قراءة سريعة للعدوان والاتفاق والانتصار

بقلم: رشيد شاهين


ليست هذه هي المرة الأولى التي ترعى أو تضمن الدولة المصرية اتفاقا بين الفلسطينيين من جهة وحكومة الاحتلال من جهة أخرى، فلقد قامت بمثل هذه الرعاية في أكثر من مرة، كما كانت العاصمة المصرية "مَحَجا" للعديد من الوفود الفلسطينية التي تقاطرت عليها في السنوات الأخيرة من اجل إتمام "المصالحة" الفلسطينية الداخلية وإنهاء حالة الانقسام.

قضية إنهاء العدوان الصهيوني على القطاع ، كان مطلبا لكل الخيرين الذين من الواضح انهم يتناقصون في هذا العالم عندما يتعلق الأمر بالصراع الفلسطيني مع دولة الكيان، وهذا يشمل قادة امة العربان، الذين سلموا زمام أمورهم إلى السيد الأمريكي، فباتوا لا حول لهم ولا قوة ، منقادين مذعنين تبعث أحوالهم على الرثاء، وكما قال احدهم "نعاج".


منذ بدأت دولة الاحتلال عدوانها على القطاع، بات جليا ان لهذا العدوان أهدافه المتعددة، والتي من أبرزها وفي المقدمة منها كما نعتقد، هو جس نبض القيادة المصرية الجديدة برئاسة محمد مرسي والإخوان المسلمين، في محاولة لاستيضاح الموقف الحقيقي لهذه القيادة، التي أرسلت عشرات الإشارات والتطمينات الى الدول الغربية وفي المقدمة أميركا، وكذلك الى دولة الاحتلال نفسها، ويمكن التذكير برسالة مرسي الى صديقه الوفي أو العزيز شيمون بيرس.


كما كان من بين تلك الأهداف، "القضاء" على المخزون "الصاروخي" وخاصة بعيد المدى، الذي يمكن أن يطال مدنا هامة كالقدس وتل أبيب وغيرهما، هذا المخزون الذي استطاعت القوى والفصائل الفلسطينية المختلفة، أن تحوز عليه ما بعد الحرب السابقة بطرق شتى، وكذلك بعد سقوط نظام القذافي.


أما الهدف الثالث، فكان خلق حالة من الإرباك للقيادة الفلسطينية في رام الله، والتي لا زالت مصرة على التوجه الى الأمم المتحدة، من اجل الحصول على اعتراف دولي بفلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة.


بالإضافة الى ذلك، فقد كان في ذهنية قيادة الاحتلال التي ظهرت البارحة على شاشات التلفزة، وبعد ان دخل الاتفاق حيز التنفيذ، متمثلة في نتانياهو وباراك وليبرمان، العملية الانتخابية، وقد كان ظهورهم وكأنه مؤشر لبدء الدعاية الانتخابية بشكل مبكر، ومن على أشلاء ودم ضحايا العدوان، وهذه ليست المرة الأولى، التي يكون دم أطفال فلسطين، احد أهم عناصر الدعاية الانتخابية في دولة الاغتصاب.


ومن الأهداف أيضا، هو ما بات يعرف باستعادة قوة الردع لكيان الاحتلال، أي استعادة هيبة جيش الاحتلال، وقدرته على التصدي لأية بوادر نضالية ومُقاوِمَة في أي من المناطق الفلسطينية أو حتى المناطق المحيطة كلبنان مثلا.


ما ان انطلق العدوان الأخير على القطاع، حتى بدأت ماكينة الإعلام الصهيونية تساندها "اللوبيات" اليهودية العنصرية المتواجدة في أنحاء العالم، والماكينة الدبلوماسية التي تباهى بها العنصري ليبرمان خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد إعلان وقف إطلاق النار، بتزوير الحقائق، والضخ بقوة متصاعدة لتحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية عما يجري، وكان من الواضح، ان القيادة الصهيونية تعلمت الكثير من الدروس من التجربة الإعلامية النازية، التي كانت في جوهرها تستند إلى الكذب ثم الكذب ولا شيء غير الخداع والكذب.


يمكن القول في هذا الإطار ان دولة الكيان، نجحت بشكل كبير في استقطاب مواقف الدول الغربية الى جانبها، فكان الموقف الأمريكي "برغم ما قيل عن جفاء بالعلاقة بين اوباما ونتانياهو، بسبب مواقف الأخير، خلال الحملة الانتخابية في أميركا" يشير الى تحيز واضح الى الجانب الصهيوني.


كما ان موقف الاتحاد الأوروبي، وعلى لسان كاثرين آشتون، كان واضحا في الانحياز الكامل لدولة العدوان. كما ان دول الاتحاد الأوروبي، اتخذت مواقف "بشكل فردي" مغرقة في الانحياز الى جانب دولة الكيان، الى الدرجة التي كان لبعض الدول خروج عن التقليد السائد في الوقوف الى جانب الحق الفلسطيني كإسبانيا.



لا شك ان ما جرى في مصر خلال الأيام والساعات التي سبقت وقف القتال، كان يدلل على الدور المركزي لهذه الدولة، ومن هنا كانت القاهرة تعج بكل أطياف الوفود التي أتت من الشرق والغرب، هذا الدور الذي نعتقد بأن القيادة الحالية "الجديدة" لم تحاول استثماره بالشكل الذي راهن عليه البعض، من خلال التأكيد على ان الكيان هو الذي ابتدأ العدوان، وان على من يرغب في التوسط، أن يكون نزيها لا منحازا، وإن الجلاد لا يمكن أن يكون الضحية، وان على هؤلاء "المتراكضين" إلى القاهرة، أن يعلنوا صراحة بان من يتحمل هذا العدوان، هو دولة الكيان وليس الجانب الفلسطيني.



كان من الواضح أيضا ان العدوان على غزة، لم يكن مجرد اعتداء تقوم به دولة الكيان على جزء من ارض وشعب فلسطين، وان ما جرى له علاقة بالتحالفات والتوازنات الدولية والإقليمية، ومن هنا رأينا كيف هرولت قطر وتركيا والأمم المتحدة وأميركا الى عاصمة المعز، لا بل يمكن القول ان إيران كانت موجودة على الطاولة من خلال حركة الجهاد الإسلامي التي تعتبر امتدادا للنفوذ الإيراني في قطاع غزة.



وحتى فيما يتعلق بحضور السيدة كلينتون إلى المنطقة، فانه لم يكن سوى محاولة ربما أخيرة، من اجل مزيد من الضغط على القيادة الفلسطينية في رام الله، كما انها كانت تهدف بشكل أو بآخر، إلى ان يكون الضامن للاتفاق هو القيادات الأمنية المصرية التي ترتبط بعلاقات متينة مع الأمريكيين، وليس القيادة السياسية كما كانت تعلن وترغب قيادة الكيان، وهذا ما تحقق حيث ان من تعامل مع مجمل الموضوع وقام بكل ما يلزم في هذا الإطار، هو جهاز المخابرات المصري.



العدوان استهدف بشكل واضح منظمة التحرير الفلسطينية ووحدانية تمثيلها، هذا الاستهداف لم يكن للمرة الأولى، وهو جزء من مسلسل طويل يمتد منذ نشأة المنظمة واعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.



ما جرى من اتصالات رسمية وغير رسمية وما دار في القاهرة وفي رام الله من خلال زيارة كلينتون، لم يكن بعيدا عن استهداف المنظمة، وكان فيه من الرسائل الواضحة الكثيرة، خاصة إذا ما علمنا ان الموقف الفرنسي اشترط لتأييد الذهاب إلى الأمم المتحدة، ألا يتم تفعيل موضوع الاعتراف إلا بعد ستة أشهر، أما لماذا بعد ستة أشهر فهذا ما نعتقد انه المثير للجدل والشك.



الرسائل التي حاولت الدول الغربية مؤداها "إننا قد نجد في حركة حماس البديل المطلوب"، خاصة في ظل "التجربة القصيرة" مع نظام الإخوان في مصر، وان هذه الحركة إذا ما أثبتت خلال الفترة القادمة، قدرة على كبح جماح المقاومين الفلسطينيين في القطاع، وقامت بما هو مطلوب في هذا المجال، فانه لن يكون هنالك موانع من التعاطي معها ان لم تكن كبديل عن المنظمة، فعلى الأقل كحركة موازية للمنظمة، برغم اننا سمعنا كلاما "طيبا" من السيد مشعل خلال المؤتمر الصحفي في القاهرة بعد الاتفاق فيما يتعلق بهذا الموضوع.



مصر في ظل قيادة مرسي، لم تختلف كثيرا كما يروج أو يدعي البعض عما كان عليه الحال في ظل النظام السابق، والمراهنة على انها "بضمانها" للاتفاق، سوف تنقذ الكثير من الأرواح في غزة، ليس سوى رهان خاسر، فدولة الاحتلال لم تف أبدا بتعهداتها، وهي تعلم تمام العلم ان أقصى ما يمكن ان تقوم به مصر في حالة الإخلال بالاتفاقات، لن يكون أكثر مما قامت به خلال الحرب الأخيرة، لأن مصر تعاطت كما يعتقد الجميع بأعلى سقف تعتقد – مصر- انه مسموح به، وهو سقف لم يتغير عن ذاك الذي كان لدى نظام مبارك، إلا ان الفارق كان هو ان النظام الحالي سارع إلى استعمال تلك الأوراق في الأيام الأولى من الحرب على القطاع.



الحديث عن انتهاء الحصار بالطريقة التي سمعنا عبر الفضائيات المختلفة، فيه الكثير من المبالغة، ولا نعتقد بان دولة الاحتلال وافقت بالشكل الذي تم الترويج له على إنهاء الحصار، صحيح ان الاتفاق نص على فتح المعابر، لكن ماذا في تفاصيل البند المتعلق بذلك، وفي هذا الإطار لا بد من التذكير بان دولة الاحتلال لم تلتزم باتفاقية المعابر التي وقعت في العام 2005، إذن لماذا سوف تلتزم الآن؟



في الحديث عن التفاصيل، نذكر في هذا المجال، ان دولة الكيان قامت بتزويد الأردن نهاية التسعينات من القرن الماضي بمياه ملوثة، وعندما احتجت الأردن على ذلك، كان الرد الصهيوني ان الاتفاقات الموقعة تنص على تزويد الأردن بالمياه لكن لم يتم تحديد أي نوع من المياه،هكذا بكل بساطة كان الرد على الاحتجاج الأردني.



أما فيما يتعلق بالانتصار، فالموضوع نسبي، حيث تحدث الجانبين عن تحقيق انتصارات، قادة الكيان يعتقدون انهم حققوا نصرا مؤزرا "بمعاييرهم وما يعتقدون انهم أنجزوه"، ويعتقد الجانب الفلسطيني انه من انتصر في هذه المعركة، وان هذه المنازلة، كانت عبرة لدولة الكيان، وان عليها ان تحسب ألف حساب قبل ان تقدم على العدوان مجددا في المستقبل، وبالتالي فان موضوع الانتصار والهزيمة، هو موضوع او معيار نسبي، يمكن لمن يشاء ان يدعيه استنادا إلى تقديراته وما حققه من مصالح أو انجازات.



يشير الجانب الفلسطيني الى انه حقق "شروطه او مطالبه"، وبالتالي من حقه الاحتفال بالنصر، وهنا يبرز السؤال الذي نعتقد بانه رئيسي ولا بد من الإجابة عليه بشكل مقنع، كيف يمكن لأميركا، التي وقفت قلبا وقالبا مع دولة الاحتلال، ان توافق على تبني اتفاق يفرض فيه الجانب الفلسطيني شروطه، او على الأقل يرجح شروطه على شروط دولة الكيان؟



الحديث عن مرحلة الأمور أو تدريجها الذي أشار إليه السيد مشعل، يجعلنا نتساءل حول ما المقصود بذلك، وهل هو جس للنوايا، وتحديدا نوايا الطرف الفلسطيني، وهل هنالك من المسائل التي يمكن ان تكون ملاحق للاتفاق لم يتم الإعلان عنها كما أشار الى ذلك بعض المحللين والمطلعين من خلال مصادر متعددة، هل هنالك بنود سرية لم يتم الإعلان عنها، خاصة واننا نعلم ان الأطراف العربية بعامة، تمارس في السر ما لا تمارسه بالعلن، والطرف الفلسطيني سواء كان حماس او السلطة ليسوا استثناء.



هل الاتفاق هو كما يشاع، هدوء مقابل هدوء، وإذا كان الأمر كذلك، إذن لم كان على القطاع ان يدفع كل هذه المعاناة والضحايا، وهل هنالك اتفاق طويل الأمد لا يقل عن سنوات خمسة وربما يصل إلى خمسة عشر عاما لم يتم الإعلان عنه، وما هو الدور المصري الحقيقي في قادم الأيام في ظل ما تم الإعلان عن تقديمه لمصر من مساعدات مالية "خمسة مليارات" من قبل الاتحاد الأوروبي برغم ما تعانيه الكثير من الدول الأوروبية من أزمات اقتصادية حادة وكذلك من أميركا؟



هل فعلا وقعت او أوقعت قيادات الاحتلال نفسها في وضع صعب كما قال السيد عزت الرشق، وانها ستدفع الثمن خلال الانتخابات القادمة، أم ترى هي في أفضل حال، وانها سوف تحقق نجاحا باهرا، خاصة وانها لم تقم بما قام به اولمرت في الحرب على القطاع خلال وجوده في سدة الحكم 2008-2009؟



لسنا هنا بوارد تقييم الاداء المقاوم الذي قام به أبناء الفصائل المختلفة في قطاع غزة، حيث اثبت هؤلاء ان لديهم عزيمة لا تلين، وان الجميع شارك في التصدي لقوات الاحتلال كل بما استطاع وبما لديه من إمكانيات، وهذا ينطبق على الأهالي العزل الذين دفعوا ثمنا باهظا خلال الهجمة الشرسة على القطاع، إلا انه من المعروف، ان هنالك معتد ومعتدى عليه، وفي الحالة الأخيرة، كانت دولة الكيان هي من شن حربا غادرة على القطاع ابتدأت باغتيال الشهيد الجعبري.



المنطق يقول ان من يقوم بالحرب، فانه يقوم بها من اجل تحقيق أهداف معينة، وكنا قد أشرنا الى بعض من أهم ما نعتقد انه أهداف لتلك الحرب الظالمة على القطاع، وبعيدا عن الانفعالات، فان السؤال هو، ترى هل حققت إسرائيل تلك الأهداف أم فشلت في ذلك، وهل سيستفيد الطرف الفلسطيني من تلك الحرب ويأخذ العبر والدروس؟ أسئلة نتركها لمن يهمه الأمر ونرجو الإجابة عليها بدون انفعال أو شطط.

22-11-2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت