من الإحباط تنبلج الانتفاضة

بقلم: خالد منصور


( راحت السّكرة وعادت الفكرة ) هذا القول الشعبي ينطبق اليوم تماما على حال الفلسطينيين.. فبعد أن احتفلوا وغنّوا وهتفوا للانجازات التي تحققت في غزة، بكسر العدوان الاسرائيلي الهمجي، وفي الأمم المتحدة، بنيل عضوية المراقب للدولة الفلسطينية.. ها هم الفلسطينيون اليوم أمام نفس الواقع الذي يعيشونه منذ ان وجد الاحتلال، فالاستيطان مازال جاثما بل وتتسارع وتائره، والحواجز مازالت تخنق المواطنين وتقطع اوصال المناطق، والاقتحامات الليلية للمدن والبلدات الفلسطينية مازالت تجري، وحملات الاعتقال تحدث يوميا، وعمليات القتل والقمع الوحشي تمارس بشكل منتظم، ولم يتغير واقع الفلسطينيين ( شعب وسلطة تحت الاحتلال )، ومن الطبيعي جدا ان يؤدي ذلك الى مزيد من الشعور بالإحباط، وخصوصا عند فئات الشباب، ( هكذا كانت الأجواء قبل الانتفاضة الأولى في العام 1987 )وهو إحباط مقترن اليوم باحتقان كبير من المؤكد ان يجد طريقه للانفجار في وجه جيش الاحتلال ومستوطنيه في اقرب وقت، ومن الممكن أن يبدأ على شكل مواجهات تتسع تدريجيا وتشتد حدتها لتصل الى حالة شبيهة من الانتفاضة الشعبية، ويمكن أن يحدث هذا عند ارتكاب المحتلين لجريمة كبرى ..
ويعرف المحتلون أكثر من غيرهم انه من الصعوبة استمرار الوضع على ما هو عليه، كما ويعرفون انه ليس من السهل عليهم مواجهة انتفاضة شعبية بنفس الوسائل التي واجهوا بها سابقا، ومازالوا يواجهون بها المقاومة المسلحة.. هذا الأمر دفع بعدد من جنرالات الجيش الإسرائيلي-- ممن هم بالخدمة وممن هم الان بالاحتياط-- لتقديم النصائح للمستوى السياسي في حكومة الاحتلال بضرورة فتح نافذة للحل السياسي مع الرئيس محمود عباس، وعدم توجيه مزيدا من الضغوط على الفلسطينيين شعبا وسلطة .. وفي نفس الوقت هناك اوساط أخرى يمينية متطرفة في اسرائيل مازالت تعتقد ان القبضة الحديدية ممكن ان تنفع مع الفلسطينيين، وهي ترى بما حصل بغزة وبالأمم المتحدة عوامل تعزيز للروح الوطنية الفلسطينية، يمكن أن تؤجج الأوضاع وتشعل انتفاضة ثالثة، خصوصا إذا استعاد الفلسطينيون وحدتهم وانهوا انقسامهم.
وتشير التعليمات الرسمية الجديدة التي منحت قبل ايام للجيش الإسرائيلي، كي يتصرف بحرية اكبر في عمليات اطلاق النار، ومواجهة الاحتجاجات الشعبية للفلسطينيين في الضفة الغربية، إلى أن قادة دولة الاحتلال يفكرون بعقلية انتقامية تجاه الفلسطينيين، وأنهم قد قرروا الرد على ما حققه الفلسطينيون من انجازات بضربات اكثر إيلاما، كما فعلوا في مخطط الاستيطان في منطقة E1 ، أو بتعزيز الروح العدوانية لدى جنود الاحتلال-- بتسهيل ارتكابهم لجرائم القتل-- وهذا ما أكده جيش الاحتلال عندما قال ناطق باسمه أن التعليمات تنص على أنه في حال شعر الجندي بخطر حقيقي على حياته، عليه التفكير سريعا، ومن ثم هو من يقرر إذا استوجبت الظروف المحيطة اطلاق النار.
ومع دخول إسرائيل في سباق الانتخابات العامة التي ستجري في الشهر الأول من العام القادم، فانه من المتوقع- وكما كان يحصل دائما- أن تكون مادة التنافس هي حجم الدم الفلسطيني الذي سيراق، وحجم الأرض الفلسطينية التي تنهب، وحجم الدعم الذي سيقدم للمستوطنين.
عملية التحريض على القتل التي تشارك بها وسائل الإعلام الإسرائيلية .. وتقوم بها أوساط المتطرفين الإسرائيليين كليبرمان وايشاي وموفاز ( دعا يشاي وزير داخلية الاحتلال إلى تسهيل فتح النيران الحية على المتظاهرين الفلسطينيين واستخدام الحد الأقصى من النار في مواجهتهم.. وقال رئيس حزب كاديما شاؤول موفاز أن هروب الجنود – إشارة إلى ما حصل في بلدة كفر قدوم- ظاهرة خطيرة يجب محاربتها بكل قوة وان يسمح كبار الضباط للجنود بفتح النار على المتظاهرين ).. هذه العملية تعني أننا سنشهد ارتفاعا واضحا في عدد المصابين والشهداء في المواجهات المتوقع تصاعدها بين الفلسطينيين- الذين يمارسون المقاومة الشعبية- وجيش الاحتلال.. وهذا يشير أيضا إلى أن جيش الاحتلال قد ضاق ذرعا بالمقاومة الشعبية، وقرر التعامل معها كما يتعامل مع المقاومة المسلحة، وتؤكد ذلك تصريحات قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال- نيتسان ألون- الذي قال بأن الجيش كان يخطط لعملية كبرى، بهدف التعامل مع زيادة التوترات خاصة في الهجمات ضد دوريات الجيش الإسرائيلي في مناطق الضفة الغربية..
وإذا ما تزامن الارتفاع في مستوى الحس الوطني لدى الجماهير الفلسطينية في أعقاب حصولهم على دولة وما حققوه من انتصار في غزة مع تفاقم مشاعر الإحباط لديهم عندما يجدون ( وهذا ما سيحصل حتما ) أن شيئا ما لم يتغير في واقعهم المرير سياسيا واقتصاديا.. عندها فان الاحتقان سيصل إلى الذروة وسيشكل رافعة قوية لاندلاع انتفاضة شعبية جديدة.

بقلم : خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب
مخيم الفارعة – فلسطين
14/12/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت