صفعات وضربات متلاحقة تلحق بالكيان الإسرائيلي، وبشكل خاص برئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" وبحكومته، فقد كانت الضربة الأولى، حصول الفلسطينيين على دولة مراقب في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بأغلبية كبيرة، وكانت الضربة الثانية الهجوم الدبلوماسي الدولي، والعزلة الدولية التي تعصف بإسرائيل، والـ"تسونامي" الذي حل بها، باستدعاء معظم دول العالم، وخاصة الأوروبية، السفراء الإسرائيليين لديها لتوبيخهم وللاحتجاج على قرار حكومتهم الاستيطانية، و"نتنياهو" يرفض هذه الاحتجاجات ومصر على استمرار سياسته الاستيطانية، أما الثالثة، فكان القرار الذي اتخذته الجمعية العمومية للأمم المتحدة لأول مرة بإخضاع البرنامج النووي الإسرائيلي للرقابة الدولية، وفتح مفاعلها النووي للرقابة، وكأن هذا القرار رد على الحملة الإسرائيلية لفرض العقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية على إيران، والتهديد بمهاجمتها عسكرياً، فعلى إسرائيل البدء بنفسها، والاستجابة للمطالب بإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل.
ظاهرياً ... تحاول إسرائيل ضرب عرض الحائط بهذا الهجوم الدبلوماسي الذي تتعرض له، طالما أن ولية نعمتها الولايات المتحدة تدعمها وتقف إلى جانبها، فـ "نتنياهو" مُصر على الاستمرار بسياسته الاستيطانية الحمقاء، ومكتبه يتحدث عن معاقبة الفلسطينيين مقابل حصولهم على دولة مراقب، ويبشر بإجراءات إضافية ضد الفلسطينيين، وبمخططات استيطانية أخرى، ورئيس الكنيست "رؤوبين ريفلين" يتبجح مستخفاً بالاحتجاجات والانتقادات الدولية، معتبراً إياها عابرة، مستشهداً بأن انتقادات وإدانات كثيرة وجهت لإسرائيل في الماضي، احتجاجاً على البناء الاستيطاني، لكن إسرائيل واصلت البناء، وواصلت تنفيذ مشاريعها الاستيطانية، .."هذا صحيح".
إنهم يزعمون بأن توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة، توجه أحادي الجانب يتعارض مع اتفاق "أوسلو"، وهذا الزعم لتضليل الرأي العام العالمي والمحلي، وهي عملية خداع تلجأ إليها إسرائيل عندما تقع في موقف حرج، فإسرائيل هي التي خرقت اتفاق "أوسلو" بل وقتلته، ونقضت جميع الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين، وخرقت "خارطة الطريق" التي تنص على عدم قيام أحد الطرفين بإجراءات أحادية الجانب، فإسرائيل تعمل على تهويد مدينة القدس، بينما ينص الاتفاق أن مصيرها سيقرر في مفاوضات المرحلة النهائية، كما أنها تواصل بناء جدار الفصل العنصري، وفصل قرى بأكملها عن محيطها، ووضع بوابات حديدية يجري فتحها لطلاب المدارس وللمواطنين في أوقات محددة، وتواصل زرع الأراضي الفلسطينية بالمستوطنات، وبناء حي جديد إلى جانب كل مستوطنة، ناهيك عن المعاناة اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون من سلطات الاحتلال، ومن جيش الاحتلال وجيش المستوطنين، كل ذلك يتناقض مع اتفاقات "أوسلو"، والاتفاقات التي تلتها، عداك عن قرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي، إذن من هو الذي يخترق الاتفاقات، ويعمل بصورة أحادية الجانب؟
في شهر آذار من عام 2010، وأثناء قيام نائب الرئيس الأميركي بزيارة لإسرائيل، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن المشروع الاستيطاني "آي-1" الذي يفصل بين شمال الضفة وجنوبها، والذي نحن بصدده، لمنع التواصل الجغرافي بين المناطق الفلسطينية، مع أن اتفاق "أوسلو" يتحدث صراحة عن وحدة الأراضي الفلسطينية جغرافياً، فكان التدخل الأميركي السريع والقوي بتوقيفه إذ أن القرار الإسرائيلي اعتبر صفعة لنائب الرئيس الأميركي الذي يزور إسرائيل، فخضعت إسرائيل لهذا الضغط، وأوقفت المشروع، لكنها لم تلغه، فهي تنحني للعاصفة أحياناً، دون إلغاء مخططاتها، وتنتظر الظروف المناسبة لاستئناف مخططاتها، مما يؤكد للمرة ..... أنها والسلام نقيضان، وأن طرح "نتنياهو" لحل ما يسمى بحل الدولتين، طرح وهمي وهراء للمماطلة وشراء الوقت، فالحقيقة أنه ضد إقامة دولة فلسطينية، وأن إسرائيل لن تكتفي بمخطط "أي-1"، بل ستواصل زرع الضفة بالمستوطنات، حتى لا يبقى ما يجري التفاوض عليه، لأن مخططاتها تقوم على ضمها للأراضي الفلسطينية، وفقاً للتوراة المزيفة، وأن كل حديث سلام مع "نتنياهو" هو إضاعة للوقت.
"رام عمناوئيل" رئيس ديوان البيت الأبيض في السنتين الأوليين من رئاسة "أوباما"-ثم انتقل لينتخب رئيساً لبلدية "شيكاغو"- شن قبل أيام هجوماً عنيفاً على "نتنياهو" متهماً إياه بخيانة الرئيس "باراك أوباما"، عدة مرات، وخاصة وقوفه ودعمه للمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية "ميت رومني"، فهذا كلام هام، غير أنه لا يكفي، طالما أن الرئيس الأميركي لم يتخذ إجراءات حاسمة لوقف الاستيطان، وتنفيذ ما التزم به بإقامة الدولة الفلسطينية، وعدم وقوفه إلى جانب إسرائيل في المنابر الدولية، وفي مجلس الأمن ملوحاً بالـ"فيتو" ضد المشاريع الفلسطينية.
محلل صحيفة قضايا مركزية الإسرائيلية "رامي بشهر"، كتب مقالاً بتاريخ 3-12-2012 قال فيه:"لم يكن في إسرائيل حكومة طفولية وغبية مثل هذه الحكومة، وليس أدل على ذلك من أن الحكومة أقرت البناء في "أي-1" بالإجماع وبأمر من "نتنياهو"، وجعله يرى أن إسرائيل قادرة على اللامبالاة بقراراته، ورفضه لقرار الأمم المتحدة الخاص بعضوية دولة مراقب للفلسطينيين، فهل سيشعر العالم بالفزع الشديد من "نتنياهو" وشلته، حيث لم يجرؤ أي من الوزراء على معارضته والإعراب عن رأيه، خشية من "نتنياهو" بعد الانتخابات بعدم توزيره في حكومته؟" وجريدة "يديعوت 4-12-2012"، اتهمت "نتنياهو" بأن سياسته تشكل أكبر خطر وتهديد لإسرائيل، بسبب خططه الاستيطانية، وهذه الجريدة استندت بهذا الاتهام، إلى أحاديث وتصريحات عدد من رموز السياسة في إسرائيل، أما وزير الخارجية"افيغدور ليبرمان"، فقد أصدر تعليماته لجميع السفارات الإسرائيلية في العالم برفض تلقي أو استلام رسائل أو برقيات أو مستندات رسمية، تحمل اسم دولة فلسطين أو مصدقة بختم الدولة الفلسطينية، ويبدو أن الوزير لم يستق العبر من تصويت "138" دولة، بما فيها دول أوروبية هامة، إلى جانب الفلسطينيين، لرفع تمثيلهم في الأمم المتحدة إلى دولة مراقب، بينما يعتبر "نتنياهو"، بأن قرار الجمعية لا قيمة له، علماً بأن القانون الدولي يقضي بأن إسرائيل دول احتلال.
إن رفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقب، قد يحسن مكانتها في مفاوضاتها مع إسرائيل مستقبلاً، وهذا من أسباب القلق الإسرائيلي ورعبها من عضوية دولة مراقب، فقد بذلت- إلى جانب الولايات المتحدة-جهوداً جبارة لعرقلة هذا الإنجاز الفلسطيني، كما عرقلت قبل (14) شهراً، انتزاع الفلسطينيين عضوية كاملة في الجمعية العامة من مجلس الأمن، وإن أكثر ما تخشاه إسرائيل، عضوية فلسطين في محكمة جرائم الحرب الدولية في "لاهاي"، لمقاضاتها عن جرائمها، إن كانت استيطانية أو غير استيطانية، غير أنها تحاول حالياً التخفيف من أهمية حصول الفلسطينيين على دولة مراقب، ومع أن هذه العضوية لا يستهان بها، إلا أن علينا أن لا نوهم أنفسنا بأننا أصبحنا نستطيع معاقبة إسرائيل عن جرائمها، طالما أنها محمية من الولايات المتحدة، ومثال ذلك القرار التاريخي من قبل محكمة "لاهاي" الدولية قبل عدة سنوات، التي اعتبرت إقامة جدار الفصل، وإنشاء المستوطنات، وكل التغييرات التي أجرتها إسرائيل في القدس والضفة الغربية غير قانونية ويجب إزالتها، لكن تنفيذ هذا الحكم يحتاج لإقراره من قبل مجلس الأمن، وأميركا تهدد باللجوء إلى "الفيتو" لإبطاله، إذا طلب الفلسطينيون تنفيذه وفقاً للبند السابع، ومع أن إسرائيل تواجه واقعاً جديداً مما يتطلب من الدول العربية والإسلامية والصديقة، ممارسة الضغوط على الولايات المتحدة، لتغيير مواقفها، وعلى الأقل تحييدها في مجلس الأمن، والالتزام بالقانون الدولي، فإدانتها للاستيطان فقط غير كافٍ.
وأخيراً .... فإننا لا نعرف إذا كانت هذه الضربات المتلاحقة على إسرائيل، قد تؤثر على الرأي العام الإسرائيلي في صناديق الاقتراع لانتخابات الكنيست، بعد أن أخذت أحزاب المعارضة، تحمل "نتنياهو" المسؤولية عن الوضع الذي وصلت إليه إسرائيل، وباعتقادي أن التطرف ما زال سيد الموقف، وأن معسكر اليمين هو الذي سيحقق الفوز في هذه الانتخابات ليعود "نتنياهو" لقيادة الحكومة القادمة، فإسرائيل لا تحيد عن طريق الفاشية والعنصرية والمزيد من التطرف الذي سيعود عليها بالويل في المستقبل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت