المصـالحـة ليسـت حـواديـت إعلاميـة

بقلم: رمزي صادق شاهين


المصالحة الوطنية الفلسطينية ليست شعار مرحلي ، أو كلمات تأتي كردة فعل نتيجة أحداث معينة ، أو أنها سلعة للاستخدام الإعلامي أو لإحراج طرف للأخر ، فالمصالحة نوايا صادقة وحقيقية يجب أن تكون عن قناعة بأنها ضرورة وطنية ومُلحة ، وأن إنجازها لا يتطلب أي تعقيدات أو شروط أو حسابات إقليمية أو حزبية ضيقة .

منذ خمس سنوات ونصف ونحن نتحدث عن المصالحة ، وفي كُل مرة نفشل فيها يقوم كُل طرف بتحميل الطرف الآخر المسؤولية عن الفشل ، ويصحب ذلك حملة من التخوين والتشهير والقذف ، حتى يُثبت كُل طرف للشارع الفلسطيني بأنه الأحرص عليها ، وأن الآخر هو الطرف المُعطل وبالتالي يُستخدم ذلك في تعبئة المواطن وتهيئته لجولة قادمة من الحديث عن هذه المصالحة .

قبل سنوات سمعت حديثاً للدكتور غازي حمد ، حين قال أننا لا نحتاج إلى أي وساطات لا عربية ولا إقليمية ، ولا نحتاج إلى كُل هذه التعقيدات من أجل أن نتفاهم فلسطينياً ، فقد جال الطرفين الدول العربية جمعاء من أجل المصالحة ، وكان بإمكانهم أن يجتمعوا في أي منزل فلسطيني بمخيم جباليا أو الشاطئ ونتفاهم على ما هو في مصلحة الوطن والمواطن ، بعيداً عن التدخلات العربية والإقليمية والدولية ، لأننا الأقدر على فهم احتياجاتنا ، ويجب أن نكون الأحرص على مصلحتنا الوطنية ومصلحة شعبنا الذي عاني ويُعاني من تبعات الانقسام منذ عام 2007م ، وقد دفع الكثير من الدماء والتضحيات نتيجة لذلك .

بعد انتهاء العدوان الأخير على غزة ، سارع الجميع الحديث عن أن المصالحة أصبحت قاب قوسين ، وخرجت الجماهير فرحة بالصمود الوطني لأبناء قطاع غزة ، ووحدتهم التي كانت أحد أهم أسباب النجاح في تغيير قواعد اللعبة مع إسرائيل التي شعرت لأول مرة بمرارة الهزيمة من خلال المقاومة ، وشعرت بها أكثر نتيجة حصول فلسطين على عضوية الدولة المراقب بالأمم المتحدة في عرس دولي وعربي وفلسطيني مميز رفع من معنويات شعبنا في الوطن والشتات .

كان لي إلى جانب عدد كبير من الأصدقاء والمتابعين وجهة نظر في المصالحة ، وقلت أنها أصبحت الآن أبعد مما كانت عليه قبل العدوان الخير على غزة ، لأن الأمور تغيرت على الأرض ، وكلا الطرفين شعر أنه حقق إنجاز لشعبه ، وهو الآن الطرف الأقوى لكي يفرض شروطه على الآخر ، ومهما حاول كبار المسئولين الحديث عن المصالحة ، فإن الدلالات على أنها بعيدة المنال ، هو عدم وجود مؤشرات حقيقة على الأرض ، نستطيع من خلالها تقييم الأمور ورؤية هلال المصالحة بالعين المُجردة .

لازال الإعلام التابع لحركة حماس يستخدم العبارات السطحية لقضية المصالحة ، بل أن معظم تغطيته منذ العدوان وحتى اليوم ، تتمركز حول الانتصار الذي حققته المقاومة وكانت حماس أكثر الذين استفادوا من هذا الانتصار والذي رفع شعبية الحركة وطنياً وعربياً ، لكن لم يتطرق الإعلام بشكل مُعمق لهذه القضية ولم يعمل على وضع أسس انطلاق لمرحلة جديدة نقلب فيها صفحة الماضي ونفتح صفحة حقيقة تحمل المودة والحب والإخاء بين كافة الأطياف الفلسطينية .

المطلوب ليس فقط اتخاذ المصالحة كشعار إعلامي ، بل من المفروض أن يتم عمل لجان وطنية على الأرض من كافة الفصائل ، تؤسس للمرحلة الجديدة ، مرحلة يكون فيها مصالحات اجتماعية وعائلية ، يتم من خلالها عقد مؤتمرات محلية ووطنية في المناطق والمخيمات ، لتتصافح الأيادي وتتصافى القلوب ، ولكي يستطيع شعبنا وقادة الفصائل الاطمئنان على أن المصالحة تسير في طريقها الصحيح ، لأن المصالحة الوطنية على الأرض أهم من كُل الاتفاقيات والمصالحات بين القادة والسياسيين ، ولا يمكن للمصالحة أن تنجح بدون إزالة كُل العوالق والشوائب من طريقها .

&&&&&&&&&&

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت