استعلاء الاعلام الفلسطيني على خطيئة الاعلام العربي الكبرى خلال العدوان على غزة

بقلم: أحمد البديري

كنا اذا أردنا أن نعرف مجريات الحروب التي تشنها اسرائيل نشاهد أو نستمع لوسائل الاعلام العربية. ما حدث في العدوان الاخير قلب الطاولة وقلب متطلبات ومزاج وشهية المشاهد الفلسطيني والعربي الذي لو حدث فيضان في الصين أو انقلاب آخر في موريتانيا فالمشاهد لا يريد أن يسمع إلا أخبار غزة وبخاصة الانتصار المدوي الغير متوقع حسب كل المحللين.

الاعلام الفلسطيني كان تقليديا يحاكي تجربة الاعلام الحكومي العربي وكان منحازا بإمكانيات متواضعة مقارنة مع فضائيات ضخمة كانت تضع فلسطين على رأس الاجندة. هذه المرة ظهر الاعلام الفلسطيني للمرة الاولى صاحب الريادة والمشاهدة الأعلى وحتى وسائل الاعلام العبرية كانت تتابعه بدقة. الاعلام الفلسطيني كان فيه صبغة فصائلية لكنه تنوعه وتهافت المشاهد على تلك القنوات سمح لنا جمعيا أن نسمع ونرى القصة الفلسطينية بأبعاد فلسطينية وبمواقف فلسطينية وليس بأجندات عربية, هنا كان الاستعلاء.

الاعلام الفلسطيني لم يكن اعلاما حربيا ولا اعلاما تصعيدا أو تحريضيا كما يحلو للبعض تسميته ولكن اعلاما فلسطينيا بحق يعكس مزاج الشارع وبحرفية حقيقية. الخطيئة الكبرى للاعلام العربي هو فشله في اقناع الفلسطيني أن فلسطين والقدس هي القضية المركزية له كاعلام عربي. لهذا فالفلسطيني سيشاهد الاعلام الفلسطيني ليعرف ماذا يحدث في فلسطين والاعلام العبري ليعرف الموقف الاسرائيلي مما يحدث في فلسطين والاعلام الغربي ليعرف مدى الانحياز الغربي وسيشاهد الاعلام العربي ليعرف ماذا يقول نبيل العربي حول موريتانيا ومشاكل جرز القمر ومظاهرات لن تتوقف في التحرير وسيسمع الانحياز إلى طرف ثم ببساطة سيشاهد مسلسل تركي مدبلج.

الصحفيون في القنوات المحلية هم من تم استهدافهم وليس الصحفيين الاجانب كما حدث في الانتفاضة الثانية تحديدا اجتياح رام الله. السبب بسيط هو أن الاعلام الفلسطيني هو الذي عكس بوصلة الرأي العام الفلسطيني واذا ما كان متخوف من العدوان أو شعر بالانتصار أو حتى كيف ضمد جراحه وصمود جبهته الداخلية بعكس عدوه.

الاعلام العربي مازال غارقا في أخباره المملة المنحازة بلا شك وعندما جاء العدوان على غزة أراد أن يلعب دور المحايد فاستعان بالناطقيين الاعلاميين الاسرائيلين الذين هم أنفسهم هذه المرة ارتبكوا أخطاء غير متوقعة في الاداء الاعلامي الاسرائيلي. الاعلام العربي في قضية الفلسطيني سعى إلى الحياد الذي هو أصلا نزعه عن نفسه منذ عامين. هنا كانت الخطيئة الثانية.

لماذا التشويش على بعض القنوات المحلية الفلسطينية ولماذا استهداف أبراجها ولماذا هو من يستهدفه الاعلام العبري كمحرض؟ السبب بسيط لأنه كان الاكثر مشاهدة والاكثر تأثيرا والاكثر انتشارا. ليس فقط بسبب صور العمليات العسكرية لفصائل المقاومة ولكن أيضا لصّور الخاصة والمقابلات القوية وأهم شيء الاهتمام بالقضية المركزية للامة.

الاعلام الفلسطيني المتمثل بقناة فلسطين والاقصى وفلسطين اليوم ومعا والقدس والفلسطينية ضرب بعرض الحائط شعبية الفضائيات العربية فكل الفلسطينين شاهدوا الحرب من محطاتهم هم ومن خلال مراسليهم ومذيعيهم هم. عندما كان يُذكر الاعلام الفلسطيني قبل سنوات كان ذكره يشير إلى ضعفه وعدم قدرة على المنافسة والاكتفاء ببث الافلام والمسلسلات المكسيكية والتركية المسروقة واغنيات وطنية وطبعا ببث متقطع وضعيف. هذه المرة حدث ما لم أكن أتوقعه فنشرة الثامنة مساءا في القناة الثانية العبرية ترصد قناة الاقصى وتترجمها تماما كما كان يفعل ناصر اللحام بهم في قناة معا! الخطئية الثالثة للاعلام العربي هو عدم رصد الاعلام العبري والفلسطيني والاكتفاء بصور وكالات الانباء وتغطية اعتيادية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت