، ومن غزة كان أولى الثورات الشعبية التي كان يقودها ووقودها أطفال صغار ليلقنوا العالم دروس الثورة من اجل الخلاص ، وفي غزة كانت الخطوات الأولى لبناء الدولة والعودة حتى وان كانت هذه الخطوة لاقت العديد من أنواع الرفض .
اليوم غزة تعلن للعالم العربي والإسلامي رفضها للمساومة والتفريط في الحقوق الفلسطينية المغتصبة ، وتعلن رفضها لكل الحلول التصفوية تحت أي مسمى مبادرات وخطط وخرائط، اليوم أثبتت غزة بان الإنسان الفلسطيني إنسان قادر على أن يأخذ بأسباب العصر من علوم وتقنية وتوظيفها خدمة لقضيته دون أن يركن لان يأتيه المحارب أو المقاتل من الخارج .
هذه غزة التي أذهلت العالم اجمع بانجازاتها لدرجة أصبحت دول العالم تتسابق إلى المنطقة لخطب ود غزة من اجل حماية ربيبتهم إسرائيل واضعين وراء ظهورهم كل ما واجهه الشعب الفلسطيني من قتل وتشريد ونهب وسلب للأراضي والممتلكات طوال أربع وستون عاما مضت .
نعم نكتب هذه الكلمات والقصف الجوي الإسرائيلي الغاشم لا يكاد ينقطع لحظة ، قنابل ثقيلة تجعل الأرض تهتز وتهتز معها البيوت من شدة قوتها ولكن أهل غزة صابرون صامدون ، لا ندري هل سيتم إبرام اتفاق تهدئة خلال الساعات القادمة أم ستتجه الأمور إلى التصعيد ، في كل الأحوال فإن معركة غزة الآن سوف تكشف إلى غير رجعة الكثير من الأمور وهي :
أولا : الموقف الفلسطيني ، لقد اثبت شعبنا شعبا بأنه شعبا واحدا ، فالذي يسير في غزة الآن يجد وبكل وضوح اختفاء كل المسميات ، لا حماس ولا فتح ولا شعبية أو ديمقراطية ، فالكل فلسطيني ، والكل يواجه العدوان ، بالسلاح وبالقلم وبالصمود ، وبالالتزام ، إنها حرب الجميع والجميع واحد تحت القنابل والطائرات التي لا تفرق بين هذا وذاك ، ومع ذلك فإن قياداتنا لم تستثمر هذه الفرصة التي تعبر عن أصالة شعبنا ، وذلك للعمل بإنهاء الانقسام والتوحد الفوري حيث لا يحتاج إلا كلمة واحدة وهي الإعلان عن إنهاء هذا الانقسام البغيض ولسنا في حاجة إلى جلسات وحوارات فوحدة الدم النازف تكفي ، وبعد انتهاء الحرب يمكن علاج كل شيء ، مع العلم بان هذه الحرب سهلت الكثير في هذا الطريق .
ثانيا : الموقف العربي في ظل ما تمخضت عنه ثورات الربيع العربي ، التي انطلقت من التخلص من أنظمة الاستبداد والفساد ، أنظمة جعلت من نفسها لعبة في يد الغير لنهب ثروات شعوبها ، واستمرار تجهيل وتخلف الشعوب العربية ، واستمرار ارتباطهم ثقافيا واقتصاديا وسياسيا بدول لعبت دور الاستعمار سابقا، وما زالت ولكن بأشكال جديدة ، هذا الموقف العربي الذي ما زال يبدو خجولا في معركة غزة ولم يتعدى الموقف سوى بيانات الشجب والاستنكار وسحب السفراء ، وزيارات قصيرة وإعلامية لبعض المسئولين العرب ، كنا نرغب أن يكون الموقف العربي أقوى واشد ، ولا يفهم من ذلك أننا نريد جيوشا ودبابات وطائرات ، لا بل يكفينا مثلا قطع العلاقات الدبلوماسية ، والتجارية ، واستخدام سلاح النفط ، كنا نرغب في سرعة الإعلان عن كسر الحصار والمساعدة في اعمار غزة على الرغم من انف العدو ، كنا نرغب في فتح المعابر ليجعل الفلسطيني ينطلق لبناء
دولته ووطنه .
ثالثا : الموقف الدولي ، مع شكرنا وتقديرنا لبعض الدول مثل تركيا وإيران في موقفهما من الحرب الدائرة على غزة ، فإن الكثير من الدول مثل دول الاتحاد الأوروبي تسارع إلى إرسال مندوبيها إلى المنطقة طلبا بإنهاء القتال ، لا لسبب إلا لحماية إسرائيل ، لا لحماية شعبنا الأعزل الذي وجد نفسه مجبرا على الدفاع عن نفسه في ظل اختلال المعايير ، فعندما يعطي رئيس أكبر دولة في العالم الإذن لإسرائيل لضرب غزة دون النظر في أسباب وأصول الصراع فهو طامة كبرى ، إذن فالدول التي توهمنا واعتبرناها صديقة فهي تهب من اجل إسرائيل بحجة تجنيب المنطقة ويلات الحروب .
هذه المواقف في انتظار جلائها أكثر ، وهي ليست أحكاما بل ننتظر حتى انتهاء الحرب ، فإن الشيء المؤكد بان غزة في هذه المعركة ستنير الطريق للأمة العربية والإسلامية ، بعد أن لفهما الظلام حقبة من الزمن ، وأثبتت بجلاء وهم الجندي الإسرائيلي تماما كما أثبته الجندي العربي المصري والسوري عام 1973 ويبدو أن العالم العربي قد ذهب يهما إلى عالم النسيان ، في هذه الحرب تثبت غزة قدرة الإنسان العربي على الابتكار والأخذ بأسباب النصر والتقدم متى ينحت له الفرصة ، وامتلك الإرادة .
وعليه نأمل على القيادات الفلسطينية أن تستثمر ظروف الوحدة الوطنية الشعبية من اجل إنهاء الانقسام للعودة إلى وحدة الوطن ، كما نأمل أن يتطور الموقف العربي ليكون أكثر جرأة وقوة من الموقف الحالي ، حتى يجعل الدم يجري بقوة في العروق العربية
كما نأمل في تغيير مواقف الدول الأوروبية لنصرة الحق وتعترف بان مصالحها مع الدول العربية أكثر بكثير من مصالحها مع إسرائيل ، وأخيرا نأمل من هذه الحرب أن تكون كسرت قواعد اللعب فلسطينيا وعربيا مع أعداء الأمة
أكرم أبو عمرو
18/11/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت