ما حذرت منه حصل ولكن لا بديل عن الوحدة للانتصار

بقلم: راسم عبيدات


في مقالة سابقة لي حذرت من الاستثمار السياسي المتسرع للعدوان على غزة،ولكن واضح من قراءة متانته لبنود اتفاق الهدنة بأن الذي حصل سيعيدنا الى ما حصل في اتفاق اوسلو،والذي كان اتفاقاً انتقالياً لمدة خمس سنوات،والخمس سنوات أصبحت خمسات،ودخل مشروعنا الوطني في نفق مظلم،وما زال شعبنا الفلسطيني يدفع ثمن هذا الاتفاق سياسياً ومجتمعياً وتبديداً لحقوقه ولمشروعه الوطني،وعدا عن ان نتنياهو الذي وافق على اتفاق الهدنة مع المقاومة الفلسطينية،هو من أعاد فتح الاتفاق – اتفاق اوسلو- أعاد التفاوض على المتفق عليه، او ما يعرف باتفاق الخليل،وبعد ذلك أصبح كل بند من بنود الاتفاق بحاجة لاتفاق،واوسلو جاء كثمرة استثمار سياسي متسرع لانتفاضة الحجر الفلسطيني في أواخر كانون أول 1987،واليوم على الرغم من ان العدوان على غزة أثبت ان شعبنا في القطاع يختزن ويجترح القدرات العالية والنفس التضحوي في الصمود والمقاومة،وأن المعركة أثبتت أن الوحدة والمقاومة هي التي تصنع الانتصارات،وأن المقاومة لها الحيز الأكبر في ضمير ووجدان شعبنا،ومعطى أساسي في معادلة الصراع مع العدو،وهي التي تشكل الرافعة الحقيقية لمشروعنا الوطني،حيث توحد جناحي الوطن وانخرطوا في المقاومة دفاعاً عن وجودنا ومشروعنا الوطني،وصمود شعبنا وتوحده شعبياً من أهم العوامل التي عمقت من ازمة الكيان الصهيوني وأربكت حساباته،ناهيك أن المقاومة أثبتت انها طورت من قدراتها عسكرياً ومهنياً،وبفضلها تحقق الإنجاز والصمود والانتصار.

أخذت مفاعيل الصمود والمقاومة تمتد الى أكثر من ساحة عربية واقليمية ودولية،وهناك من استشعر بأن لهيب الصمود والمقاومة الفلسطينية من شأنها ان تشكل خطراً جدياً على سيناريوهاته ومخططاته وحساباته في المنطقة،ولذلك وجدنا أن حركة سياسية نشطت انطلاقاً من العاصمة المصرية وبضوء أخضر أمريكي وموافقة إسرائيلية من اجل محاصرة مفاعيل المقاومة والصمود الفلسطيني ومنعها من تحقيق انتصار من شانه تغيير معادلات الصراع القائمة في المنطقة،فأي تطورات غير محسوبة أو تخرج عن الايقاعات من شأنها ان تدفع بالأمور الى الخروج عن السيطرة،ولذلك كان التحالف المصري- القطري- التركي وبرعاية وإشراف أمريكي كامل يقود الحركة السياسية،فهم من يمتلك التأثير والقدرة على تطويع حماس،وخصوصاً حمد القطري صاحب نظريات الاستجداء وبث الإحباط واليأس في صفوف الجماهير و"تنعيجها" حيث بادر الى جمع وزراء الخارجية العرب في القاهرة وألقى عليهم خطبة عصماء،ليصار بعد ذلك لعقد لقاءات مع المخابرات المركزية الأمريكية وعاموس جلعاد رجل المهمات الخاصة لدولة الاحتلال،ويبدأ الحجيج الى قطاع غزة وظرف دموع التماسيح على شهداء شعبنا والتقاط الصور في المشافي والمناطق التي تعرضت للقصف،وتصوير قضية شعبنا على أنها قضية إنسانية إغاثية،تتلخص في فتح المعابر او رفع الحصار مقابل توفير الأمن للاحتلال،ومن ثم تكثفت الحركة السياسية حيث ألقت امريكا بثقلها في العملية وأرسلت وزيرة خارجيتها كلينتون لتحمل مجموعة رسائل سياسية،ولتقول للرئيس أبو مازن لا ذهاب لهيئة الأمم المتحدة ويجب لجم المقاومة،وإلا البديل جاهز وحمد عراب المشروع الأمريكي سخي والدفع وبالدولار،وكذلك لتقول لمصر إذا لم يتم الضغط على حماس والقوى الأخرى في القطاع فلا منحة ولا معونة امريكية،ومرسي بحاجة الى توثيق وتعميق تبعية النظام لأمريكا وتحسين علاقاته مع إسرائيل،حتى يتمكن من إرساء دعائم نظامه،ومن هنا كلف مرسي بشكل رسمي من قبل أمريكا للقيام بالدور من أجل انجاز قضية الهدنة وليس التهدئة بين المقاومة الفلسطينية وبالذات حماس واسرائيل،وبين الأخذ والرد والشد جرى التوصل الى اتفاق الهدنة وواضح من خطاب مشعل انه أراد ان يقول ويوجه في شكره لمصر وتصوير مرسي على انه تشي جيفارا او فيدل الكاسترو وشتان ما بين مصر المقاومة في عهد عبد الناصر ومصر في عهد مرسي الوسيط بين المقاومة والاحتلال وكذلك لقطر وتركيا،رسالة سياسية بأن حماس لم تعد محسوبة على المعسكر المعادي لأمريكا،معسكر ايران- سوريا - حزب الله.

إن الخشية الكبيرة في هذا الاتفاق ان يجري تحييد المقاومة ولجمها،وتصبح القضية بدل ان تكون قضية احتلال وحقوق شعب طامح للحرية والإستقلال،هي قضية مقايضة الحقوق الوطنية برفع الحصار وتحسين الظروف الاقتصادية لشعبنا في قطاع غزة من خلال حرية التنقل والعمل،وهذا ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة وبيان الرباعية ووزيرة الخارجية الأمريكية وحمد ومرسي واوغلو وكل هذا الطابور المتحالف سياسياً،وهنا نصبح أمام ما يصبو ويهدف إليه نتنياهو من شرعنة وتأبيد الاحتلال في ظل سلام اقتصادي،والأكثر خطورة هنا إذا ما كانت البنود تشتمل على ضمانات مصرية ومن مرسي شخصياً بمنع تهريب السلاح الى غزة،ومصادرة الأسلحة الثقيلة للمقاومة ووضعها تحت اشراف لجنة ثلاثية مصرية- قطرية- امريكية-أي هنا نقطة على درجة عالية من الخطورة،وهي تنسيق أمني كما هو حاصل في الضفة الغربية.

ثمة مخاوف وشكوك كثيرة وحركة سياسية غير مؤتمنه،لطبيعة الأشخاص الذين يقودون هذه الحركة والمشروع السياسي الذي يروجون له في المنطقة ككل،وثمة مشاريع مشبوهة يجري تداولها بشأن القضية الوطنية والمشروع الوطني الفلسطيني،بحيث يجري تفكيك المشروع الوطني،ونقل الإنقسام الحاصل الى مرحلة الشرعنة والترسيم من خلال إقامة كيان او إمارة في غزة يجري توسيع حدودها باتجاه سيناء،مع نفوذ مصري وسيطرة مصرية على تلك الإمارة،على ان يجري إقتسام ما تبقى من الضفة الغربية ما بين إسرائيل والأردن،وهذا ما عبر عنه الأمير حسن بن طلال علناً .

الان وبعدما ما تحقق من إنجاز وانتصار شعبي ،وبعدما اعدنا الإعتبار الى المقاومة كمعطى أساسي ورئيسي في الصراع مع العدو،بوحدة شعبنا في معركته ونضاله على امتداد فلسطين التاريخية،فإنه بات من الملح والضروري العمل على تثمير هذا الإنجاز والانتصار من خلال العمل على تحقيق الوحدة الوطنية الحقيقة وإنهاء ظاهرة الإنقسام المدمرة ،ورسم استراتيجية سياسية موحدة،من شانها أن تفشل كل المشاريع والمخططات المشبوهة المستهدفة القضية والمشروع الوطني الفلسطيني،والمستفيدة والعاملة على بقاء الإنقسام وتعميقه وتكريسه في الساحة الفلسطينية ،وهذه الإستراتيجية يجب ان تبنى من خلال شق مسار سياسي جديد،لا يرهن ويقامر بمشروعنا وحقوقنا الوطنية من خلال إستمرار الدوران في دهاليز وحلقات المفاوضات العبثية،بل بالاعتماد على طاقات وقدرات شعبنا ومقاومته التي أثبتت انها قادرة على أن تصنع الكثير إذا ما كانت هناك قيادة تمتلك الإرادة والقرار،وإذا لم يدفع ما انجز وتحقق في غزة فصائل الى التوحد وحماية المشروع الوطني من كل ما يحاك ويخطط له في الدوائر والغرف المظلمة،فإن المشاريع المشبوهة ستنحر وتقتل المشروع الوطني الفلسطيني وتفككه،ولذلك مطلوب من الجميع التخلي عن الفئوية وضيق الأفق،والشروع في مصالحة حقيقية تنهي الإنقسام المدمر،حتى تتمكن من تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال.



القدس- فلسطين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت