دولة فلسطين من الإنكار إلى الإقرار

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس


لم يكن حلم الشعب الفلسطيني ومناضليه حلماً مجازياً، وإنما كان واقعياً، وبات حقيقة ملموسة بتأكيد الباحثين القانونيين، والمراقبين السياسيين، لقد أصبح للشعب الفلسطيني اليوم دولة، كانت تسمى فلسطين، وصارت تسمى دولة فلسطين، لا يختلف العقلاء، أن الإنجاز الكبير والتاريخي الذي تحقق للشعب الفلسطيني، بقيادة م.ت.ف مساء يوم الخميس التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2012م والمتمثل بتصويت الأغلبية الساحقة للجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قبول فلسطين دولة مراقبة في الأمم المتحدة، قد جاء تتويجاً ونتيجة حتمية للنضال الطويل والشاق الذي خاضه الشعب الفلسطيني على مدى ستة عقود، مارس فيه كافة أشكال النضال، وقدم من خلاله التضحيات الجسام، وقد مثل نقلة نوعية للنضال الفلسطيني على طريق استرداد الحقوق المغتصبة واستعادة السيادة المعطلة والمصادرة، بفعل آلة الحرب والإرهاب والاحتلال والاستيطان الصهيوني المستمر للأراضي الفلسطينية، ويعتبر تحولاً تاريخياً وسياسياً وقانونياً، يكشف الغطاء السميك عن وجود دولة فلسطين المغيبة منذ تسعة عقود خلت، ففي العام 1921م صنفت عصبة الأمم، إقليم فلسطين من أقاليم الرتبة (أ)، والتي تعني أنها تستحق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، ووضعت تحت الانتداب البريطاني لتمكين شعبها من بناء مؤسسات دولته، ولكن التآمر الاستعماري، عمل على تغييب هذه الحقيقة، الاجتماعية والسياسية والقانونية، وإنكارها لصالح تنفيذ مؤامرة إنشاء الكيان الصهيوني، واليوم ينكشف الغطاء السميك عنها وتتوقف سياسة التغييب والإنكار لتعود دولة فلسطين من بوابة الشرعية التاريخية والاجتماعية والسياسية والقانونية الواسعة، ففلسطين اليوم أصبحت دولة تحت الاحتلال على الأراضي المحتلة عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، بموجب هذا القرار الأممي، تتمتع بكافة الحقوق التي يتمتع بها أعضاء الأمم المتحدة كاملي العضوية، باستثناء حق التصويت على القرارات في الجمعية العامة فقط، في حين يتيح لها هذا القرار الانتساب، والانضمام إلى كافة المنظمات الدولية العامة والمتخصصة، بالإضافة إلى أن تكون طرفاً في كافة الاتفاقيات الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة، شأنها في ذلك شأن أي دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، ولا ينتقص من عضويتها فيها أي قيد، كل هذا يمنح فلسطين الدولة والقضية حقوق الدول الكاملة السيادة والمتساوية مع الأعضاء الآخرين.
إننا لا نبالغ في إظهار هذه الأهمية لهذا التحول النوعي للقضية الفلسطينية، في نفس الوقت الذي لا يجوز أن نتوقف فيه عند آراء المرجفين والمبخسين لهذا الإنجاز والذي يحاولون التقليل من أهميته، وذلك لغاية في أنفسهم ليس إلا، وخطورة مثل هذه المواقف المرجفة والمبخسة، أنها تصطف في الخندق الواحد مع القوى التي عارضت قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، وعلى رأسها الكيان الصهيوني.
إن تفعيل الشرعية الدولية في مواجهة الكيان الصهيوني، لمحاسبته على جرائمه، واستمرار استيطانه، واحتلاله للأراضي الفلسطينية، أصبحت إمكانية قائمة، فالتحول في الموقف الدولي يعتبر تحولاً نوعياً، وأصبحت العزلة الدولية تطوق الكيان الصهيوني كما تطوق تحرك العصابة الحاكمة فيه، إن العدالة الدولية، لا بد أن تأخذ مسارها ومجراها في مواجهة جرائمه المتعددة، لم يعد يجدي نفعاً تجاهله للشرعية الدولية، واعتماده على شرعية القوة والغطرسة، والانحياز الأعمى الذي كان ولا زال يوفر له ولمسؤوليه شبكة من الحماية والأمان في مواجهة القانون الدولي وشرعيته، اليوم لن يستطيع الإفلات من المحاسبة ومن المواجهة والملاحقة، إن إقرار حكام الكيان الصهيوني بهذه الحقائق، سوف يوفر على الطرفين الكثير من الجهد والمال، والكثير من العرق والدماء والمعاناة، وسيوفر الأرضية الملائمة والمناسبة لوقف دوامة العنف، التي تلف المنطقة، والتوجه مباشرة بعدها نحو المفاوضات الجادة لإنهاء استيطانه واحتلاله للأراضي الفلسطينية تحت إشراف الأمم المتحدة، وتمكين الشعب الفلسطيني من استرداد حقوقه المغتصبة، واستكمال سيادة الدولة الفلسطينية على أراضيها، والذي لا زال يقف الاحتلال والاستيطان معطلين وممانعين، لممارستها بحرية واستقلال، أسوة بكل الشعوب والدول الحرة المستقلة.
يجب أن يدرك الجميع، أن مع هذا القرار الأممي، قد سقط النظام الذي أرسى قواعده اتفاق سايكس بيكو، الذي حكم الشرق الأوسط ولا يزال، والذي استند على أساس تغييب الدولة الفلسطينية، وأحل محلها الكيان الصهيوني، لقد سقط نظام الشرق الأوسط الذي يستثني فلسطين من جغرافيته، لقد عادت فلسطين اليوم إلى الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، ولم يعد وجود الكيانية الفلسطينية أحجية، إنه دولة فلسطينية مستقلة وسيدة، هل أدرك الكيان الصهيوني هذه الحقيقة، أم لا زال يراهن على كسر إرادة الشعب الفلسطيني، أو البحث عن بدائل تطيل أمد الاحتلال، وتتحدى الإرادة الدولية وشرعيتها، لقد سقطت جميع الرهانات، المبنية على تغييب الشعب الفلسطيني وكسر إرادته ومصادرة حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، وأصبح الثابت الوحيد في معادلة الصراع في الشرق الأوسط هو الشعب الفلسطيني، وإرادته الوطنية غير القابلة للانكسار أو التراجع عن حقوقها المشروعة، والشعب الفلسطيني بات اليوم أكثر قدرة على إنهاء الانقسام المشين بين صفوفه والذي منح العدو فرصة لاستغلال الوقت، وبات أكثر قدرة على المواجهة بمختلف وسائل الكفاح والمواجهة شأنه في ذلك شأن أي شعب احتلت أراضيه، وانتهكت سيادته، وهنا نذكر بميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص في المادة الخامسة والخمسين على (حق الدفاع الشرعي) واستخدام القوة في ذلك، كما نذكر بالقرار الأممي رقم 1514 الصادر في العام 1960م الخاص بحق الشعوب المستعمرة والمحتلة أراضيها، باستخدام كافة أشكال الكفاح بما فيها الكفاح المسلح، من أجل نيل حريتها واستقلالها، وممارسة حقها في تقرير المصير.
لقد أثبت الشعب الفلسطيني على الدوام وعلى مدى سنوات كفاحه الطويل أنه يمتلك إرادة صلبة لا تلين، واليوم يثمر هذا الكفاح بإقرار المجتمع الدولي بولادة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، وستكتمل عضويتها الكاملة عاجلاً، وتستكمل وتستعيد سيادتها المعطلة على كامل الأراضي الفلسطينية، وما مصير الاحتلال والاستيطان إلا الزوال، وما مصير الشعوب الثائرة والمناضلة إلا الحرية والاستقلال.
د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني


الرياض 09/12/2012م الموافق 25/01/1434هـ

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت