انتصرت فلسطين في حصولها على عضوية دولة مراقبة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وبأغلبية ساحقة حظيت بتأييد 138 دولة ورفض 9 دول وامتناع 41 دولة عن التصويت. وهذا الانتصار ادنى ما يمكن أن يحصل عليه في إطار إعادة القضية الفلسطينية إلى إطارها الدولي الذي صادرته واشنطن طيلة 19 عاماً من المفاوضات الثنائية العقيمة والعبثية وتحيز الإدارة الأمريكية لصالح إسرائيل ما ألحق الضرر بمصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
فكان توجه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في أيلول 2011 إلى اروقة المؤسسات الدولية (مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة) لنيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين أو بعضوية مراقب لها، ولكن الرئيس محمود عباس "أبو مازن" تراجع أمام حجم الضغوطات والتهديدات الأمريكية والاسرائيلية التي تعرض لها والابتزازات التي تعرضت لها أيضاً منظمة التحرير الفلسطينية.
ان تأجيل التصويت على قرار عضوية فلسطين في الأمم المتحدة لعام كامل نتيجة الوعودات التي تلقتها قيادة منظمة التحرير من الإدارة الأمريكية والرباعية الدولية لأجل الدفع بالمفاوضات إلى الأمام ولكن الحكومة الاسرائيلية كثفت من استيطانها واعتداءاتها على أبناء شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة إضافة الى مواصلة الإدارة الأمريكية انحيازها التام إلى جانب إسرائيل ومواصلة الضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات في اجراء المفاوضات دون وقف الاستيطان.
ولعل البعض يتساءل أو يبدي تخوفه من التصويت على عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة بصفتها الكاملة أو المراقبة طالما أنجز ذلك عام 1988 وما هي الفائدة من طلب الاعتراف بذلك مجدداً. فقد حصلت منظمة التحرير الفلسطينية على وضع مراقب "كيان مراقب" في الجمعية العامة للامم المتحدة في 22 نوفمبر/ تشرين ثان 1974 بموجب القرار الاممي 3237، وفي 15 نوفمبر/ تشرين ثان 1988 صدر "إعلان الاستقلال" عن الدورة 19 للمجلس الوطني الفلسطيني الذي مهد لصدور القرار رقم 177/43 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 ديسمبر/ كانون أول من نفس العام، والذي جرى خلاله تغيير اسم "م.ت.ف" إلى "فلسطين" وهو قرار إعلان الاستقلال الذي يؤكد على ضرورة تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته على أرضه المحتلة بعدوان 4 يونيو/ حزيران 1967 والذي حظي بتصويت 104 دول لصالح القرار.
صحيح أن هناك دولة معلنة، ولكن بعد الاستقلال جاء توقيع اتفاق أوسلو والذي بموجبه تم تعليق مفعول "إعلان الاستقلال" وسريانه على الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي ارتضت حينها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الرسمية أن يكون وجودها على الأراضي الفلسطينية خلال المرحلة الانتقالية بصيغة سلطة حكم ذاتي لا بصيغة دولة مستقلة. وكذلك بموجب اتفاق أوسلو أصبحت الأراضي المحتلة بعدوان 1967 أراضي متنازع عليها يتقرر مصيرها بالمفاوضات بين الطرفين لا أرضاً محتلة.
فالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 لن يكون المحطة النهائية في مسيرة التحرر الوطني للشعب الفلسطيني، ولا يلغي الحاجة الموضوعية إلى استمرار بقاء منظمة التحرير كإطار موحد للشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، لخصوصية القضية الفلسطينية ما بين شعب يعيش في أرضه بمواطنيه ولاجئيه وجزء آخر يعيش في منافي اللجوء والشتات كلاجئين.
كذلك الحال ان حصول فلسطين على دولة غير عضو في الأمم المتحدة لا ينعكس سلباً على قضيتي منظمة التحرير وحق العودة. فإعلان الاستقلال تم عام 1988 من أعلى هيئة تشريعية فلسطينية هي المجلس الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني تبقى هي صاحبة الولاية السياسية والاقتصادية والقانونية والوظيفية للشعب الفلسطيني أيا كان مكان تواجده بل وهي صاحبة الولاية التفاوضية بما يعزز دور اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير باعتبارها الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين والمجلس الوطني الفلسطيني برلمانا لدولة فلسطين. واما قضية اللاجئين فلن تتضرر وهي قضية مؤجلة لمفاوضات الوضع النهائي أسوة بالقدس والحدود والمياه والأمن ولن يجحف ذلك بحق الشعب الفلسطيني للمطالبة بحل كافة قضايا الوضع النهائي وعلى رأسها قضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة ولا سيما القرار الاممي 194.
فإن وصول فلسطين إلى أروقة الامم المتحدة وحصولها على دولة بصفة المراقبة عزز من مكانتها في كافة المؤسسات الدولية وخاصة عدم أحقية إسرائيل بأي جزء من الأرض التي احتلتها عام 1967 أي ان استيطانها وضم اجزاء منها يعتبر باطل وغير قانوني، كذلك الحال انضمام فلسطين إلى الوكالات والهيئات الدولية التابعة للامم المتحدة ومنها منظمة الصحة العالمية، اليونيسيف، اليونسكو، المجلس الاجتماعي الاقتصادي، ومحكمة الجزاء الدولية، باستثناء مجلس حقوق الانسان التي تتحدد عضويته بالانتخاب.
حيث ان محكمة الجزاء الدولية تعترض واشنطن وتل ابيب على دخول فلسطين فيها لانه يساهم بكف يد إسرائيل عن ابناء الشعب الفلسطيني وترابه الوطني بما في ذلك القدس من خلال تفعيل دور القضاء الدولي لفتح الباب أمام محاصرة إسرائيل الاحتلالية والاستعمارية وزيادة الضغط عليها وتفعيل قرارات الشرعية الدولية واتخاذ اجراءات عملية بذلك وكذلك عزل العنصرية الاسرائيلية والتعامل معها كالعنصرية البائدة في جنوب أفريقيا.
فتعزيز مسيرة الانتصار التي حققها شعبنا الفلسطيني في مقاومته المسلحة والشعبية ضد الاحتلال الاسرائيلي ومعركته الدبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة، يجب ان تكمل مسيرتها في انجاز المصالحة الوطنية وانهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية بأسرع وقت من خلال الاسراع بعقد الاطار القيادي لتفعيل وتطوير منظمة التحرير وصيانة التمثيل الفلسطيني من خلال المنظمة وتفعيل واصلاح مؤسساتها من خلال انتخابات ديمقراطية للمجلس الوطني الفلسطيني في الوطن والشتات على قاعدة التمثيل النسبي الكامل.
كاتب وأكاديمي فلسطيني
رئيس جمعية مركز اللاجئين للتنمية المجتمعية- غزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت