لقد قال العالم كلمته وبصوت مرتفع عندما قام بالتصويت التاريخي في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر 2012 معتمدا القرار 67/19 بأغلبية ساحقة 138 دولة الذي يمنح فلسطين وضع الدولة المراقبة غير العضو في الأمم المتحدة، والذي يؤكد من جديد دعم العالم الكبير لحقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة في الحرية والاستقلال، والتزامه بحل الدولتين استنادا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ناهيك عن رغبته في خلق الأجواء وتوفير المناخات من اجل استئناف مفاوضات سلام ذات مصداقية تمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على الاراضى الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف.
لم يكن احد يتوقع من حكومة إسرائيل أن تقوم باستخلاص العبر ومراجعة وتعديل سياساتها وممارساتها مستفيدة من قرار العالم التاريخي بشأن عضوية فلسطين، و بالتالي لم يكن مستغربا قيام حكومة إسرائيل بتبني مشروع بناء ثلاث آلاف وحدة استيطانية سكنية جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية وطرح عطاء لإقامة 17 وحدة سكنية استيطانية في رأس العامود متحدية دول العالم اجمع الذين صوتوا حتى الذين لم يصوتوا لصالح دولة فلسطين في الأمم المتحدة.
وهى تتخذ قراراها الاستيطاني الجديد في الاراضى الفلسطينية المحتلة، فان حكومة إسرائيل على ما يبدو لم تفهم بشكل دقيق رسالة العالم حين صوت لصالح دولة فلسطين، ولم تفهم أن الاراضى الفلسطينية لم تعد أراض متنازع عليها بل هي أراضى لدولة فلسطين المحتلة، ولم تفهم أن العالم قد سئم من سياساتها ممارساتها تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، ولم تفهم أن العالم قد تجرع المر من تنكرها للاتفاقات والقرارات الدولية فيما يخص قضية فلسطين، ولم تفهم أن العالم قد سئم من دورها المقصود في تدمير عملية السلام في المنطقة، ولم تفهم أن العالم لم يعد قادرا على تحمل ممارساتها التي تعطل حل الدولتين، ولم تفهم أن الدول العظمى المؤيدة والمناصرة لها لم تفقد مصداقيتها فحسب بل أصبحت مصالحها مهددة في العالم العربي وفى كل دول العام نتيجة لهذا التأييد والمناصرة، ولم تفهم أن العالم ما قبل التصويت على القرار لصالح دولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة ليس هو نفسه كما بعد التصويت، ولم تفهم ...... الخ.
حقا لقد تغير العالم بعد القرار لصالح دولة فلسطين، حقا نحن أمام عالم جديد، ففي تصريح هام للامين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" أكد أن المستوطنات الإسرائيلية تهدد التواصل بين القدس الشرقية والغربية بشكل كامل وهى خطوة غير قانونية، ويمكن أن توجه ضربة قاضية لحل الدولتين، وهذه أمريكا الحليف الرئيس لإسرائيل وعلى لسان وزير الخارجية الأمريكية "هيلارى كلينتون" أدانت التوسع الاستيطاني خارج الخط الأخضر معتبرة ذلك بأنه معيق لعملية السلام مع الفلسطينيين، فيما هاجم "رام عمناويل" احد اقرب المقربين من الرئيس الامريكى "اوباما" قرار إسرائيل بناء 3000 وحدة استيطانية جديدة في القدس والضفة الغربية، ناهيك عما أفادت به صحيفة "نيويورك تايمز" بأن قرار إسرائيل الاستيطاني قد أثار موجه من الغضب العارم داخل أروقة البيت الأبيض والإدارة الأمريكية التي نظرت للمخطط انه يهدف إلى منع التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية مستقبلا خصوصا وان الحديث يدور عن تعزيز الاستيطان في المنطقة E1وهى من أكثر المناطق حساسية حسب "دان كارتسر" سفير أمريكا السابق لدى إسرائيل.
إضافة إلى ما تقدم، وفى تطور لافت وغير مسبوق، فقد انتفضت أوروبا ضد قرار الاستيطان الاسرائيلى في القدس عاصمة دولة فلسطين وفى الاراضى المحتلة، فالخارجية البريطانية والفرنسية والسويدية والاسبانية والدنماركية قامت باستدعاء سفراء فى دولها للاحتجاج على قرار إسرائيل الاستيطاني مع بقاء كافة الاحتمالات للرد العملي على قرارات الحكومة الإسرائيلية، فيما قام الرئيس الفرنسي "اولاند" خلال مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره رئيس الوزراء الايطالي وفى اشد تصريحات تصدر عن مسئول اوروبى بهذا الحجم بمطالبة إسرائيل بالتراجع عن قرارها مؤكدا على وجود جهود تبذل لإقناعها بالتراجع، وانه يفضل عدم الانتقال إلى استخدام العقوبات ضد إسرائيل لدفعها إلى التراجع عن قرارها. وفى تطور جديد، وعلى هامش انعقاد المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي البرتغالي المنعقد في لشبونة، وقعت أحزاب يسارية واشتراكية وشيوعية من 46 دولة على وثيقة مؤيدة لنضال الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ومستنكرة للاستيطان الاسرائيلى في الاراضى الفلسطينية وسياسة طرد المواطنين الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم وخاصة في القدس الشريف.
حقا لقد تغير العالم، واعتقد جازما أن قواعد الاشتباك السياسي قد تغيرت ايضا، فهناك زخم عالمي غير مسبوق لصالح دولة فلسطين، مقابل عزلة غير مسبوقة لحكومة إسرائيل، وهذه مسائل يجب استثمارها والبناء عليها ونحن نسير نحو الحرية والاستقلال، وهذه مسائل يجب أن تحفزنا وتدفعنا سريعا ككل فلسطيني أن ندوس بأقدامنا ونعالنا على صفحة الانقسام المشين والمشئوم وأن نتجه ودون إبطاء أو تعطيل أو تعويق أيا كانت المبررات نحو تطبيق مصالحة حقيقية تؤسس لإستراتيجية وطنية تحظى بإجماع وطني تحدد برامجنا وخططنا وأهدافنا وأدواتنا لإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
د. يوسف حسن صافى
مدير مركز هدف لحقوق الإنسان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت