قدر الفلسطيني ان يراق دمه على مذبح اللئام اصحاب الماضي الاستعماري البغيض دون ذنب اقترفه سوى انه ينتمي لوطن إستلب غيلة حين اختلّت موازين العدالة الدولية ووقع الجور التاريخي ادى الى كارثة النكبة كانت النتيجة تشريد شعب اصيل كامل المكونات تجذّر على هذه الارض منذ فجر التاريخ الانساني ثم طرد عنوة الى متاهة المنافي البعيدة ومخيمات اللجوء .
لم يحظى الفلسطيني بفرصة العيش الكريم اسوة بباقي بني البشر بل أوته مخيمات التمييز المتاخمة للحدود مع جغرافيا المكان على امل العودة خلال وقت قصير لا يتجاوز الايام او الشهور بعد ان وعدت الجيوش العربية الجرارة استرداد الحقوق الضائعة المهدورة لاصحابها الحقيقيين الامر الذي فرض ترحيل المواطنين من مدنهم وقراهم خشية عرقلة الخطط العسكرية الموضوعة من قبلهم ، لكن هذه الجيوش اندحرت بشكل مذّل امام آلة الدمار الصهيونية بالتواطؤ التام مع حكومة التاج البريطاني تنفيذا لوعدها المشؤوم الذي اعطى من لا يملك لمن لا يستحق لاهداف استراتيجية استعمارية صرفه تضمن مصالح الدول الرأسمالية وتشكل رأس حربة ضد تنامي حركات التحرر الوطنية العربية ، غير ان الانتظار طال امده عاما بعد اخر وسط المأساة المستمرة منذ ست عقود ونيّف ذاق الفلسطيني خلالها طعم الامرين وظلم ذوي القربى حيث حرم من ابسط مقومات الحياة الادمية ، ثم جاء عدوان الخامس من حزيران عام 1967 على ثلاث جبهات عربية كي يضيف نكسة اخرى ادت الى احتلال اراضي سيناء وقطاع غزة الذي كان بعهدة مصر لادارة شؤونه وهضبة الجولان والضفة الغربية التابعة للولاية الاردنية حيث القت بظلالها الثقيلة على ما تبقى من امال العودة وبدل ذلك انضم مئات الالاف من الفلسطينيين الى اقرانهم اللاجئين تحت مسمى النازحين وبعضهم نال شرف المناسبتين معا .
إن انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة اواسط ستينات القرن الماضي وانتهاج مبدأ حرب التحرير الشعبية والكفاح المسلح اسلوبا لتحرير الارض كان بمثابة كي للوعي الفلسطيني لاستعادة زمام المبادرة من الوصاية العربية الى اصحاب القضية مباشرة تعزز ذلك بشكل كبير إثر الهزيمة الحزيرانية التي منيت بها الانظمة الرسمية حيث غضّت الطرف عن التأييد الشعبي العارم واضحت الحاضنة الحقيقية للمقاومة ، لكن الحال تغير حين استشعرت هذه الانظمة بالمخاطر التي تهدد تطلعاتها ، الامر الذي جعلها تتحرك باتجاه احتواء المدّ الجماهيري من خلال الاستهداف المباشر ، او انشاء تشكيلات بلون فلسطيني كجزء لا يتجزأ من منظومة الانظمة الحاكمة ، بعد فشل السيطرة على ضبط الايقاع الفلسطيني وفق ما تمليه سياساتها .
لقد كانت انتفاضة المخيمات في لبنان اواخر الستينات ثمرة ناضجة حيّه بوجه الظلم والاستبداد الذي حوّل حياة الفلسطيني الى جحيم لا يطاق انتج اتفاق القاهرة لتنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان للمرة الاولى اوجد قاعدة مادية للانطلاق ضد الاحتلال في الجنوب اللبناني حيث تركزت بشكل مكثف بعد عام 1970 ، إلا ان تداعيات الوجود الفلسطيني المسلح اقلق الدوائر المتنفذه بالعالم الحليفة لاسرائيل كما أدى الى زجّ الحالة الفلسطينية في اتون الحرب الاهلية اللبنانية التي اشعلتها القوى الانعزالية المتعاونة مع الاحتلال ومن يقف وراءها وحرفها عن اتجاهها الصحيح نحو فتح معارك جانبية متشعبه اضعفت من قوتها في التصدي للمخطط الاحتلالي الذي اعدّ العدّة لاجتياح بيروت العاصمة اللبنانية ، وترحيل الوجود الفلسطيني المقاوم الى دول تبعد الاف الكيلو مترات عن الحدود مع فلسطين ، تاركا وراؤه الظهر الفلسطيني مكشوفا لارتكاب المجازر البشعة ضد المخيمات الفلسطينية تجلت بابشع صورها في مخيمي صبرا وشاتيلا على ايدي القوات اللبنانية الانعزالية بينما استكملت الاطراف الاقليمية الاخرى قصم ظهر الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال مشاريع خلق بدائل لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وشق وحدة الصف الفلسطيني بل تعدى ذلك الى اطار الفصيل الواحد حتى تصبح لقمة سائغة يسهل تدجينها واستخدامها لتحقيق اجندات خاصة لا تمت للحالة الفلسطينية بصلة ، وهكذا خاضت منظمة التحرير الفلسطينية خلال اكثر من عقدين متواصلين صراع البقاء والحفاظ على استقلالية القرار الوطني وصيانة مكتسبات الشعب الفلسطيني باعتباره الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا في كافة اماكن تواجده ولا شك ان تلك المرحلة حملت في ثناياها الكثير من الاخفاقات والاخطاء التي كان ينبغي ان تكون حافزا للفائدة وملهما لاستخلاص النتائج والعبر من اجل التقدم بقوة نحو انجاز اهداف المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بالحرية والاستقلال والعودة ، " لكن الطبع غلب التطبع " ، مما يؤكد مرة اخرى ان الوضع الفلسطيني ليس استثناء عن الواقع العربي الذي ادخل في قاموس مفرداته تحويل الهزيمة الى " نصر مؤزر " للقفز فوق حقائق الامور والافلات من مبدأ الثواب والعقاب .
لم تكن الاطر الفلسطينية العامة وحدها من تضرر بفعل زجّ الفلسطيني في عنق الصراعات العربية ، العربية ، والاقليمية والدولية ، بل دفع الانسان العادي اثمانا باهظة جراء ذلك وفي العراق تعرض الفلسطينيين الى حملة شرسة ترتق الى سياسة التطهير العرقي من قبل قوات الغزو الامريكي والقوى الطائفية المتحالفة معها شملت عمليات القتل والمداهمات للتجمعات السكنية بشكل منهجي من غير شفقة او رحمة دفعهم الى ترك منازلهم والهرب الى الحدود الصحراوية ورحلة المجهول حيث لم يتبقى منهم سوى ما يقارب الستة الاف الذين تقطعت بهم السبل ولم يتمكنوا مغادرة سكناهم ، من اصل ثلاثين الفا يضاف اليهم ضعفي العدد قدموا من الكويت عام 1990 ، اما في مخيمات شمال لبنان فلم يكن الحال افضل بسبب زج المخيمات بالصراعات المرتبطة بتصفية الحسابات على ارض لبنان كانت نتيجته تدمير مخيم نهر البارد على رؤوس ساكنيه ولا زال ينتظر وعود اعادة الاعمار بينما تعتبر المخيمات الاخرى اماكن توتر قابلة للاشتعال في اي لحظة كانت .
لقد ادت المتغيرات الجارية في المحيط العربي الى اوضاع جديدة لا زالت تتفاعل باتجاهات غير محددة ولاشك ان الوجود الفلسطيني كان حاضرا باستمرار ضمن معادلات مختلفة خاصة ما يتعلق منها بالاوضاع في سوريا حيث حرصت القيادة الرسمية ومختلف الاطر الفلسطينية عن النأي بنفسها التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية واحترام الضيافة والاحتضان الذي وفره الشعب السوري لشقيقه الفلسطيني غير ان هناك من يحاول جر الحالة الفلسطينية التي تقف على مسافة واحدة مع الجميع الى مربع الصراع بالرغم من التأكيد المستمر بأن البوصلة الفلسطينية لا تتجه الا نحو عودة الشعب الفلسطيني لارضه ودياره التي شرد منها ومع ذلك فقد قتل المئات من الفلسطينيين ولا زالت المأساة مستمرة .
إن القيادة الفلسطينية امامها تحديات كبيرة من اجل توفير الحماية لشعبنا في كل اماكن تواجده وجعل العالم يقف امام مسؤولياته تجاه المعاناة المأساوية التي تفاقمت الى حد غير مقبول على الاطلاق ...
....................
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت