على ضوء تصريحاته الأخيرة لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ظن المتابعون للشأن الفلسطيني أن السيد محمود عباس يهدد الإسرائيليين بحل السلطة الفلسطينية، إدراكاً منه ووعياً بأن الإسرائيليون هم الأكثر انتفاعاً من بقاء السلطة على حالها، والصحيح أن الجميع قد وقع في خطأ الاستنتاج، وعدم فهم دلالات تصريح الرجل؛ الذي قال بالحرف الواحد: إذا استمر الجمود الراهن إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وإذا لم تستأنف المفاوضات، فإنني سأدعو "نتانياهو" إلى المقاطعة في رام الله، ومن ثم أسلمه المفاتيح .
السيد عباس سيوجه دعوة إلى "نتانياهو" لزيارته في المقاطعة، وفي الدعوة صداقة وتقرب ووداد، فالعدو لا يدعو عدوه إلى بيته، وإنما يلتقي معه في ساحات الوغى، لذلك فإن عباس سيدعو نتانياهو إلى المقاطعة في رام الله كي يصافحه، ويبتسم في وجهه، ويلتقط معه الصور التذكارية، وهو يعانقه، ومن ثم يعطي فرصة للأطراف الدولية والعربية الصديقة كي تتدخل، وتشق الطريق للتفاوض حول قضايا الخلاف من جديد.
إن السيد عباس لا يهدد نتانياهو، وإنما يمهد الأجواء العربية لما بعد الانتخابات الإسرائيلية، ولاسيما أن الجهود التي يبذلها ملك الأردن عبد الله، والذي حدد شهر شباط كموعد لاستئناف المفاوضات، والجهود التي يبذلها الأوروبيون لاستئناف المفاوضات تتضافر كلها لتصب في خانة مساعي الإدارة الأمريكية الجديدة لاستئناف المفاوضات.
إن السيد عباس لا يهدد، بل يمهد العقول والقلوب لتقبل نتائج الانتخابات الإسرائيلية، والذي يعزز ما أرى هو تكرار التهديد بحل السلطة، في الوقت الذي يكرر فيه السيد عباس بأن المفاوضات هي الطريق الواحد لحل القضية الفلسطينية، وأنه لن يسمح بانتفاضة صغيرة ضد الغاصبين طالما كان على قيد الحياة، ويجلس على كرسي الرئاسة.
السيد عباس سيدعو نتانياهو لتسلم المفاتيح كما قال، ومن المؤكد أن تسلم المفاتيح يحتاج إلى مشاورات ولقاءات ومفاوضات، وسيكون التسلم في احتفال كبير، الاحتفال الكبير سيحضره ممثل عن الرباعية، ووفد رسمي يمثل الملك عبد الله ملك الأردن، وسيحضر الاحتفال في حالة عدم استئناف المفاوضات وفد يمثل الخارجية الأمريكية، ولن ينفض الاحتفال إلا بعد مناقشة شروط قيام دولة فلسطينية، مع تحديد موعد لاستئناف ضخ الأموال للسلطة، ودراسة إمكانية تقديم بعض التسهيلات الحياتية، كل ذلك سيستغرق عدة سنوات من المفاوضات، وسينتظر الجميع حتى يحين موعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة.
السيد عباس يمهد للمفاوضات التي يثق أنه سيستأنفها في اليوم التالي لظهور نتائج الانتخابات الإسرائيلية، فالحياة لدى السيد عباس مفاوضات، ولا شيء في جعبة عباس لفلسطين إلا مزيد من المفاوضات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت