رئيس وزراء السلطة الفلسطينية في رام الله ترك الموظفين يئنون من انعدام الرواتب، وبرأ نفسه من المسئولية، وراح يتهم العرب بالقصور، فأي ظلم للعرب حين يقول سلام فياض: إن دول الجامعة العربية لم تف بوعودها بدفع الأموال التى تحجبها إسرائيل، وإن السبب الأساسى للأزمة المالية فى السنوات الأخيرة هى أن "المانحين العرب لا يلتزمون بتعهداتهم بالدعم".
كلام لا يصدق، لأن التوقيع على اتفاقية أوسلو، وقيام السلطة الفلسطينية لم يكن مقترناً بالمانحين العرب، وإذا كانت دجاجة المفاوضات قد باضت في واشنطن، فما ذنب العرب لكي يفقس البيض في بلادهم، ويتحملوا مسئولية الكتكوت العاجز عن الحياة؟
اتهام العرب بالقصور فيه تبرئة لحكومة رام الله من المسئولية، ولاسيما أن سلام فياض هو صاحب نظرية بناء المؤسسات، والاعتماد على الذات، وبناء الاقتصادي الفلسطيني المستقل حتى نهاية سنة 2011؟ فأين تبخر كل ما وعدتم الناس من أحلام، وخدع كلامية؟
إن اتهام سلام فياض للدول العربية يغطي على مواقف أمريكا القذرة ضد الفلسطينيين، ويعطي للغاصب الصهيوني صك البراءة؟ فالذي يغتصب فلسطين، ويأكل خيراتها هم اليهود وليس العرب، والذي يحتل الضفة الغربية هو جيش الصهاينة وليست الجيوش العربية، والذي يجبي الضرائب من الفلسطينيين هم الإسرائيليون، والذي يوفر الدعم المادي والسياسي لتواصل التوسع الاستيطاني اليهودي هي أمريكا، فكيف لا يصير تسمية المولود باسمه المسخ، الذي تشير إليه الأرقام التي صدرت عن وزارة سلام فياض المالية، لتخزي عين كل من يتبرأ من خطيئة ترك مئات ألاف الموظفين وعائلاتهم يتضورون جوعاً.
الأرقام جاءت ضمن بحث أجراه معهد الدراسات والبحوث الاقتصادية "ماس"، ونتائج البحث تؤكد أن مصيبة عدم صرف رواتب الموظفين تقف من خلفها السلطة الفلسطينية نفسها، وليس المانحون العرب، ولاسيما أن إيرادات السلطة الفلسطينية من الناتج المحلي حتى نهاية سنة 2011 قد بلغت 8،5 ألف مليون شيكل، ولو تم توزيع هذا المبلغ على ربع مليون موظف في غزة والضفة الغربية، لكان متوسط نصيب كل موظف 34 ألف شيكل سنوياً، سيفرح لها الموظف، وسيشكر الله كثيراً، ولكن الأجهزة الأمنية لوحدها تستولي على 31% من الناتج المحلي، وقد بات معروفاً للقاصي والداني أهمية الأجهزة الأمنية بالنسبة للصهاينة، ودور تلك الأجهزة في التنسيق الأمني مع المخابرات الإسرائيلية، فكيف تأكل الأجهزة الأمنية ثلث الناتج المحلي للفلسطينيين، لتقدم ثلثي خدماتها لأمن اليهود ؟.
لو جربت السلطة الفلسطينية أسلوب الضغط على الصهاينة، لاكتشفت ما تمتلكه من ثروات بشرية هائلة، ثروات قادرة على إرهاب وزير المالية الإسرائيلي "شتاينتز"، وقادرة على تغيير معادلة الصراع في المنطقة، وقادرة على سحق اتفاقية أوسلو التي اعتمدت سياسة تجويع الموظفين، ليصفها يوسي بيلن أحد مهندسيها قائلاً: إن نتنياهو هو الوحيد المعني اليوم بعدم إلغاء اتفاقيات أوسلو؛ لأنها توفر له الغطاء لمواصلة البناء في المستوطنات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت