إنهاء الانقسام... مجرد أوهام

بقلم: رشيد شاهين


قد يبدو العنوان غريبا، أو ربما كمن يغرد خارج السرب، خاصة وان الأجواء العامة لا تسمح بالحديث بمثل هذه الطريقة "الفجة" أو ربما "المتشائمة"، أو "غير المتوائمة" و"غير المواتية" مع "منطق الأمور" كما هي بادية على السطح.

في خضم "الاحتفاليات بالانتصارات العظيمة" التي تحققت على يدي"فتح وحماس" وهما من تسببا في "قسمة" الوطن الواحد إلى شمال وجنوب، وعدنان وقحطان، وداحس والغبراء، كثر الحديث عن المصالحة وإنهاء الانقسام، مصالحة "لا بد أن تكون ثمرة وتتويجا" لهذه الجهود "الجبارة" التي أسفرت عن انجازات "قل نظيرها" في التاريخ العربي الحديث.

حديث المصالحة وإنهاء الانقسام هذا، ليس سوى محاولة للتناغم مع حالة الإحباط التي تسود أبناء فلسطين، حديث يهدف إلى امتصاص الاحتقان والغضب المعتمل في الصدور، نتيجة لهذا الوضع البائس الذي وصل إليه الشعب الفلسطيني بسبب خطيئة الانقسام الذي جلبته فتح وحماس، حديث يتنافى مع كل ما يجري على الأرض من محاولات تقوم بها حماس من اجل ان تحصد ثمار "انتصارها" في المجابهة غير المتوازنة مع دولة الاحتلال، وفي المقابل لا تقل شهية "غريمتها" فتح عن قطف ثمار ما تحقق لها من انجاز دبلوماسي وسياسي من خلال الاعتراف "المدوي" بدولة فلسطين غير المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الضفة الغربية لنهر الأردن بمن فيها وحكومتها في رام الله تواجه من جهتها "حربا" لا تقل قسوة عما يعانيه قطاع غزة من حصار للحكومة المقالة هناك وشعب فلسطين في القطاع، وكلا "الشطرين" تحت رحمة الاحتلال ذاته، ومن يتحكم بمصائر الناس ومن "يسود الناس" هو ذاته، "كوهين" في بيت ايل، و"شلومو" في معبر ايريز، ومن يحاول قول غير هذا فهو، إما واهم، وإما مخادع.

السيد أبو مازن يعلن وبالفم الملآن، انه لا يمكنه التحرك إلا بإذن "كوهين" في بيت إيل، ولا يمكن للسيد خالد مشعل ان يعبر معبر رفح، وأن يزور غزة، إلا بعد موافقة "شلومو" في معبر ايريز أو في أي مكتب مكيف في تل أبيب أو سواها من المدن، الكل سواسية، وعندما لم يوافق "الضابط شلومو" ولم يتم التنسيق مع دولة الاحتلال على زيارة عبد الله شلح، فإنها لم تتم.

الكل "في رام الله وفي غزة" يراهن على تحقيق اكبر قدر من المصالح والامتيازات نتيجة ما يعتقد بأنه "انتصاره"، وهي بالمناسبة انتصارات يعتقد كثيرون بأنها انتصارات "وهمية وفارغة" ولن تقود إلى شيء برغم الجعجعة الفارغة والتي لا تثمر عن أي "طحين"، وهي إذا ما كانت انتصارات فهي انتصارات الشعب الفلسطيني بما قدم من تضحيات وليست انتصارات هذا القائد الهمام سواء كان فتحاويا أو حمساويا.

حديث إنهاء الانقسام ، يبدو انه ليس سوى للاستهلاك المحلي، ومحاولة لإرضاء "غضب" الجماهير الفلسطينية،التي تطمح ان ينتهي هذا الملف مرة واحدة والى الأبد.

من تابع موضوع احتفالية حركة فتح بذكرى انطلاقتها يدرك حجم الهوة التي تركها الانقسام، حتى لو جاءت النتيجة بالموافقة من حركة حماس، والسؤال الكبير الملح المطروح حاليا وفي المستقبل، إذا كان موضوع احتفال حركة فتح بانطلاقتها تطلب كل هذا الوقت، وكل هذا الجدل، وكل هذه التدخلات، وكل هذا "الخض" حول الموقع الذي يجب ان يكون مكانا للاحتفالية، ترى كيف سيكون عليه الحال في المواضيع الأخرى العالقة، والتي بدون شك، هي أكثر تعقيدا من هذه " القضية "الهايفة" إذا جاز التعبير.

بغض النظر عما تقوله حماس عن "خطايا" فتح، وعما ارتكبته هذه الحركة من "موبقات" فان من غير الممكن استيعاب كل هذا الذي جرى حول موضوع الاحتفالية ومكان انعقادها، إلا ان في ذلك مؤشر على "المعارك الطاحنة" التي سوف نشهدها عندما يأتي الحديث عن ملفات أخرى هي بدون شك أكثر أهمية، والتي تتعلق "بحصة أو نصيب" حماس في المنظمة، والمجلس الوطني ، وماذا عن المقاومة التي "تتبناها" حماس والمفاوضات التي "تنتهجها" فتح، وموضوع القوة التنفيذية "وما أدراك ما القوة التنفيذية".

من الواضح ان هنالك من يضخ في موضوع الانقسام، محاولا الوصول به إلى أقصى مدى ممكن، ومن الواضح أيضا أن هنالك في كلتا الحركتين، من هو على استعداد للمزيد من الضخ والاستمرار به، لا بل والنفخ فيه لتصبح "الفجوة" أكثر عمقا وأكثر اتساعا، لكن أين العقلاء في هاتين الحركتين.

بعد "الانتصارات" التي يعتقد الفريقين انها تحققت، يبدو ان قضية الانقسام وبدلا من ان "تندمل" سوف تتسع، خاصة في ظل حالة الانتظار التي تسود على كلا "الجبهتين"، وفي ظل ما يتم التصريح به من جهات دولية متعددة وإسرائيلية بشكل خاص، تصريحات في تقديرنا ليس سوى محاولات أخرى غير بريئة تهدف في النهاية إلى ذات الهدف الذي يتجسد في إبقاء حال الانقسام والقطيعة بين جناحي الوطن.

فتح وحماس بانتظار "الوسيط" المصري المنشغل بما لديه من مشاكل، "واستقواء" حماس بهذا الوسيط "الجديد"، كونه الحاضنة التي تحتضن حماس، والأصل الذي تتفرع عنه ومنه، وهو الأم الرءوم التي لا يمكن لها ان تتخلى عن "مهجتها".

وفتح منشغلة بما فيها من انقسامات وصراعات على الرتب والمراتب والامتيازات، وهي التي تشعر انها صارت "مستهدفة" أكثر من أي وقت مضى، وفي ظل ما تعتقد الحركتين انهما تحققانه من "حصاد" لانتصاراتهما، برغم ما يقال عن الاستهداف، يظل الشعب منتظرا اللحظة "التي لا نعتقد انها آتية" من اجل إعلان إنهاء الانقسام.

حركتا حماس وفتح، برغم ما قدمتاه من تضحيات، إلا انهما يقودان الوطن والقضية والشعب إلى مصير "مجهول" بسبب نوازع ومصالح فئوية ضيقة، لا بل وشخصية في كثير من الأحيان، ومن هنا فانه يأتي دور الكل الفلسطيني الذي لا بد له من ان يقف في وجه هؤلاء، ليؤكد لهما ان الوطن ليس "مزرعة" أو "إقطاعية" تملكتها أو توارثتها هذه الحركة أو تلك عن الآباء والأجداد، وان على الحركتين التوقف عن غيهما من اجل فلسطين والأجيال القادمة، وحتى لا يبقى سيف الانقسام مشرعا على رؤوس الفلسطينيين بيد من يتقنون الابتزاز وهم كثر. فالوطن ليس "للمتاجرة" ودم أطفال فلسطين كذلك، وفلسطين أهم من كل الحسابات "التافهة".

في ظل هيمنة العقلية الفئوية، وفي ظل سيادة المصالح الذاتية، "نبشر" الشعب الفلسطيني انه لن يكون هنالك مصالحة قريبة، وان أملكم في إنهاء الانقسام "كأمل إبليس في الجنة"، وإذا كان لا بد من مصالحة فهي لن تكون كافية لإنهاء الانقسام، وعليه لا بد من البحث عن صيغ أخرى جديدة تربط أو تعيد العلاقة بين شطري الوطن.

العلاقة بين الضفة الغربية وقطاع غزة في ظل ما هو موجود من قيادات في كلتا الحركتين، لن يعيد الأمور إلى سابق عهدها، ولن يكون هنالك مجال سوى للبحث عن صيغ جديدة لعلاقة تبنى على أسس جديدة، مختلفة كل الاختلاف عن تلك التي سادت في السنوات الخوالي التي خبرناها.

هنالك في الشارع من يعتقد، بأنه وبدلا من محاولات إطلاق بالونات اختبار حول الكونفدرالية مع الأردن، خاصة وأن الجميع يعلم ان مثل هذه الصيغة لا تكون إلا بين دولتين مستقلتين، بدلا من ذلك، لا بد من البحث عن صيغ جديدة لعلاقة أفضل بين شطري الوطن، الذي قسمته حماس وفتح، وان موضوع الفيدرالية، قد يكون هو الشكل الأفضل بينهما، وهي دعوة نعتقد بانها أكثر حكمة وأقرب إلى المنطق، من كل محاولات الطحن في الهواء التي عاشتها فلسطين على مدار سنوات، والفيدرالية في نهاية المطاف، هي احد أشكال النظم الموجودة في العديد من دول العالم، وهي ليست اختراعا اكتشفه الفلسطيني ويريد تجربته واختباره.

إن الصيغة الأمثل لمثل هذه العلاقة بين قطاع غزة والضفة الغربية، هي البحث عن شكل من أشكال الفيدرالية بين شطري الوطن، في ظل وجود "زعامتين" متمسكتين بكل ما لديهما من قوة، في موضوع الهيمنة والتفرد وسلخ الوطن، لا بل وذبحه والسيطرة كل على شطره، خاصة وان هنالك من القضايا التي يبدو ان من غير الممكن حلها سوى بالفيدرالية.

من خلال النظام الفيدرالي يمكن الإبقاء على طموحات الطامحين، والإبقاء على امتيازات الطامعين، حيث تبقى الحكومتين كل في مكانها، ويبقي المستفيدين كل على مصالحه، مع تشكيل حكومة مركزية تتعامل مع القضايا التي ينص عليها النظام الفيدرالي، مثل السياسة الخارجية على سبيل المثال، برغم ما لهذا الموضوع من إشكاليات قد لا يتم التوصل إلى حلها بسهولة.

كما انه يمكن تشكيل مجلس تشريعي مشترك يمثل شطري الفيدرالية، عدا عن وجود مجلس تشريعي لكل فيدرالية لا علاقة له بالمجلس الفيدرالي المركزي، والإبقاء على الحكومتين المحليتين، كل واحدة تتابع شؤون إقليمها في كل ما يتعلق بالقضايا الداخلية والتي لا تخضع للنظام الفيدرالي المركزي.

إن أحد الأسباب الرئيسة لبقاء الانقسام، هو في هذا الكم من الامتيازات والمصالح التي أوجدها، والتي لا نعتقد بان من الممكن التنازل عنها بسهولة، كما لا نعتقد ان لها علاقة بكل ما يقوله "أمراء" الانقسام، وعليه فانه يمكن بنظام فيدرالي محكم الصياغة وبالاستعانة بالخبراء سواء المحليين أو من دول الفيدراليات الموجودة في العالم، للاستفادة من تجاربها في هذا المجال، يمكن إبقاء "هؤلاء" في عروشهم والحفاظ على مصالحهم، ويمكن لشطري الوطن "الوحدة" بشكل أو بآخر، وهو أفضل من بقاء الحال على ما هو عليه.

هذه ليست دعوة لترسيخ الانقسام بقدر ما هي محاولة للإبقاء على "شعرة معاوية" بين جناحي الوطن، وإلا فالقادم ربما أعظم، لا بل هو بالتأكيد أعظم.

29-12-2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت