في غزة مهرجان الانطلاقة في ذكراها ال48 رسائل ودلالات

بقلم: أكرم أبو عمرو


منذ أن تفتح وعينا في خمسينات القرن الماضي وحتى اللحظة ، ونحن نعيش أجواء المهرجانات الوطنية ، والمسيرات والمظاهرات تارة في مناسبات وطنية وتارة رفضا لأمر واقع أو لسياسة جائرة ، حتى عندما كنت في خارج القطاع رأيت وشاركت في مسيرات ومظاهرات و مهرجانات ، إلا أن ما رايته في قطاع غزة اليوم لم أره في حياتي ، فمنذ أن أعلن عن تنظيم احتفالات الذكرى 48 لانطلاقة الثورة الفلسطينية ، أصبح القطاع كخلية للنحل الكل يعمل الكل مبتهج وبدأت بسرعة كبيرة شوارع القطاع بمدنه وقراه تزدان بالأعلام الفلسطينية ورايات الفتح الصفراء ، وبدأت المئات بل آلاف من المواطنين يزينون سياراتهم ودراجاتهم النارية بالأعلام ، وبدا للقطاع وكأنه ينتظر حدثا هاما ، وجاء يوم الجمعية ليكتمل العرس الوطني الفلسطيني حيث زحفت مئات الألوف إلى ساحة السرايا التي أطلق عليها ساحة الشهيد ياسر عرفات هذه السرايا التي كانت قبل أربع سنوات رمزا من رموز السيادة الوطنية قبل أن تدمرها طائرات الاحتلال في حرب لم يشهد قطاع غزة لها مثيل من قبل .
مئات الألوف احتشدت في هذه الساحة وفي الشوارع المحاذية لها والمؤدية إليها ، تهتف بالوحدة ، بالصمود ، بالمقاومة ، تهتف لفلسطين ، عقدت العزم لان اذهب وارى ذلك المشهد الذي توقعته قبل ذلك وسرت مسافة طويلة مشيبا على الأقدام قبل أن أصل إلى مركز الحشد إلى أن وصلت إلى مكان لم استطع فيه التقدم من شدة الزحام فآثرت العودة وأيضا سيرا على الأقدام لأنني لم اعد احتمل الوقوف طويلا ، المهم إنني رأيت جموع الشعب بكل طوائفه واعمارة أطفالا وشبابا وشيوخا ، نساءً ورجالاً ، وتساءلت كيف جاء ت هذه الحشود علما انه لم يبذل إعلاميا أو دعائيا ما يكفي لجمع هذه الحشود ، لقد كان تجمع هذه الحشود عفويا ، وهذه هي روح الشعب ، الشعب المقهور ، الشعب الذي يرفض أن يكون مغلوبا على أمره ، وكيف يكون مغلوبا وهو الذي بذل من التضحيات الجسام من خيرة أبناء وموارده وإمكاناته ، وما زال يبذل ولعل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في شهر نوفمبر الماضي خير دليل على ذلك ناهيك عن الحصار الذي ما زال مفروضا على القطاع منذ عدة سنوات .
لقد جاء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ليقول : نحن على العهد باقون ، وعلى درب الثورة سائرون مهما حقد الحاقدون ، ومهما تآمر المتآمرون ، هنا باقون ومن هنا تبدا فلسطين .
لقد أذهلت هذه الحشود أعداء فلسطين لذلك ليس غريبا أن تأتينا الإنباء عن صدمة إسرائيلية نتيجة هذه الحشود ، لأنها جاءت مخالفة لظنون إسرائيل وظنون أعداء فلسطين .
لقد أمعنت كثيرا النظر في وجوه الأطفال والشباب والفتيات والشيوخ الذين حملوا الأعلام الفلسطينية ورايات الفتح ، ورايتهم كأنهم يشيرون بدلالات ويبعثون برسائل عديدة إلى جهات عديدة خارجية وداخلية ، عدوة وصديقة تفيد بأننا شعب حي ، شعب يريد الحياة وينشدها ، ولكن حياة عزة وكرامة لا ذل ومهانة ، دلالات أهمها :
- أننا شعب فلسطيني واحد أينما كنا في فلسطين ، وفي الشتات ، دمنا واحد ، هدفنا واحد ، قبلتنا فلسطين والقدس ، وغايتنا دولة مستقلة ذات سيادة .
- أننا شعب قادرين على تجاوز الآلام والجراح ، لننهض لاستكمال الطريق إخوة متحابين لتحقيق أهدافنا السامية .
- أننا شعب متمسكين بأرضنا ووطننا ، ولا بديل عنه مطلقا ، ولا نحيد عن ثوابتنا الوطنية الراسخة .
- أن مصلحة شعبنا فوق كل المصالح حزبية أو فصائلية ، دولية أو إقليمية .
- لقد جاءت هذه الحشود لكي توجه رسائل إلى جهات عدة ومنها :
- أولا : رسالة إلى القيادات الفلسطينية بضرورة احترام رغبة الشعب الذي خرج عن بكرة أبيه اليوم في غزة وقبل أيام في الضفة الغربية ، وفي مخيمات الشتات ، وذلك باعتبار مصلحة الشعب العليا فوق كل مصلحة ،ـ فهاهو شعبنا يمهد لكم طريق المصالحة والوحدة الوطنية ، فلماذا التأخير إلى الآن ، أن من أقوى السبل لمواجهة الابتزازات الإسرائيلية وتهديداتها ، هو الوحدة واهم مظاهرها حكومة واحدة ومؤسسات واحدة .
- ثانيا : رسالة إلى إسرائيل ، فمهما حاصرت ، ومهما قتلت أو دمرت ، فلا يمكنك المرور أو تجاوز شعبنا ، فلا بد لك من الرحيل ، ورحيل جميع قطعانك من الأرض الفلسطينية ، فأرض فلسطين للفلسطينيين فقط ، وان شعبنا لن ترهبه طائراتك أو قنابلك ، ولا سلام إلا السلام الفلسطيني .
- ثالثا : رسالة إلى دول العالم ، إننا شعب حضاري نستمد حضارتنا من جذورنا الضاربة في التاريخ ، شعب نحب الحياة ونسعى إلى السلام السلام القائم على العدل ، فرض عليه الاحتلال وعاث في أرضه فسادا وخرابا ، تحت مرأى ومسمع منكم ، فآن له أن يرحل ، ويمكنكم أن تساعدوا الشعب الفلسطيني في تحقيق أهدافه ، تستطيعون تنفيذ قراراتكم الدولية التي اتخذتموها عبر المؤسسات الدولية ، وعدم السماح لها بالعبث بمقدرات الشعب الفلسطيني ، غير ملتزمة بالقانون الدولي والإنساني .

أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
4/1/2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت