للأسف الشديد ، مازال هناك من يحلم بأن حركة فتح ستكون قادرة على استعادة وضعها الطبيعي لتكون حركة تقود الشعب الفلسطيني مجدداً ، وأن يتم استعادة أمجاد الحركة التي أطلقت شعلة الثورة وقادت المشروع الوطني منذ العام 1965م حتى قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994م ، والتي كانت نقطة التحول الأولى والمركزية لحركة فتح .
التحول جاء نتيجة ما تم من اتفاق سياسي بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ، وفي الحقيقة أنا غير مقتنع بقصة منظمة التحرير كثيراً ، لأن حركة فتح كانت تُسيطر على القرار بالمنظمة ، ولأن فصائل المنظمة لم تكن على قدر من المسؤولية أو الحضور أو القوة ليؤهلها لفرض أي رؤية مغايرة لما تم في اتفاق أوسلو ، حتى وان سمعنا رفض بعض الفصائل وخاصة الجبهة الشعبية لاتفاقية أوسلو ، لكننا رأينا قادتهم في مواقع وظيفية في السلطة ، وهذا يُعتبر اعتراف ضمني بالسلطة التي جاءت نتيجة هذا الاتفاق .
تعودنا على حركة فتح وأصحاب القرار فيها أخذ القرارات السريعة ، قرارات غير مدروسة وغير مبنية على إستراتيجية واضحة المعالم ، لذلك دائماً نقع في المصائب ، وللأسف الشديد عدم وجود قادة قادرين على التأثير على مصدر القرار في حركة فتح ، ووجود حالة من وحدانية القرار ، كان سبباً مهماً في تراجع أداء الحركة وفقدانها لقيادتها للشعب الفلسطيني ، بدءاً من تحول الحركة من تنظيم إلى جزء من السلطة ، وهذا ما حملها كُل سلبيات اللصوص والفاسدين من مسئولي السلطة ، إضافة إلى تحول الحركة إلى مشروع وظيفة ورتب عسكرية وقرارات مدراء عامون ، فالكُل أصبح يبحث عن المكاسب وانتهت فتح تنظيمياً .
الخطأ المهم أيضاً هو عدم وجود قرار واضح بعد أيام من اندلاع انتفاضة الأقصى ، وحين تحولت الانتفاضة من انتفاضة شعبية إلى انتفاضة مسلحة ، حين تم تشكيل الخلايا المسلحة ، والتي جاء جزء منها بقرار غير مدروس من أعلى الهرم والقيادة ، وجزء منهم مجموعة من العابثين والذين اتخذوا من اسم فتح وسيلة لتشويه صورتها والمتاجرة باسمها ، وهذا ما أفقد الحركة السيطرة على القرار ، وبالتالي أصبح هناك واقع معارض للقرار السياسي الذي يرفض عسكرة الانتفاضة ، ولا يؤمن بالمقاومة المسلحة ، وهذا ما يٌفقد حركة فتح الكثير مابين رئيس حركة فتح يرفض المقاومة المسلحة ، وخلايا مسلحة تقول أنها تنتمي لحركة فتح ؟ .
أخطاء أخرى لقيادة الحركة أفقدتها حالة السيطرة على الشارع ، وهو تصفية الحسابات الخاصة والداخلية ، فالكل يريد تنفيذ مشروعه الخاص ، والكل يريد التقرب من صاحب القرار ، بغض النظر عن الطريقة ، فكانت المؤامرات على أعضاء في اللجنة المركزية ومنهم الأخ محمد دحلان ، وقبله على آخرين سبباً مهماً في فقدان حركة فتح الكثير من القبول في الشارع ، لأننا شوهنا تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا ، وظهرت قيادة الحركة على حقيقتها بأنها تسعى وراء مصالح شخصية بعيداً عن تطبيق قرارات ولوائح الحركة وهذا بالتأكيد ما عمق الانشقاقات داخل الحركة حتى لو كان البعض ينفي ذلك .
بالتأكيد ضعف حركة فتح أعطي الفصائل الأخرى الفرصة للتمدد ، طالما أن الحركة لم تستطيع الدفاع عن سلطتها وعن نفسها ، وعن شعبها ، ولم تستطيع حماية قراراتها والسلطة الوطنية التي جاءت نتيجة ثمرة نضال وتضحيات ، حركة لم تستطيع أن تُبعد عنها شبهات الفساد والسعي وراء السلطة والمال ، حركة قبلت أن يكون فيها فاسدين من قادة بالأجهزة الأمنية والوزارات دون محاسبة ، حركة قبلت أن تفقد تأثيرها العربي والدولي لأنها انشغلت في ترقيات الوزراء والوكلاء والمدراء العامون ، وأصبحت قيادات الحركة وأصحاب القرار فيها يعملون سعاه بريد للتوظيف والواسطة ومنح شهادات الوطنية لمن هم من غير كوادر فتح وأبناءها .
الحقيقة أن الوضع اليوم تغير كثيراً ، في ظل وجود فصائل منافسة لحركة فتح ، وليس العيب أن نشعر بقوة الآخر ، لكن العيب أن نحاول إخفاء الحقائق ، وأن نُقلل من وجود الآخر أو نستخف به ، لأن تجربتنا مع حركة فتح وقادتها من فرسان الفضائيات رأيناها بعد انتخابات البلديات بقطاع غزة عام 2005م ، وبعدها في انتخابات التشريعي عام 2006م ، حين كان البعض يخدع الرئيس ويقول له بأننا سنكسب الانتخابات ، وكانوا عبارة عن مجموعة من الدجالين الذين يخدعونه .
اليوم حركة فتح وبحالتها وبوضعها على الأرض لن تستطيع قيادة مجلس بلدي ، خاصة في قطاع غزة ، والسباب معروفة للجميع ، لأنه لا يوجد تنظيم حقيقي في قطاع غزة ، أو قيادات يُجمع عليها أبناء فتح ، حتى تأخذ زمام المبادرة وتبدأ مرحلة البناء الإيجابي والحقيقي ، فحركة فتح في قطاع غزة أصابها العجز ، وان أي محاولة للترقيع وتعيين بعض الذين لا يمثلون إلا أنفسهم ، أو الارتكاز عليهم فقد تكون نهاية الحركة وبعدها ستشطب من التاريخ وسيكون مصير أبناءها مجهول .
أنصح الأخ الرئيس أن يتخلص من كُل الذين يكذبون عليه ، ومن كل الذين ورطوه في قرارات تتعلق باستنهاض حركة فتح بقطاع غزة على وجه الخصوص ، فبناء الحركة يبدأ من أسفل الهرم وليس من مسئولين يجلسون وراء المكاتب ويسعون إلى المسميات فقط ولا يعرفون بيت حانون من البريج ، وعلي الأخ الرئيس أن يستمع للأجيال الشابة التي تحتاج إلى فرصة للعطاء والبناء ، بدل من مجموعة العواجيز والمنافقين وفرسان الفضائيات الذي سئم شعبنا وأبناء حركة فتح من رؤيتهم لأنهم جربوهم ويعرفونهم عن قُرب .
&&&&&&&&
إعلامي وكاتب صحفي – غــزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت