ابعد من الدعم المعنوي

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...
أبعد من الدعم المعنوي
اعتقد البعض أن تأخر السلطة الفلسطينية في تقديم الطلب للجمعية العامة للأمم المتحدة، للاعتراف بفلسطين كدولة مراقب، جاء بفعل الضغوطات التي مارستها الإدارة الأمريكية على القيادة الفلسطينية، بل ذهب البعض للاعتقاد بأن القيادة الفلسطينية تراجعت عن ذلك تحت تأثير التهديدات الإسرائيلية والأمريكية، ولكن حقيقة الأمر أن القيادة الفلسطينية استمعت لنصائح الأصدقاء في العالم العربي والغربي، بأن يتم تأجيل طلب تصويت الجمعية العامة لما بعد الانتخابات الأمريكية، لأن الذهاب إلى الجمعية العامة قبيل الانتخابات الأمريكية سيدفع المرشحين للرئاسة الأمريكية إلى تصعيد موقفهما حيال القضية الفلسطينية في محاولة كل منهما لكسب تأييد اللوبي الصهيوني، حيث جرت العادة أن الحملة الانتخابية الأمريكية تشهد بازاراً من المواقف المؤيدة لإسرائيل والمعادية لفلسطين من قبل المرشحين.
إصرار الرئيس الفلسطيني على الذهاب للأمم المتحدة، رغم الضغوط الكبيرة التي مارستها الإدارة الأمريكية والتهديدات المتنوعة التي أطلقتها حكومة الاحتلال، فاجأ الكثير، حيث دأب الرئيس على الحديث عن المفاوضات كخيار أوحد لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن يبدو أن حكومة الاحتلال لم تفهم ذلك جيداً، فالمفاوضات التي يعنيها السيد الرئيس هي مفاوضات جادة لوضع نهاية للاحتلال طبقاً لقرارات الشرعية الدولية وبما يحافظ على الثوابت الفلسطينية، ولكن حكومة الاحتلال أرادتها مفاوضات من أجل المفاوضات وكسب مزيد من الوقت لخلق وقائع جديدة على الأرض من خلال التوسع الاستيطاني، وكان من الواضح أن الانتخابات الإسرائيلية أفرزت قيادة لا تؤمن بحل الدولتين، وأن همها الأساس منصب على توسيع الاستيطان وتقطيع أواصر التجمعات السكانية الفلسطينية لإجهاض الحق الفلسطيني في دولته المستقلة، وللخروج من متاهة المفاوضات العبثية التي أرادتها حكومة الاحتلال وضع الرئيس شرطين لاستئناف المفاوضات، وقف الاستيطان وإيجاد مرجعية دولية للمفاوضات، ورغم أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الإدارة الأمريكية، يقر بعدم شرعية الاستيطان وأنه يعرقل التوصل لحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أنه عجز في إجبار حكومة الاحتلال على التوقف عن الاستيطان أو حتى تجميده.
أمام هذا الانسداد كان لا بد من الذهاب إلى الأمم المتحدة، وإن كنا لم نتمكن من الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن، فنحن اليوم ذاهبون إلى الجمعية العامة للاعتراف بفلسطين كدولة مراقب غير عضو، ونحن ندرك أن هذا الاعتراف لن يكنس الاحتلال عن أرضنا في اليوم التالي للقرار، ولكن في ذات الوقت التصويت لن يكون مجرد دعم معنوي فقط لفلسطين من قبل المجتمع الدولي، بل أنه يؤسس لمرحلة جديدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهو من جهة يمكن فلسطين من الانضمام للمنظمات الدولية، وهذا يمنحها القدرة على ملاحقة قادة العدو في محكمة الجنايات الدولية على جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية التي لطالما ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني، ويمكننا أيضاً من الانضمام لاتفاقيات جنيف الأربع، وبالتالي ينتقل الاحتلال من احتلال مناطق إلى احتلال دولة.
المهم أن الذهاب للأمم المتحدة هذه المرة يأتي ضمن تطورات مهمة تساند الطلب الفلسطيني، فأولاً أن الأيام الأخيرة شهدت عدواناً جديداً على غزة، ارتكبت فيه حكومة الاحتلال مجازر بحق الأطفال والشيوخ والنساء، ناهيك عن التدمير الكبير الذي لحق بالمنشئات الخاصة والعامة، وشاهد العالم تفاصيل الجرائم التي ارتكبتها حكومة الاحتلال، وفي الوقت ذاته سجلت المقاومة الفلسطينية تطوراً ملحوظاً في الأداء، ويأتي كل ذلك في ظل التغيرات التي شهدتها العديد من الدول العربية، فلم يعد الموقف العربي اليوم كحاله في السابق حيال جرائم الاحتلال، وبات من الواضح أن رقعة الصراع الجغرافي يمكن لها أن تتسع بما يهدد الأمن الإقليمي، وهذا بطبيعة الحال يدفع المجتمع الدولي للعمل بجدية أكبر نحو التوصل لحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وثانياً أن الرئيس الفلسطيني يذهب إلى الأمم المتحدة متسلحاً بشبه إجماع فلسطيني على هذا الخطوة، وهو ما كنا نفتقده حين ذهبنا لطلب العضوية الكاملة في مجلس الأمن.
الواضح أن الساعات التي تفصلنا عن تصويت الجمعية العامة على الطلب الفلسطيني هي في غاية الأهمية، ليس من باب النجاح أو الفشل في الحصول على قرار من الجمعية العامة، حيث من المؤكد أن بمقدورنا الحصول على موافقة 97 دولة على القرار من أصل 193 دولة وهي الأصوات المطلوبة لتمرير القرار، خاصة وأن هنالك 128 دولة تعترف بدولة فلسطين على أثر إعلان الاستقلال عام 1988 في الجزائر، من بينها تسع دول من الدول العشر الأكثر تعداداً للسكان في العالم، والذين يمثلون 75% من سكان المعمورة، ولكن نحن بحاجة للموقف الأوروبي بالتحديد، حيث ما زال الغموض يكتنف مواقف غالبية دول الاتحاد الأوروبي باستثناء خمس دول أعلنت دعهما للقرار الفلسطيني، وبالتالي نحن بحاجة لمواصلة العمل الجاد لتجنيد أكبر قدر ممكن من الدعم للطلب الفلسطيني وبخاصة دول الاتحاد الأوروبي، وفي ذات الوقت علينا البدء فوراً، بعد الحصول على "نعم لدولة فلسطين" من قبل المجتمع الدولي، في إنهاء ملف الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية والتوافق حول برنامج سياسي موحد للمرحلة القادمة نزاوج فيه بين المقاومة والعمل الدبلوماسي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت