أولا: إسرائيل مارست عدوانها على شعب يرزح تحت احتلالها، وفي الأصل يقع على كاهل دولة الاحتلال توفير الحماية والأمن وجميع متطلبات الحياة من صحة وتعليم وتغذية وتوفير فرص عمل لجميع أفراد الشعب المحتل، ولكن في الحالة الفلسطينية، تأسيس سلطة حكم ذاتي فلسطينية، خففت عن الاحتلال من أعباءه، والتي كانت قد تأسست بشكل مؤقت بهدف تطبيق القرارات 242 و338 كما ورد في أوسلو والتي يجب أن تؤدي إلى دولة مستقلة، وبغض النظر عن القائم على تلك السلطة، فيبقى من واجب إسرائيل كدولة احتلال ان توفر الحماية والأمن لجميع أفراد الشعب المحتل، فلذلك من المستهجن والمُعيب على دولة الاحتلال أن تمارس عدوانا وقمعا تجاه المواطنين الذين من المفترض أنهم تحت سلطتها العليا وحمايتها، وهنا لا مجال لدولة الاحتلال بان تتحدث عن انتصارات مهما كانت نتائج عدوانها، وقتلها لإنسان أعزل فلسطيني واحد كفيل بتقديم قادتها لمحاكم جرائم الحرب الدولية.
ثانيا: فصائل المقاومة الفلسطينية، بالرغم من انها تعمل تحت مراقبة الاحتلال على مدار الساعة استطاعت أن تطور من أدائها العسكري وأن تساير التكنولوجيا ولو بشكل متواضع من خلال تجهيز منظومات إطلاق ذاتية للصواريخ ومن تحت الأرض دون تعريض حياة المقاومين لخطر الانكشاف، فبالرغم من بساطة التكنولوجيا المتبعة في ذلك، يبقى الأبرز هو الكفاءة العالية في التخطيط والتجهيز والأمن والتنسيق والقدرة على الاستمرارية والانضباط في العمل. إن سقوط الصورايخ بشكل عشوائي داخل مدن وبلدات إسرائيل، قد مثلت أقصى قوة عسكرية للطرف الفلسطيني في المواجهة، والتي مازالت لا تمثل سوى القليل أمام القوة العسكرية الاسرائيلية، ولكن تبقى قوتها بصعوبة القضاء عليها، وبقابليتها على التطور، وبقيمتها المعنوية العاليه في صالح الجمهور الفلسطيني والعربي، وتمثل تهديد للاستقرار والأمن العام داخل إسرائيل. ولكنها تبقى غير مقبولة في نظر القانون الدولي، ولا الرأي العام الدولي، ولا يصلح استخدامها كإستراتيجية تحرير، ولا أي طرف رسمي دوليا مهما كان يستطيع تأييدها بشكل علني، وذلك كونها مازالت تستهدف المدن بشكل عشوائي، وغير قادرة على استهداف المواقع العسكرية والإستراتيجية الغير المدنية بشكل دقيق.
ثالثا: النتائج السياسية، اتفاق التهدئة الذي تم بين فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس، وإسرائيل برعاية مصرية، وبوساطة وضمانات دولية، نتج عنه توقف الأنشطة المعادية بين الطرفين وتسهيلات لسكان غزة، فمهما كانت حجم تلك التسهيلات لم ترتقي لحجم استحقاقات أوسلو على دولة الاحتلال، فعلى سبيل المثال قيل اليوم بأنه سمح للصيادين بدخول إلى عمق 6 أميال بدل 3 ولكن في الأصل وحسب أوسلو يسمح بالصيد إلى عمق 12 ميل، فمهما توصلت إليه اتفاقية التهدئة إلى تسهيلات (إلى حد اللحظة غير معلومة التفاصيل) فلم ترتقي إلى حقوقنا من اتفاقية أوسلو والتي أضاعها الانقسام الفلسطيني، والتي من أهمها عبارة " يعتبر الطرفان الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة مناطقية واحدة، يجب المحافظة على وحدتها وسلامتها خلال الفترة الانتقالية"، والتي قد تكررت العديد من المرات في سياق فقرات الاتفاق، وفي مقابل اتفاق التهدئة لقد حصلت إسرائيل على تعهد فصائل المقاومة تحت مسؤولية حركة حماس بوقف كافة "الأعمال العدائية" ضد إسرائيل.
أما كان الأجدر بحركة حماس وحلفائها من فصائل المقاومة الحصول على التهدئة والتسهيلات للشعب الفلسطيني من خلال الوحدة الوطنية واستثمار اتفاقيات منظمة التحرير كممثل شرعي عن الشعب الفلسطيني مع إسرائيل، بدون تقديم أي تعهدات فصائلية لإسرائيل وتقييد فصائل المقاومة بمعاهدات ملزمة وبضمانات دولية؟
ان مقياس النصر بالميزان العسكري هو ناتج الفرق بين الأوضاع ما قبل المعركة والأوضاع ما بعد المعركة.
الفارق بالنسبة لحركة حماس هو كسب تسهيلات وأمان من الاحتلال لحياة المواطنين ولها في ظل حكمها لغزة بالتوازي مع زيادة القيود على أعمال المقاومة.
أما الفارق بالنسبة للمواطن في غزة هو كسبه لتسهيلات حياتيه لم تصل إلى ما كانت عليه قبل الانقسام.
أما الفارق بالنسبة لإسرائيل، هو الحصول على الأمن والهدوء من جبهة غزة باتفاق مكتوب ومكفول دوليا، والذي ينتج عنه وبشكل طبيعي تخفيف قيود وتسهيلات لغزة والاغتيالات تصبح غير مبررة.
فهل هذه النتائج كانت بحاجة إلى هذا الحجم الكبير من التضحيات التي قدمها كل الشعب الفلسطيني في غزة ؟ الم يكن من الممكن التوصل إلى تلك النتائج وبكل سهولة دون أن ندفع قطرة دم واحدة ؟
رائد موسى
متخصص عسكري سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت