وضعت الحرب أوزارها، وظهرت بشائر النصر بصمود الرجال ومقاومة الأبطال الذين صنعوا ملحمة البطولة، فامتزجت الدمعة بالبسمة ، واختلط الحزن بالفرح . وليس غريباً على شعبنا صموده وثباته فلقت تجسدت ملاحم البطولة في معارك سابقة نذكر منها معركة الكرامة وأيلول الأسود وحصار بيروت وصبرا وشاتيلا ومعارك ومجازر كثيرة خاضتها المقاومة الفلسطينية وراح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى والأسرى . لكن الجديد هذه المرة هو وحدة الصف بعد سنوات الانقسام فأرسلت الفصائل الفلسطينية رسالة واضحة للاحتلال الإسرائيلي بأنه مهما حصل للشعب الفلسطيني من اختلاف وتعارض في وجهات النظر إلا أننا لا نختلف على الصيغة النضالية والمنهاج الكفاحي في مقارعة الاحتلال.ونحن متفقون على تبني الكفاح المُسلح وسيلة لتحرير فلسطين طيلة سنوات الصراع مع العدو المحتل. فلقد اتبعت فصائل المقاومة التكتيك المناسب، وسخرت كل إمكانياتها وطاقاتها المادية المعنوية في الحرب ، وكان نتيجة ذلك أن كسبنا المعركة ، ويرجع الفضل في ذلك إلى قيادة المقاومة وصلابة المقاومين ومؤازرة الشعب لهم والالتفاف حولهم وتغذيتهم بالثبات والصمود .
ومما يزيدنا فخراً أن المعركة تُوِّجت بانتصار عسكري وسياسي، يتضح ذلك في بنود التفاهمات التي أُوقف القتال على أساسها، إذ فرضت المقاومة شروطها على الاحتلال بضرورة فك الحصار عن قطاع غزة وعدم ملاحقة القيادات الفلسطينية بالاغتيال . لقد قلبت هذه المعركة بصمود رجالها كل الأفكار المعتمة التي كان يتداول ويروِّج لها المستسلمون من زعامات شعبنا والذين كانوا يحبطون العزيمة والإرادة في صدور الرجال المقاومين ومن ورائهم هذا الشعب المتعطش للانتصار ويكفي المقاومة الباسلة فخراً أن صواريخها قد عبرت الخط الأخضر وضربت العدو وأوجعت خاصرته. ويجب ألا ينسينا هذا الانتصار طبائع الإسرائيليين في مكرهم وغدرهم ، لهذا يجب على رجال المقاومة البواسل وعلى الشعب الفلسطيني كله ان يكون متيقظا لئلا يغدر بنا العدو وينقض هذا الاتفاق بين عشية وضحاها ، ولقد علمتنا الأيام ألا نأتمن للعدو الذي نقض العهد أكثر من مرة .
ومما أثأر غضبي خلال حرب الأيام الثمانية ، مشاهدة تلك الوفود العربيّة الرسمية التي وصلت قطاع غزة فذرفت علينا الدموع واستنكرت وشجبت دون أن تتخذ موقفاً جريئاً مسانداً للمقاومة الفلسطينية. وكأن غزة لا ينقصها إلا الدموع والنحيب والعويل . فثورات الربيع العربي وللأسف لم يتبلور موقفها خارج دائرة الاستنكار وزيارات الوفود واجتماعات الوزراء التي لا تسمن ولا تغني من جوع. كما أن الوقت لديهم ما زال بلا ثمن ... وكأنى بهم لايُقدِّرون أن في تأخرهم وتلكؤهم ساعة واحدة يرتفع إلى السماء عدداً من الشهداء ويتفتح الجرح وتتهدم المنازل على رؤوس ساكنيها.
ولقد هزني من حديث أمين جامعة الدول العربية "د. نبيل العربي " خلال زيارته للقطاع بقوله أن الاحتلال يجب أن ينتهي، وكأنه أدرك ذلك حين رأى أشلاء الشهداء وسمع أنين الجرحى، وآهات الامهات الصامدات، ونسي بأن الفلسطينيين منذ عقود طويلة من تاريخ الصراع يستنجدون وينادون " وين العرب وين وين الملايين وين ؟!." والعرب الملايين صمٌ بكمٌ لا يسمعون ولا يفقهون . فشتان بين موقف زعيم الامة الراحل جمال عبد الناصر الذي شدد على ان القتال في فلسطين ليس قتالا في أرض غريبة وهو ليس انسياقا وراء عاطفة ، وإنما هو واجب وطني وقومي يحتمه الدفاع عن النفس وعن كرامة وحرية الامة العربيّة .ولم يتم وعي رسالته الخالدة للأمة العربية التي لم تدركها الأنظمة العربية بأن الاستعمار الامبريالي والصهيوني يريد أن يفرق هذه الامة ويفتت وحدتها ، ويقضي على ثورتها، ويعمل على اخضاعها .
اختتم مقالي هذا الذي خط كلماته قلمي بنشوة الانتصار والزهو لما آلت اليه نهايات هذه المعركة التي كان من سماتها الالتحام الشعبي بالكفاح المسلح ضد هذه الهجمة الشرسة من كيان احتلالي لا يستجيب للكلمة إلا إذا رافقتها رصاصة، كما وأدعو كافة الفصائل المختلفة الى الوحدة فوراً ونزع شوكة الانقسام من الجسد الفلسطيني والإلتفات إلى القضية الوطنية المصيرية . كما وابعث بالتحية لشعبنا الصامد في الضفة الغربية وأراضي ال 48 والساكنين في الشتات على مواقفهم الوطنية ودعمهم في إشعال روح المقاومة والثبات على مطلب حق العودة.
تحية لأبطال كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب الأقصى وكتائب أبو علي مصطفى ولكل من رسم ببندقيته وقلمه راية الانتصار. وتحية لرجال الإعلام الذين يلقون أنفسهم في أتون الحرب والنار لكشف جرائم العدو ، وتقديم الاخبار أولاً بأول. كما ونحيي الاطباء ورجال الإسعاف والدفاع المدني الذين ما نامت عيونهم ولا كلت أيديهم عن الواجب الوطني المقدس.
المجد لشهدائنا الأبرار والشفاء العاجل لجرحانا البواسل والفرج القريب لأسرانا الأحرار
وإنها لثورة حتى النصر والتحرير
• كاتب فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت