بداية... فإن الفتور، واللامبالاة، يسودان معركة الانتخابات الإسرائيلية للكنيست، وحسب استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، فإن نسبة المقترعين ستتراجع كثيراً عما كان عليه في انتخابات عام 2009 السابقة، فالاهتمام بهذه الانتخابات، محصور على الأحزاب ونشطائها، وعلى أصحاب المصالح والمواقع المرتبطة بهذه الأحزاب، ويعود الفتور لعدم ثقة الإسرائيليين بقياداتهم الحزبية، مع أن هذه الانتخابات لن تسفر عن تغيير يذكر في العقلية الإسرائيلية أو حتى في أوضاعهم الحياتية والمستقبلية، حتى أن الحديث عن الهجرة المعاكسة للخارج أخذ يحتل مساحة أوسع من الاهتمام الشعبي بالانتخابات، أما أهم المواضيع التي تدور حولها المعركة الانتخابية، والنقاش الدائر، والأحزاب التي تطرح مواقفها لكسب أصوات الناخبين، فتنقسم إلى قسمين، الأول: يدعم المشاريع الاستيطانية في الأراضي المحتلة، وضم الأراضي الفلسطينية للسيادة الإسرائيلية، والتحذير من حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، علماً أن عدم إقامة دولة فلسطينية تحتل الصدارة لدى الأحزاب اليمينية التي لا تنفي عنصريتها في مواقفها اتجاه الشعب الفلسطيني، أما القسم الثاني: فهو لا يرى مستقبلاً واستقرارا للإسرائيليين دون حل القضية الفلسطينية، ويحذر من عزلة إسرائيل الدولية إذا استمرت سياسة إسرائيل الراهنة، مؤكدين أنه لابد من حل سياسي للقضية الفلسطينية مع بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة، وتبادل أراضي ، أما موضوع النووي الإيراني والتهديد بتوجيه ضربات عسكرية ضد إيران الذي احتل الصدارة لأشهر عديدة قبل الإعلان عن إجراء الانتخابات للكنيست، فقد تراجع وكأنه لم يعد قائماً.
مؤتمر سفراء إسرائيل في العالم الذي عقد بالقدس بتاريخ 30-12-2012، بمشاركة (150) سفيراً، الذي استغل انتخابياً لمصلحة حزب الليكود-بيتنا، انقلب على الحزبين، وعلى حكومة "نتنياهو"، حيث تحول هذا المؤتمر إلى تظاهرة احتجاجية ضد سياسة الحكومة الإسرائيلية، فبسبب وضع إسرائيل في العالم، والتحديات التي تواجهها، وسياسية إسرائيل الخارجية، يقول هؤلاء السفراء أنهم يعجزون عن تسويقها في دول العالم، كما أنهم وجهوا انتقادات لاذعة لوزير الخارجية "افيغدور ليبرمان" على مواقفه، وقد استضاف مؤتمر السفراء رئيس الدولة "شمعون بيرس" للإدلاء بدلوه، حيث انتقد بشدة رئيس الوزراء "نتنياهو" ووزير خارجيته، في كل ما يتعلق بتعاملهم مع القضية الفلسطينية، موضحاً انه كان المطلوب من وزير الخارجية "ليبرمان" كدبلوماسي، أن يكون أسداً في ثوب حمل، وليس حملاً بزئير أسد يخيف العالم، وبدلاً من خلق الأصدقاء، نجح في تحويل العالم إلى أعداء حسب "بيرس"، الذي رفض مطلب "نتنياهو" بأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة لليهود، ولا ننسى أن "بيرس" نفسه -الذي اقتربت ولايته كرئيس للدولة من نهايتها، والذي يحاول التبرؤ من سياسة إسرائيل الرسمية- ساهم هو نفسه بهذا الوضع، ومع ذلك فقد تعرض لهجوم غير مسبوق ردا على اتهاماته، من قبل حزب الليكود بسبب دعوته لاستئناف مفاوضات السلام على أساس حل الدولتين، حيث أن الليكود برئاسة "نتنياهو" تخلى عن هذا الحل، كما أن إشادة "بيرس" بالرئيس الفلسطيني "محمود عباس" أثارت عاصفة من الانتقادات ضده، خاصة قوله أن أمام إسرائيل سبيلاً واحداً للتأثير على الرأي العام الدولي، هو التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين.
لم يكن "بيرس" الوحيد الذي انتقد السياسة الإسرائيلية، بل أن السفراء المؤتمرين انتقدوا السياسة الاستيطانية، خاصة قرار البناء في منطقة "E1"، فتحولوا إلى محتجين على سياسة الحكومة بدلاً من دعمها، لكن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي اللواء احتياط "يعقوب عميدور" قال للسفراء:" إذا كانت سياسة الحكومة غير مناسبة لكم، أما أن تستقيلوا أو اندماجكم مع هذه السياسة، لكن السفراء خرجوا من هذا المؤتمر بمشاعر قاسية.
إن مؤتمر السفراء تحول إلى معركة انتخابية، فقيادة حزبي الليكود-بيتنا، أصدرت بياناً رسمياً يحمل رداً شديداً على مداخلة "بيرس" أمام السفراء، جاء فيه: من المؤسف جداً أن رئيس الدولة، اختار أن يعرب عن رأيه السياسي الشخصي البعيد كل البعد عن موقف الجماهير الإسرائيلية، تجاه الرئيس "محمود عباس" الرافض للسلام، وأن أقوال "بيرس" تشجع على شجب إسرائيل على الصعيد الدولي، كما كان لمداخلة "بيرس"، ردود فعل مختلفة، استغلت من قبل الأحزاب كل حسب رؤيته في المعركة الانتخابية، وهناك من دافع عن مواقفه.
في بحث جديد أجراه المعهد الإسرائيلي للنهضة والديمقراطية كشف النقاب عن أن صورة إسرائيل في الغرب باتت أكثر من سيئة، وأن أسباب ذلك لا تعود لفشل الدعاية الإسرائيلية في الخارج، حيث يرصد لها (100) مليون شيكل سنوياً لتحسين صورتها في العالم، لكن هذا التراجع يعود لسياسة الحكومة وخاصة بالنسبة للاستيطان:"هآرتس 31-12-2012"، من جهة أخرى، فقد شن مصدر سياسي رفيع المستوى هجوماً على رئيس الحكومة "نتنياهو"، لأنه يستخف بالعالم، ولا يعنيه الموضوع الفلسطيني، مؤكداً أن حكومته تقود إسرائيل نحو المصيبة، وأنها في طريقها لفقدان العالم، "يديعوت 26-12-2012".
"نتنياهو" يطالب الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل "كدولة قومية للشعب اليهودي"، ويتنكر لحقوق الفلسطينيين، وينادي بالقدس الموحدة عاصمة إسرائيل، وعدم الاعتراف بحدود 1967، والاستمرار بالاستيطان، وتجرأ وشمل (87) مستوطنة في الضفة الغربية بقائمة الأولويات القومية الإسرائيلية حسب قرار الحكومة التي توفر لهم امتيازات واسعة في مجال وضع أراضي تحت تصرفهم، أثارت حتى سخط بلدات إسرائيلية في محيط قطاع غزة، التي تعرضت للقصف إبان الحرب الأخيرة، وتجاهلها من شملها بتلقي الدعم والامتيازات، كما يتنكر
"نتنياهو" لحق العودة، بل يشدد على الأمن الإسرائيلي الذي لا حدود له، ويطالب بنهاية الصراع، ويقول: تعالوا نتفاوض؟ فماذا أبقى للتفاوض، فذريعة "نتنياهو" بأنه ليس متسرعاً في تقديم ما وصفه بالتنازلات، معتبراً بأن حركة حماس باستطاعتها الاستيلاء على الضفة الغربية، لتصبح قاعدة إيرانية في قلب الدولة العبرية، فـ "نتنياهو" يعمل على إخافة الإسرائيليين من أي حل للسلام.
هناك حرب تدور رحاها حول نتائج استطلاعات الرأي العام التي تجريها مراكز الاستطلاعات المتخصصة، وكل حزب يستغلها وفقاً لمصلحته الانتخابية، فهي متحركة وليست ثابتة، وتشير إلى هبوط عدد مقاعد الليكود-بيتنا، مع أن الغلبة حتى الآن تبقى لصالح اليمين المؤيد لـ "نتنياهو" لتشكيل الحكومة القادمة، فهذا التراجع دفع بقياديين من حزب الليكود، بتشديد مواقفهم اليمينية العنصرية المتطرفة، كي ينافسوا حزب البيت اليهودي الأكثر تطرفاً، والذي يعزز قوته على حساب الليكود، وأصبح "نتنياهو" بين المطرقة والسندان، فهو يريد تعزيز عدد مقاعده في الكنيست، ولو على حساب التطرف، في الوقت نفسه يحاول الظهور أمام العالم كمعتدل، لتحسين صورة إسرائيل، حتى أن أحد قادة الليكود المؤيد من قبل نحو 30% من أعضاء الحزب ويدعى "موشيه فيغلين"، ينادي بالترانسفير، ويقترح دفع نصف مليون دولار لكل عائلة فلسطينية تهجر من الضفة الغربية، أما "الوزير "أديلشتاين"، ورئيس الائتلاف الحكومي-وهما من الليكود- فإنهما يتعهدان بضم أراضي الضفة الغربية لإسرائيل، وحسب جريدة "معاريف 2-1-2013"، فإن اجتماعاً عقد في القدس مؤخراً، ضم كبار شخصيات الليكود، للبحث في فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وكخطوة عاجلة فرض السيادة على جميع المستوطنات، وللخداع فإن نتنياهو ما زال يعلن عن حل الدولتين، فالنظام السياسي الإسرائيلي يتهاوى، وهو بعيد كل البعد عن التوازن، وبين هذا وذاك، فإن الممارسات والنوايا الإسرائيلية، أضعفا مواقف السلطة الفلسطينية السلمية، مما أدى إلى قناعة لدى الفلسطينيين بفشل سياسة المفاوضات، والاعتراف بأن المقاومة هي الحل، وأخيراً علينا أن نشير أنه وفقاً لموقع "غلوبس الإسرائيلي 27-12-2012" أن النائب اليميني الفاشي "ميخائيل بن آريه"، اعتبر أن اغتيال الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، على غرار الشهيد قائد القسام أحمد الجعبري، سيكون أمراً رائعاً، فهؤلاء هم القتلة والإرهابيون الذين لا يعرفون سوى لغة الاغتيالات والقتل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت