ثقافة الإبداع لدى الطفل الفلسطيني

بقلم: مريم زقوت


إن الثقافة بصورة عامة وثقافة الطفل بصورة خاصة، ليست قوى ومعاني تٌحفظ وتٌذاكر، وإنما قوى مستديمة يتشربها الإنسان خلال حياته، وأن الثقافة هي إنتاج أدبي وفني ومعلوماتي وحياتي متعدد تندمج مع العادات والتقاليد في نسيج واحد.
يقول توماس أديسون [ لا أشعر ببرود الهمة، لأن كل محاولة خاطئة أتخلى عنها هي خطوة أخرى تقودني نحو الأمام ]، إن الثقافة الإبداعية هي أكثر ارتباطاً بالتفكير الابتكاري أو الخلاق بوصفه أحد منتجات العقل الإنساني. وقد أكدت أغلب الدراسات على أن ذلك النوع من التفكير إنما هو تفكير منطلق أو متشعب، يملك القدرة على تعدد الاستجابات عندما يكون هناك مؤثر، ويملك التجديد والتأمل، أو الإتيان بحلول غير تقليدية
من هنا جاء الاهتمام بتنمية ثقافة الطفل من جميع العلماء والفلاسفة والتربويين والمفكرين حيث أن الطفل هو الثروة الأساسية لبناء الوطن ومن ثم فإن تنمية القدرة الخلاقة والمبدعة لديه تصبح هي الهدف الأسمى لأي تثقيف ، إذا أردنا للمجتمع أن يرقى وينهض وإذا ما قصدنا للوطن نماء اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً و صحيا .
تؤكد دراسة ( جيلفورد ) بأنه لا يوجد شيء يمكن أن يسهم في رفع مستوى رفاهية وتطور الإنسانية وتقدمها أكثر من رفع مستوى الأداء الإبداعي لدى الأمم والشعوب فعالم الطفل عالم واسع ومليء بالمفاجئات وبفطرته يميل إلى اللعب والبحث والاستكشاف بين الأشياء وينمي قدراته بالعديد من المجالات عبر محيطه المعرفي والاجتماعي وعبر البيئة التي يعيش فيها وبطبيعته يحب الأسئلة والمعرفة من أجل نموه وإن عملية الإبداع ليست فطرية ولا وراثية بل هي كامنة لدى الطفل ومكتسبة من المحيط الذي يعيشه في البيت والشارع والمدرسة والمؤسسة الثقافية .
مفهوم الإبداع :
الإبداع هو مزيج من الخيال العلمي المرن لتطوير فكرة قديمة أو إيجاد فكرة جديدة والطفل المبدع هو الطفل الذي يكون لديه حب استطلاع ورغبة في معرفة واكتشاف العالم المحيط به وطرح الأسئلة لمعرفة كل ما هو مجهول أو معروف .
مرتكزات لتنمية التفكير الإبداعي لدى الأطفال :
تعتبر السنوات الأولى والمبكرة في حياة الطفل الأساسي في تشكيل شخصيته وتفكيره الإبداعي عن طريق التعرف على ما يمتلك من قدرات وتوظيفها مستقبلاً في أعمال وأفكار إبداعية وهذه مسئولية الأسرة والمدرسة والبيئة التي يعيش فيها وينتمي إليها فهؤلاء يلعبون دوراً كبيراً في تنمية قدرات الطفل الإبداعية على النحو الذي يجعلها نقاط انطلاق لبناء شخصيته . وتعتبر القدرة الإبداعية إحدى الأبعاد الأساسية المكونة للموهبة والتفوق .
ويتوفر لدى الأفراد المبدعين قدرات إبداعية متعددة تمكنهم من الإنتاج الإبداعي حيث كشفت كثير من الدراسات والأبحاث عن أهم القدرات الإبداعية ، وهي المرونة والطلاقة والأصالة والحساسية للمشكلات والتخيل والتفاعل مع المتغيرات السريعة .
لذا فإن تنمية التفكير الإبداعي يسهم في تحقيق الذات وتطوير المواهب الفردية وتحسين النمو وهذا يساهم بدوره في زيادة إنتاجية المجتمع ثقافياً وعلمياً ، و اقتصاديا ، فبناء ثقافة الإبداع لا يتم في يوم وليلة ، أو نتيجة تغير مفاجئ في حياة الإنسان بل إن هذه الثقافة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمكتسبات اكتسبها الطفل في مراحله الأولى إذ سميت بالأثر النائم الذي يظهر في مراحل لاحقه في حياة الفرد .
من هنا نرى بأن أطفال فلسطين هم الأحوج في تنمية وتعزيز ثقافة الإبداع لأنهم يشكلون مستقبل هذا الشعب والذي نريده أن يكون مشرقاً .
ولأن أطفال فلسطين لهم خصوصيتهم عن باقي أطفال العالم نظراً للظروف السياسية الصعبة التي يعيشونها والتي حاول الاحتلال ولازال يفرضها على شعبنا وأطفالنا ، وهي العيش في حالة من التوهان والضياع ، لأن الوعي الثقافي والإبداعي لأطفالنا يشكل أزمة حقيقية لدى الاحتلال الإسرائيلي .

عوامل تنمية روح التفكير الإبداعي لدى الطفل :
جميع الدراسات التربوية والنفسية أثبتت بأن العوامل البيئية تلعب دوراً ، أهم بكثير من العوامل الوراثية في تكوين الطفل المبدع ، فالإبداع ليس موهبة ، بل هو موجود بصور كامنة عند كل فرد.
والإبداع لا يعتمد علي الذكاء وحده بل يعتمد علي الكثير من العادات والأفكار الذهنية ، التي تلعب الأسرة والمدرسة والمؤسسة التربوية دوراً أساسياً في تكوينها .
ويؤكد أساتذة التربية أن هناك علاقة ايجابية بين ثقافة الطفل وقدرته على الإبداع ،وأن تلك الثقافة تسهم في تكوين هويته وشخصيته وتصقل مواهبه وملكاته الإبداعية ، فالاعتماد على الممارسة العملية والميدانية تتيح للأطفال القدرة على النسج من خيالهم لأن الطفل يمتلك موهبة الإبداع ، وهنا دور الأسرة و المدرسة و المؤسسات التربوية أن تقوم بدعمه و تشجيعه دون قهر أو إجبار .
لذا على الآباء والمربين ألا يفرضوا آراءهم الفنية على تعبيرات الأطفال ومنحهم حرية التعبير وتشجيعهم على المحاولة وإثارة خيالهم ، وشد انتباههم للأمور الفنية لما لها من تأثير على نموهم العقلي والنفسي. ‏
إن احترام الآباء وثقتهم بقدرة أبنائهم على أداء عمل مناسب وإعطاء الأبناء الحرية الكاملة في اكتشاف عالمهم واتخاذ قراراتهم في ممارسة الأنشطة بأنفسهم دون تدخل من الكبار والبعد عن خطي التدليل الزائد والحماية الزائدة وتوفير الاستقلالية في ممارسة الأنشطة المختلفة يساعد على تغيير طاقات الطفل الأبتكارية. ‏
كما يوصي التربويون بالابتعاد عن تأنيب الأطفال ولومهم على إبداعاتهم الخاطئة ،وعدم تعرضهم للحماية المبالغ فيها والإسراف في التدليل والتعامل مع أسئلة وخيال الأطفال باحترام وإظهار الاهتمام بما يقدمون ويطرحون ويتساءلون لأجل تنمية إحساسهم بالتذوق الجمالي و توجيه انتباههم إلى ما يقدم من ايجابيات في برامج الأطفال التي تساعد على اتساع عقل الطفل وزيادة معرفته . إن تنمية روح الإبداع عند الأطفال مسئوليتنا جميعاً إذ أردنا بناء مجتمع سليم ومعافى ومتطور يبحث عن حل لمشكلاته .
إن ضخامة الخسائر في الثروة الإنسانية تتمثل في أطفال نابغين لا يجدون تشجيعاً فيضيعون في الطريق ويتوقفون في البحث عن هويتهم في سياق اجتماعي مناسب فيصبحون أشقياء يتحولون إلى جانحين أو مدمنين أو مرضي نفسيين .

آليات تطوير التفكير الإبداعي لدى الأطفال :
إن نتائج هذه الجهود لا تتضح إلا على المدى الطويل. وبينما يطول الحديث عن الأبحاث في مجال تطوير التفكير الإبداعي، فإن هناك عشرة أفكار أو توصيات انتهى إليها الخبراء نوجزها فيما يلي:

1- البداية المبكرة:

يؤمن كثير من الخبراء بأن الأطفال يولدون مبدعين، وأن التنشئة الاجتماعية الخاطئة وغيرها من العوامل الأخرى تضعف من قدرات الأطفال على الإبداع . ينصح الخبراء بتشجيع التفكير الإبداعي من الطفولة المبكرة ، وباستخدام أبسط الطرق- بالجلوس مع الأطفال أثناء قيامهم بالرسم أو بالاستماع إليهم أثناء سردهم للحكايات.

2- تشجيع التفكير الإبداعي للأطفال:

على أولياء الأمور أن يشجعوا التفكير الإبداعي للأطفال، ويهتموا بإبداعاتهم وابتكاراتهم. ويمكن للعائلات القادرة أن تنفق المال في سبيل التعليم الخاص (دروس الموسيقى أو غيرها) لكن هذا ليس ضرورياً لخلق بيئة إبداعية داخل المنزل. أما في سن المدرسة، فيتعين على أولياء الأمور أن يتابعوا تقدم أطفالهم في المدرسة ، ولاسيما إذا أبدى طفل مبدع سلوكاً فوضوياً إلى حد ما في الصف- بحيث يصبح كل من المدرسة والبيت شريكين في الإبداع.

3- تطوير الهيئة التدريسية:

إعداد المعلمين من أجل العناية بالطلاب المبدعين الذين قد توجد في بعض الأحيان صعوبة في التعامل معهم داخل الصف الدراسي. ومساعدة المعلمين في دعم الطلاب المبدعين، وليس معاقبتهم، من خلال مناقشات خاصة بالمادة الدراسية واستراتيجيات التدريس وبتقديم الدعم للحالات الخاصة.

4- تطوير المنهج المدرسي:

هناك مداخل مختلفة لتطوير المنهج، وبينما تدمج بعض المدارس التفكير الإبداعي في المنهج القائم، يعقد بعضها الآخر دورات تدريبية متخصصة في التفكير الإبداعي يتم تطبيقها على صفوف أخرى. وكلا المدخلين صحيح، وفقاً لما يقوله الخبراء، ما دام يتم إعدادهما لتلبية حاجات كل مدرسة. أيضاً تحتاج المدارس إلى تطوير بعض وسائلها التعليمية الخاصة وغيرها من المصادر.

5- إدخال العلوم الطبيعية:

يختلف التفكير الإبداعي في العلوم الطبيعية عنه في العلوم الإنسانية، ولكنه يمكن أن يكون بنفس الأهمية في كلا المجالين، كما يؤكد الخبراء. إن تطوير الإبداع العادي ليس متعلقاً فقط بتشجيع الطلاب على الالتحاق بدروس التربية الفنية والكتابة الإبداعية، لأن التفكير الإبداعي مهم أيضاً في مجالات مثل العلوم وتقنية المعلومات.

6- مراعاة الخصوصية الثقافية:

تبني برامج إبداعية تراعي الخصوصية الثقافية، حيث أن هيمنة الأفكار على الثقافات نادراً ما تنجح.
وتثمن الثقافات المختلفة العملية الإبداعية ومخرجاتها بطريقة مختلفة، حيث يؤكد بعضها على الإنجاز الفردي، بينما يركز بعضها الآخر على النتائج الجماعية ، ومن المهم إدراك تلك الفروق.

7- لا ضرورة للخبراء:

لا توجد حاجة إلى خبير لاكتشاف الإبداع وتشجيعه. فأي رأي يبديه طالب آخر أو معلم أو ولي أمر هو رأي له قيمته. والمهم هو بذل الوقت في إبداء الملاحظات للطفل وتوجيه.
8- البيئة مهمة:

إن العوامل المادية المحيطة لها أهميتها. فالأطفال الذين يجلسون على طاولات في صفوف يخلقون بيئة تختلف عن الطلاب الذين يجلسون في مجموعات صغيرة حول طاولات. ومعمار المدرسة وأثاثها هي أمور لها دلالتها، مثلها مثل التفاصيل البسيطة.

9- المجتمع عامل مهم أيضاً:

وتوجيه الدعوة للمتخصصين من خارج المدرسة لزيارتها ودعم الجهود الإبداعية هي مسألة مهمة.
قد يكون هؤلاء الزوار مختصين بمجال معين، أو أولياء أمور لديهم مهارات يودون أن يشاركوا بها مع الآخرين، أو مؤسسات ترغب في تقديم المساعدة للمدرسة.

10- السياسة الحكومية ضرورية:

فالسياسة الحكومية الداعمة تصنع فرقاً كبيراً في إعطاء دفعة قوية للجهود الإبداعية، خاصة في مجالات مثل تمويل برامج التدريب الخاصة وتمويل الأبحاث. وعلى الدولة والوزارة المعنية الاهتمام بالتربية الإبداعية لأنها تقوم بدور مهم في تنمية التفكير الابتكاري والإبداعي عند الأطفال بالاعتماد على الوسائل المختلفة منها:
1. إتاحة الفرص أمام الطفل للإسهام في حل مشكلاته الخاصة، وقيامه بدور إيجابي في هذا السبيل، بدلاً من أن نقدم له الحلول الجاهزة، مع تدريبه على إدراك المشكلة من جميع جوانبها، وافتراض الحلول، وتقييم هذه الحلول بطريقة موضوعية، ومحاولة وضعها موضع التنفيذ.
2. تنمية خيال الطفل بطريقة سليمة، والطفل لديه استعداد قوي لهذا.
3. إتاحة الفرص أمام الأطفال للتجريب واكتشاف الأشياء واستطلاع البيئة المحيطة بهم، والكشف عن خواص الأشياء وتجريبها، وممارسة ألعاب البناء والتركيب، والرسم والقص والتكوين.
4. الاهتمام بالفروق الفردية بين الأطفال، والعمل على تنمية استعدادات الفرد وقدراته إلى أقصى حدودها وإمكانياتها.
5. إثارة اهتمام الأطفال بالمشكلات المختلفة، والإحساس بها، وإثارة حماستهم للبحث في هذه المشكلات، والتماس الحلول المبتكرة المناسبة لها.
6. الاهتمام بممارسة الأنشطة الإبداعية وتذوقها، مثل الرسم، والتصوير، والأشغال الفنية، والهوايات، والابتكارات التقنية، والتصميم، وكتابة الشعر والقصة ... الخ. وهنا يجد الطفل نفسه مبتكراً، يبدأ إنتاجه الفني بمعارفه السابقة، ثم يضيف إليها من ذاته وأحاسيسه وعواطفه وأفكاره، فيخرج إبداعاته الأولى التي تمهد لإعداده ليكون فرداً مبدعاً.
7. تنمية قدرة الأطفال على الملاحظة الدقيقة، والتقاط الظواهر ذات القيمة، التي تبدو كأنها حدثت مصادفة (مثل سقوط التفاحة عن الشجرة)، وتشجيعهم على تفسير هذه الظواهر، واختبار التفسيرات المختلفة، والتحقق من صحتها.
8. تدريب الأطفال على الصبر والمثابرة وبذل الجهد المتصل، فالمبدعون يتميزون دائماً بالقدرة الفائقة على تحمل العناء.
9. تدريب الأطفال على التفكير الناقد الذي يحسن التعليل والتحليل وربط الأسباب بالنتائج، وتقييم الأمور بطريقة موضوعية.


وللتعابير والألفاظ التي نقولها للأطفال أهمية في إضعاف ثقتهم بأنفسهم، وتدمير تقدير الذات لديهم، أو على العكس دعم التفكير الإبداعي لديهم، ودعم ثقتهم بأنفسهم.

وهذه بعض الأمثلة على التعابير المحبطة:

من أين أتيت بهذه الفكرة السخيفة؟
لا تسأل مثل هذا السؤال الغبي.
ألا تستطيع أبداً أن تفكر بطريقة صحيحة.
ألا تفكر أبداً.
هل هذا كل ما تستطيع قوله/عمله/التفكير به؟

ومن الأمثلة على التعابير التي تدعم التفكير الإبداعي:
هذه فكرة رائعة.
أخبرني المزيد عن ذلك.
كيف توصلت إلى هذه النتيجة؟
هل فكرت ببدائل أخرى؟
جرب ذلك بنفسك، وإن احتجت إلى مساعدة أخبرني.
هذا سؤال جيد.
أنا واثق أنك تفهم بشكل صحيح.

محددات ثقافة الإبداع عند الطفل الفلسطيني:
نجد أنها تتجسد في الأسرة والمدرسة والمجتمع الفلسطيني المحيط به ، و وسائل الإعلام والفضائيات والإذاعات المحلية والخارجية والمراكز الثقافية .
• الأسرة ودورها
تعتبر الأسرة الفلسطينية اللبنة الأساسية في تكوين ثقافة الإبداع لدى الأطفال، ولعل محورها يكمن في الطفل الذي يتغذى من هذه الثقافة ويلتهمها مع حليب أمه منذ البداية الأولى لحياته ، حيث تعتمد ثقافته هنا على مدى ثقافة هذه الأسرة وخاصة ثقافة الأم فيها.
إن تاريخ التربية الأسرية الفلسطينية يضرب لنا العديد من الأمثلة الواقعية التي تبين كيفية التعامل بين الآباء والأمهات والأطفال فمثلا نجد الأم تخوف طفلها عند محاولته العبث بشيء او اكتشافه او ممارسة خطأ ما بأشياء لم يعد يعرفها ولم يشاهدها ، ويتصورها الطفل على أنها أشياء خارقة لها قوة عجيبة مثل الغول أو الضبع او ابو رجل مسلوخة وما شابه .
وكذلك عندما ترسل الأم طفلها إلى رياض الأطفال في أول يوم له وأمام جارتها أو أمام أصدقاء والده اذكر ما تعلمته اليوم في الروضة وانشد الأنشودة فيرفض الإنشاد والتحدث فتقوم بتوبيخه بغرض المزاح والتأثير عليه وهي لا تعلم الآثار السلبية التي ستقلص من إبداعاته لاحقا.
وإذا كان الطفل أنثى وبناء على التركيبة الذكورية للمجتمع الفلسطيني نقوم بتهميشها ، و بذلك نكون قد أسسنا لشخصية مهزوزة .
إن واجب الأسرة الفلسطينية تجاه أبناءها الأطفال بذل أقصى الجهود من أجل الحفاظ عليهم وتربيتهم أحسن تربية ، وتنمية قدراتهم وإبداعاتهم والاهتمام بتثقيفهم ورفعهم إلى أعلى المستويات.
نستنتج مما تقدم أن الأسرة الفلسطينية تلعب الدور الأكبر في التنشئة الاجتماعية وغرس الثقافات لأبنائها ، إذ هي التي تحدد ملامح هوية الفرد وتعزز انتماءه وتعزز أفكاره وترسم له طريقا للتعامل داخل المجتمع .
• المدرسة ودورها :
أولا من الناحية الإرشادية :
المدرسة تشكل إطارا ثقافيا جديدا للطفل ولكن هذا الإطار لم يكن لينفض عن ذلك الإطار السابق فان هذين الإطارين يكملان بعضهما البعض في رسم ثقافة الإبداع لدى الطفل الفلسطيني، ولعل هذه المرحلة تسبب إرباكا لدى الطفل لأنه ينتقل من مرحلة اللعب والحرية إلى مرحلة الانضباط واحترام المواعيد والالتزام، وهنا يأتي دور المعلم في تهذيب النفسية لدى الطفل في التعامل مع هذه التعليمات واحترامها ، والواجب الا يسبق العقاب الإرشاد، فكثير من الأحيان يأتي الطفل لأول مرة الى المدرسة وهو غير واع لهذه التعليمات فتراه بحرية يريد الخروج من الصف او الطابور ، فترى المعلم يقوم بتوبيخه وأحيانا ضربه ظنا منه أن الطفل بذلك سيلتزم متناسيا أن هذا الطفل عقله وثقافته صفحة بيضاء يرسم عليها المعلم ما يريد للنضوج بإبداعاته، فتجد الطفل وصل الى مرحلة كراهية المعلم ولا يأخذ من كلامه شيء لأنه لا يتوافق مع تنشئته الأسرية وقد تصل الى كراهية الطفل للمدرسة والتعليم وذلك لان المدرس جسد شخصية الأب او الأم او الأخ الكبير وما شابه ممن يفرضون تسلطهم عليه ،فتصل الأمور به الى فقدان روح الإبداع وفقدان ثقافته حتى وان كان متميزا في دراسته

ثانيا من الناحية التعليمية :
ويمكن الانتقال من هنا الى مرحلة المناهج وطريقة تدريسها فتجد أن الثقافة التقليدية لدى بعض المعلمين متسلطة ، فيرون أن المعلم هو أقدر الناس على خلق الثقافة والإبداع وان الطفل هو المتلقي ، فلا يشركه في العملية التعلمية والتي تقوم على التجريب والاستنباط، وعلى الطفل قبول كل ما يقوله المعلم ، كذلك لا يراعي مدى الإبداع او مشاركة الأطفال والطلاب في الفعاليات ، ومع ذلك تم تطبيق العديد من البرامج الهادفة الى تدريب المعلمين على احدث الأساليب وأكثرها فعالية في التدريس لخلق جيل واع وطموح، ولكن المشكلة هنا مدى التطبيق وهل وصل الى مراحل التطبيق الكلي حسب الدورات والإرشادات ،وهل بالإمكان تطبيقها ضمن الظروف السياسية الصعبة التي نعيشها ويعيشها الأطفال، الأمر الذي يخلق خللا في التطبيق الفعلي ، وهنا تكون ثقافة الطفل مبنية على نوع من الفوضوية التي ستبقى ملازمة لجميع مراحل حياته.
وكذلك يمكننا القول أن المدرسة لها الدور الأساس في خلق ثقافة الإبداع لدى الأطفال فإعطاء الطفل حقوقه في التعبير والمشاركة والحرية دون التعرض له من عقاب او توبيخ ،فيكتسب الطفل الثقة بالنفس والاعتزاز بها وسيخرج الى العالم حاملا لثقافة الإبداع بل ومن المبدعين .

• وسائل الإعلام
تلعب وسائل الاعلام المرئية والمسموعة دورا بارزا في تحديد ثقافة الإبداع لدى الطفل الفلسطيني.
وتكمن خطورة وسائل الإعلام في البرامج التي تبث من خلالها ويعتقد البعض أنها مسلية للأطفال ، ومرفهة لهم ، مثل :الرسوم المتحركة التي تجسد طابعا مغاير تماما للثقافة العربية وان هناك بعضا منها تجسد قوى كونية قادرة على التحول، ويمكن تغيير الكون كله وللأسف تتناقلها قنواتنا العربية وكذلك مثل برامج المصارعة والصراعات والتنافسات ومثل برامج المسلسلات وبرامج الأخبار وما شابه الكثير .
إن الثقافة التي يكتسبها الطفل الفلسطيني من وسائل الإعلام ن تتعدى ذلك إلى درجة ترديد وإعادة مفردات سمعها من محطات أجنبية ، والمراد بها الابتعاد عن المفردات العربية الأصيلة ، وقد يكتسبها الطفل من والديه أو من معلميه .
إن الطفل الفلسطيني الذي يضيع أكثر وقته في البيت ، مشاهدا للبرامج التلفزيونية التي تؤثر عليه سلبا وعلى تفكيره وعقله وتصرفاته وسلوكياته وتقلل من تفكيره الإبداعي وإبداعاته، كل ذلك يجعله ينسلخ عن ثقافة الإبداع وعن القيم الثقافية .
الطموح هنا على القائمين على المحطات العربية ، تعريب ثقافتها ونشر كل ما يلزم الطفل في برامجها من تربية وتهذيب لثقافته ،كذلك يجب إصدار مجلات تعالج مشاكل الأطفال، وتعلمهم وتعزز ثقافتهم ليخرج إلى المجتمع صلب الثقافة متحرر الإبداع.

• المراكز الثقافية للأطفال :
إن المراكز الثقافية توفر للأطفال الفرصة للمشاركة في الأنشطة الثقافية المختلفة وتساعد في صقل مواهب وإبداعات الأطفال، رغم أن الصقل الأساسي ينبع من البيت والأسرة يجب أن نوجه الدعوة للأسرة الفلسطينية للتعامل مع الطفل على انه إنسان كامل يستحق الاحترام والتعامل معه بلطف وعقلانية دون إذلال أو تسلط والاستماع للطفل كعقل ومشاعر والاهتمام بأسئلته والابتعاد عن الأوامر المتسلطة وتوفير كل ما يلزم للطفل للإسهام في عملية تزويده بالثقافة الفلسطينية وإتاحة الفرصة لأطفالهم للمشاركة في المراكز التربوية الثقافية التي تهتم بهم لمشاركتهم في جميع الأنشطة التي تنمي وتوسع مداركهم وتساعدهم على الإبداع .
كما إن الطفل الذي ليست لديه ميول محددة فان وجوده بين الأطفال يحفزه على الاهتمام بهواية معينة بل سيفكر مليا في إيجاد طريقة للإبداع أو دفع طاقته الذاتية الكامنة في مجال تطوير قدراته ومداركه .
إن التشجيع والتحفيز من الصغر ومشاركة الأطفال وإعطاءهم حريات ومساحات كافية في التفكير والمشاركة والتجريب والاستنباط وتوفير عدة بدائل للاستفادة من أوقات الفراغ من الأسرة والمعلم والمدرسة والإعلام والمراكز التربوية تساعد جميعها في تنمية قدرات الأطفال واتساع مداركهم والوصول بهم إلى درجات الإبداع وصقل مواهبهم .

في النهاية أقول أن قرائتنا للواقع يجب أن لا يجعلنا سوداويين ، فالمهمة صعبة ، و يجب أن نتكاثف جميعا من اجلها نعم هي مهمة وطنية تحتاج إلي جميع الجهود الرسمية و غير الرسمية للعمل سويا لتوفير بيئة آمنة و خصبة لتنمية الإبداع لدي الطفل الفلسطيني الذي يستحق منا الكثير ، و لتكون ثقافة الإبداع هي الثقافة السائدة في مجتمعنا .
لدينا في جمعية الثقافة و الفكر الحر نماذج و انتاجات و إبداعات طفولية متعددة أذكر منها :
• برلمان الطلائع
• قادة المخيمات الصيفية
• المعارض التي ينفذها الأطفال
• الانتاجات / الصراف المائي / الجرس الالكتروني
• كتابات إبداعية لدي الأطفال
• انتاجات الكترونية



ورقة عمل مقدمة للمؤتمر السنوي الرابع 2012 –وزارة الثقافة
بعنوان:
" الطفل الفلسطيني مثقفاً "

: مريم عبد الحي زقوت – مدير عام جمعية الثقافة والفكر الحر

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت