لم تمض سوى أيام قليلة بعد ذلك الحدث الكبير الذي هز أركان العدو الإسرائيلي ، وأثار إعجاب العديد من شعوب العالم وقادته ، عندما احتشدت الجماهير الفلسطينية وبشكل عفوي في وسط قطاع غزة ، لتنادي بخطاب واحد إلى وحدة الشعب الفلسطيني أولا ، لأننا شعب واحد ، ودم واحد ، وأهداف واحدة وان تعددت الألوان والأطياف ، والمطالبة بالمضي قدما في استكمال النضال لتحقيق مشروعنا الوطني الفلسطيني ، ولاستثمار ما حققه الشعب الفلسطيني خلال شهر تشرين الثاني من العامي الماضي من انجازات على صعيد الصمود والتصدي لقوات الاحتلال في عدوانها الأخير على غزة ، وفي الانتصار الفلسطيني في الساحة السياسية الدولية بحصول فلسطين على مقعد دولة بصفة مراقب ، ليفتح لنا الطريق لتجسيد الدولة الحلم على ارض فلسطين . في ظل هذه الأجواء تصدر العديد من القرارات والتصريحات والممارسات تبعث في نفوسنا العديد من التساؤلات ربما أهمها في نظري إلى أين نحن ذاهبون ، وماذا نريد ، بل وبصراحة أكثر هل هناك من لا يزال لم يقرأ رسالة تلك الجماهير التي احتشدت منذ أيام ، ولم يدر أن هذه الجماهير لقادرة على تحريك البوصلة لتصويبها .
ففي الوقت الذي يسارع فيه الرئيس محمود عباس بإصدار قرارات انتظرها شعبنا طويلا بل ولم تأت إلا بعد جهود مضنية هي ثمرة كفاح شعبنا وتضحياته ، قرارات من شأنها تجسيد الدولة الفلسطينية عملا لا قولا ، عندما اصدر أول قراراته باعتماد اسم دولة فلسطين على الأوراق الفلسطينية قرارات لها دلالاتها ورمزيتها السياسية ، ثم القرارات التالية بالإعداد لإصدار جواز سفر فلسطيني جديد وبطاقة هوية فلسطينية جديدة تحمل اسم دولة فلسطين ، وفي الوقت الذي تصدر فيه تصريحات من احد قادة حماس مطالبا حركته في تغيير نهجها في علاقتها مع الجماهير باستيعاب الكل الوطني ، ولسان حاله يقول حتى لا تفقد حماس شعبيتها في أوساط الشعب الفلسطيني ، دعوة تنم عن حكمة يجب التوقف عنها ودعمها ، وإذ نثمن مثل هذه الدعوات ونعتبرها بشرى خير لشعبنا ، نرجو أن تجد لها أذانا صاغية عند من يعنيهم الأمر ، قبل أن تفقد الجماهير صبرها وتخرج عن صمتها ، فكما عاقبت هذه الجماهير حركة فتح في عام 2006 ، فهي قادر على اتخاذ موقف آخر ، وربما هذه أهم الرسائل التي وجهتها الجماهير يوم الجمعة 4/ يناير الماضي .
وعلى الرغم من هذه الأمور المشجعة والمبشرة بالآمال ، تخرج علينا الأنباء بإصدار احد المحاكم في غزة حكما بالسجن على احد عناصر حركة فتح لمدة طويلة ، حكما نعتقد جازمين انه حكما سياسيا سوف يعمل على تأزيم الأمور إذا ما استمر نافذا ، خاصة ونحن نعيش أجواء انفراج في العلاقات الفلسطينية الفلسطينية ، وأصبح لسان حال الشعب الفلسطيني يطالب كافة القيادات بإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة ، فلماذا مثل هذا الحكم ، ولماذا يصدر الآن ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى تصدر تصريحات من قائد آخر من حركة حماس يوجه فيها اتهامات مباشرة وغير مباشرة للرئيس عباس بعدم جديته في إتمام المصالحة .
في ظل هذه الأمور التي تجعلنا بتأرجح بين اليأس والرجاء ولكي لا نجعل عربتنا تعود إلى الوراء بل تتقدم إلى الأمام فإننا نريد من القيادات الفلسطينية العمل على :
أولا : سرعة التخلص من ارث الماضي وأوله اتفاقات أوسلو ، مستفيدين من الدعم الدولي الذي حصلنا عليه باعتراف العالم بفلسطين دولة بصفة مراقب ، وسرعة العمل لتجسيد هذه الدولة إلى ارض الواقع ولعل في قرارات الرئيس محمود عباس الأخيرة خطوات عملية أولية ، يعقبها خطوات بسرعة انضمام فلسطين إلى المنظمات الدولية وسرعة إعداد ملفات جرائم الحرب الإسرائيلية ضد شعبنا ، وجرائم الاستيطان والجدار .
ثانيا : ضرورة وضع وبلورة إستراتيجية فلسطينية جديدة بعيدة ومختلفة عما سبق من عمل من اجل التخلص من الاحتلال الإسرائيلي ، فبقرار الأمم المتحدة الأخير بشان دولة فلسطين ، ينهي الحديث عن المبادرات كالمبادرة العربية وخطة خارطة الطريق وغيرها ، فالخيار المعترف به حاليا هو دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ، أي الضفة العربية وقطاع غزة والقدس الشرقية .
ثالثا: سرعة التوجه لإتمام المصالحة وما يلتحق بها من انتخابات رئاسية وتشريعية وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية .
رابعا: ليكن من المعلوم أن صمود شعبنا الأسطوري ، وتضحياته الجسيمة ، هي ليست من اجل فتح معبر أو لاستقبال بعض التظاهرات الإعلامية ، فأهلا وسهلا بكل من يأتي إلى بلادنا ، ولكن أهدافنا ومطالبنا واضحة ، نريد الحرية الفعلية ، نريد الدعم الحقيقي دعما سياسيا ، دعما ماديا ، ودعما معنويا .
رابعا : الابتعاد كل البعد عن مظاهر المناكفات الإعلامية والتعالي والغرور تجاه بعضنا البعض ، وليكن خطابنا خطابا واحدا نحو أهدافنا ومصالح شعبنا ، كم ويجب الإدراك أننا أمام عدو يمتلك من أسباب القوة ما تجعله قوة إقليمية ودولية لا تهددنا فقد بل يهدد المنطقة ،برمتها ، صحيح أننا صمدنا أمام قوته التي وجهها إلينا في الحرب الأخيرة ، لكن لنعلم انه لديه الكثير ، وهو يتربص بنا ، فلنحافظ على مكتسباتنا وانجازاتنا بعقولنا وصبرنا وصمودنا .
أكرم أبو عمرو
غزة- فلسطين
9/1/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت