في اليوم نفسه الذي اجتمع فيه وزراء الخارجية العرب لبحث الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية، انقضت العصابات الصهيونية على سكان قرية باب الشمس، وأزالت تجمعهم عن الوجود، وأعلنت قريتهم منطقة عسكرية مغلقة، يحرسها نتانياهو بصريح اللفظ المتعجرف بأنه لن نسمح لبشر بأن يحول بين مستوطنة معاليه أدوميم وأورشليم.
فما العلاقة بين باب الشمس وعدم صرف الرواتب؟
لقد غضب المسئولون الفلسطينيون من نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب، ولم يغضبوا بجدٍ وفعلٍ على الصهاينة الذين دمروا قرية باب الشمس، وما ترمز له من مقاومة عملية للاستيطان، واكتفى المسئولون الفلسطينيون ببيانات الإدانة والاستنكار، وبلعوا ألسنتهم عن عن أي رد فعل عملي، وفي المقابل غردوا بالنقد اللاذع للدول العربية لأنها لم تفتح خزائن المال للسلطة، حتى أن الناطق باسم حركة فتح تساءل: هل أفلس العرب، أم هم جزء من الحصار الإسرائيلي؟ واعتبر السلطة الفلسطينية بمثابة خط الدفاع الأول عن الأمة العربية، وإنها الممثل الشرعي الوحيد لدم الشهداء.
لقد نسي الناطق أن الصهاينة ما كانوا أغبياء حين وافقوا على قيام سلطة فلسطينية، من مهماتها عدم التصدي لأطماع الصهاينة، ونسي الناطق أن الهدف الذي من أجله قدم الشهداء الفلسطينيون والعرب أرواحهم هو تحرير فلسطين، وليس تحرير الرواتب، لذلك فإن العتب على الدول العربية، واتهامها بالخضوع لأمريكا، لا يتوافق مع اجتماع السيد محمود عباس مع المبعوث الأمريكي ديفيد هيل، ومشاوراته لاستئناف المفاوضات في شهر شباط المقبل، وفق ما أشار إليه ملك الأردن عبد الله بن حسين.
إنني أزعم أن افتعال أزمة الرواتب في هذه المرحلة يهدف إلى الضغط على المواطن الفلسطيني كي يصفق بعد شهر من اليوم لاستئناف المفاوضات مع الإسرائيليين، طالما كان صرف الراتب مقترن بأمن الإسرائيليين، واستئناف المفاوضات.
وأعم أن مسئولي السلطة الفلسطينية هم الأقدر على حل أزمة الرواتب، ولاسيما أنهم يمتلكون وسائل الضغط لانتزاع أموال الشعب الفلسطيني من العصابات الصهيونية، ويكفي أن تطلق الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية حبل الشعب الفلسطيني على الغارب، كي يشوش حياة المستوطنين، وكي يعبث بالأمن الإسرائيلي، يكفي ذلك سبباً للضغط على أمريكا، وإجبار نتانياهو ووزير ماليته على الإفراج عن أموال الضرائب التي تدعي السلطة أن تجميدها لدى الإسرائيليين هو سبب الأزمة المالية.
بيان وزراء الخارجية العرب كان عاقلاً حين أشار إلى ضرورة الضغط على إسرائيل للإفراج عن أموال الفلسطينيين، وتكمن أهمية البيان في رفضه أن يكون المال العربي بديلاً عن المال الفلسطيني الذي يغتصبه الصهاينة، فمن يطالب الدول العربية بتقديم أموال للسلطة الفلسطينية بديلاً عن المال الذي يغتصبه الصهاينة، لا يختلف كثيراً عن الذي يطالب الدول العربية بتوفير أرض للفلسطينيين بديلا عن الأرض التي يغتصبها الصهاينة.
من يعش الحياة يدرك أنها قممٌ وهممٌ، ومن يهتم بالسياسة يوقن أنها أفقٌ يمتدُ أو كهفٌ يحتدُ، أمّا من أثبت عجزه عن إدارة شئون العباد، وتأكد ضعفه في الدفاع عن البلاد، فما عليه إلا أن يتحمل كامل المسئولية، وينزاح، كي تتكسر على يد المقاومة الأصفاد.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت