ان المرحلة الراهنة التي تعيشها القضية الفلسطينية خاصة بعد الانجازات التي تحققت في الامم المتحدة واستثمار الصمود الفلسطيني في مواجهة العدوان وتصاعد وتير الاستيطان في الضفة والقدس وآليات مواجهته وإحباطه، مما يتطلب من جميع الفصائل والقوى ان تدرك بان حكومة الاحتلال ليست في وارد السلام وهذا يتطلب التركيز على النضال الوطني وأهدافه التحررية,
ان المصالحة الوطنية إذا لم يتم إرساؤها على أساس سياسي وطني لا لبس فيه، واعطاء دوراً لكل مكونات المجتمع الوطنية من خلال قيادة موحدة ومؤسسات وطنية جامعة لإفشال المشاريع الصهيونية، والتمسك بخيار المقاومة بكل أشكالها، لانه الخيار الوحيد امام الشعب الفلسطيني لمواصلة نضاله من أجل انتزاع حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس.
إن التحرك الدبلوماسي الفلسطيني وفق مبدأ (الخيارات)، يعني عملياً تبني استراتيجيا وطنية جدية بديلة من استمرار الرهان على إعادة بناء خيار المفاوضات فحسب، والتي ينبغي أن يشكل الهجوم الدبلوماسي أحد مكوناتها، إلى جانب تعزيز وتعميم نموذج المقاومة الشعبية، واستعادة الوحدة الوطنية، ونقل ملفات أخرى إلى هيئات الأمم المتحدة، مثل المرجعية الملزمة لأي عملية سياسية سلمية مستقبلية، والرأي الاستشاري الصادر عن محكمة لاهاي بشأن جدار الفصل العنصري، وتقرير غولدستون وغيرها من خطوات تستهدف نزع الشرعية عن دولة الاحتلال وإجراءاتها العنصرية.
من هنا نرى اهمية بناء استراتيجيه وطنية متوافق عليها من الجميع تشكل موقف سياسي وكفاحي موحد لبناء موقف قومي عربي موحد داعم للموقف الفلسطيني تشكيل حكومة وحدة وطنية وتحديد مهامها العاجلة والمستقبلية، لكي تكون هناك حكومة واحدة ومرجعية واحدة وأهداف واضحة وبرنامج مرحلي يقوم على أساس استعادة الوحدة الوطنية والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية والحفاظ على المشروع الوطني.
ان جملة القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية بشكل عام، توفر الغطاء الدولي القانوني الشرعي للحق الفلسطيني في تقرير المصير، وحق العودة وبناء الدولة المستقلة، وقد اعترفت تلك القرارات بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، ومن ضمنها حق العودة وحق تقرير المصير وحق وشرعية مقاومة الاحتلال باستخدام كافة الوسائل المتاحة، لذلك فإن الحديث الفلسطيني العربي عن العودة للشعب الفلسطيني إلى وطنه وممتلكاته وعن اقامة الدولة الفلسطينية يستند بالأساس إلى قرارات الشرعية الدولية المتراكمة مع وقف التنفيذ بسبب الفيتو الأمريكي المتصهين والبلطجة الإسرائيلية المنفلتة، والمطالبة بحق العودة للفلسطينيين واقامة الدولة، مسألة شرعية مثبتة في تلك القرارات الدولية التي تحتاج في مقدمة ما تحتاج لتطبيقها الى ان يراجع المجتمع الدولي سياساته المنحازة لصالح “اسرائيل”، وان تراجع الولايات المتحدة سياساتها وحساباتها ايضا، في الوقت الذي من الاولى والاصح ان يراجع العرب بدولهم وجامعتهم وانظمتهم السياسات والمواقف العربية، التي اوصلت الامة الى هذه الحال التي هي عليه اليوم .
تحتاج فلسطين اليوم ، وبعد ان حصلت على عضويتها في الجمعية العامة، الى تحشيد كل الطاقات والقدرات على صعيد المجتمع الدولي من اجل اجبار “اسرائيل ” على التنفيذ ، وان كذلك ما يحتاجه الشعب الفلسطيني هو تطبيق قرارات العرب بشبكة الامان، وليس الخطابات ، وما نحتاجه كشعوب وأمة موقف سياسي يوقف عملية تخريب العقول، والعمل على إحلال مواقف جديدة في العقل العربي، تكرس ثقافة المقاومة التي أثبتت جدواها بالانتصار في غزة، لأنها هي الطريق لاستعادة الحقوق.
ان الثورات العربية اليوم التي ناضلت من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية تعيش في واقع مؤلم بسبب الثورة المضادة التي اردتها الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية ، رغم اننا على قناعة بان لكل ثورة خصوصيتها بما يجمعها من قضايا وجوانب، لكن الأخطر في ذلك لا يوجد رؤى واضحة أو برامج وحتى قدرات لتسلّم السلطة اذا تمكّنت من حسم وضعها في سياق حراكها ضد أنظمتها، حيث اتت بحكام وقوى لم تختلف عن أدوات السلطة السابقة التي كانت تتحكم بمفاصل الأمور، وحتى غيرت واجهة الشعوب وبوصلتها نحو فلسطين .
ختاما لا بد من القول : ان قضية فلسطين في عمقها التحرري والقومي والديني والإنساني والحضاري، هي من أبرز قضايا عصرنا الراهن، والموقف منها يفصل بين العدالة والظلم، بين الحق والباطل ، قضية كانت وما زالت القلب النابض الجامع لوحدة وتطور ومستقبل الأمة العربية.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت