لقد أثلج صدرنا الحراك الشعبي الذي تم خلال وبعد العدوان الأخير على قطاع غزة الحبيب ، هذا الحراك الذي رفع شعار واحد ومطلب واحد ، وهو إنهاء الانقسام والعودة للوحدة الوطنية ، هذه الوحدة التي كانت مطلب مهم وضروري وطنياً وأخلاقياً ، في ظل ما يتعرض له شعبنا من عدوان إسرائيلي متواصل في غزة والضفة والقدس ، وما تتعرض له قضيتنا من محاولات لشطبها من خلال مؤامرة عربية تقودها قطر وبعض المتأمركين من النعاج بمتابعة ورعاية أمريكية كاملة وصمت دولي وعربي .
انتهى العدوان على غزة ، واستطاع شعبنا وفصائله تسجيل نصر جديد على إسرائيل ، هذا النصر الذي لم يتحقق بدون الالتفاف الجماهيري والاجتماعي المتميز ، وإصرار المقاومة على عدم التراجع أو التنازل عن دماء الشهداء من الأطفال والشيوخ والنساء ، وكذلك وجود حالة مهمة من التعاطف الشعبي على المستوى العربي ، والذي استطاع أن يُحرك وزراء خارجية الدول العربية ويُجبرهم على النزول للميدان وزيارة غزة والوقوف أمام مسؤولياتهم تجاه شعبنا وتضحياته .
اليوم المعادلة تغيرت ، وبرغم كُل الأحاديث عن المصالحة الوطنية ، سواءً من خلال الرئيس أبو مازن ، أو السيد خالد مشعل والسيد رمضان شلح ، وعدد من الأمناء العامين للفصائل ، والرغبة الفتحاوية الحقيقة بإنهاء هذه الحقبة السيئة من تاريخ شعبنا والتي أثرت على قضيتنا الوطنية بشكل عام ، وكذلك على كافة مناحي حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، إلا أن الحقيقة غير ذلك ، والمصالحة الآن أبعد ما تكون من أي وقت سبق العدوان على غزة .
إن من أهم الأسباب التي ستؤخر المصالحة الوطنية ، هي على أي مشروع سيتم تطبيقها ، على مشروع التفاوض الذي يؤمن به الرئيس أبو مازن ، ويعتبره الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق ، أو مشروع المقاومة الذي تقول عنه حركة حماس بأنه الطريق الوحيد لاستعادة هذه الحقوق ، هذا المشروع الذي أصبح يتوافق مع معظم الفصائل الوطنية والشرائح المجتمعية ، في حين أن مشروع التفاوض أثبت فشله ، لأن إسرائيل والولايات المتحدة لا تريد السلام ، بل يعملان على تضييع الوقت من أجل نهب المزيد من الأراضي في الضفة الفلسطينية والقدس وتغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي فيها .
المصالحة الوطنية ليست شعار نتغنى به ، بل هو قناعة يستوجب الوصول لها من جميع الأطراف ، بحيث يعمل الجميع على تذليل العقبات أمامها ، بما في ذلك وضع الأسس المطلوبة لانطلاقها بالشكل السليم ، بدءاً بوقف الخطاب الإعلامي الذي يتم خلاله نقد الواحد للآخر ، بين فريق يتهم الآخر بالتفريط وفريق يتهم الآخر بمحاولة الاستحواذ والسيطرة .
الرئيس أبو مازن لن يتراجع عما يعتقد بأنه صحيح ، برغم وجود مؤشرات على تغير الموقف الفتحاوي من أعلى الهرم حتى القاعدة على الأرض ، هذا التغيير اتضح من خلال تصريحات قادة كبار من الحركة وأعضاء في اللجنة المركزية والمجلس الثوري ، والتي قالت أن المعادلة التي فرضتها غزة غيرت الواقع باتجاه تغيير أسلوب العلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة ، وكذلك حركة حماس لن تتنازل عما حققته من انجاز استطاع أن يرفع شعبيتها ، ويجمع الجماهير من حولها من خارج عناصرها ، بل من كافة أطياف المجتمع الفلسطيني .
سوف نعود للمربع الأول ، وهو من الذي سيتنازل للآخر ، ومن الذي سيعمل على فرض شروطه كونه يمسك بزمام الأمور الآن واستطاع أن يُغير الواقع ويُسجل انجاز وطني تمثل في الصمود خلال العدوان الإسرائيلي الأخير وتسجيل النصر بالمشاركة مع الفصائل التي تتقاطع معه في الفكر والطريقة والأداء ، وهذا بالتأكيد لن يتوافق مع ما تتطلبه الاتفاقيات الدولية ، والقيود الإسرائيلية ، وبعض التدخلات العربية التي يتم من خلالها فرض الرؤية العربية لما يُسمى بالسلام على الرئيس أبو مازن ، وقيام بعض الأطراف بمحاولة عرقلة أي اتفاق داخلي لكونه يتعارض مع مصالحها ، وعلى رأسها الدول التي تعتبر الإخوان المسلمين خطر على أنظمتها وأي اتفاق بين فتح وحماس سيغير الأمور لصالح حماس ، لكونها تتلقى الدعم السياسي من مصر التي سيطرت على قرارها جماعة الإخوان .
دائماً الحقيقة صعبة ، فلا نريد أن يصل شعبنا لمرحلة الأمل ، ثم يفاجأ بالفشل في تحقيق أدنى المتطلبات الوطنية ، وهي الوحدة والتكاثف الداخلي الذي يُعطي القضية الوطنية المزيد من الدعم والزخم ، خاصة ونحن نواجه المؤامرات الدولية والإسرائيلية والعربية التي تحاول منع فلسطين من الحصول على عضوية مراقب بالأمم المتحدة ، والتي ستكون محطة مهمة في تاريخ الصراع الدبلوماسي مع إسرائيل .
&&&&&&&&
إعلامي وكاتب صحفي – غــزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت