لذوى الضمائر الحية..الاسير المحرر جهاد محمد ومعاناة قاسية لعجزه عن علاج ابنته

جنين – وكالة قدس نت للأنباء
تبكي دون توقف ، وتتألم بصمت حتى تمنع نفس المشاعر عن عائلتها ، بعيونها براءة الطفولة ولكنها تحمل هموما تعجز عنها الجبال ، ورغم انها ما زالت بعمر الزهور فإنها تعيش رهينة الوجع النفسي الاشد صعوبة من اوجاع الجسد ، فتنقلت على مدار السنوات الست الماضية بين المستشفيات والمراكز والاطباء تبحث عن دواء شافي يعيد لها الامل ويحررها من المرض الذي ياسر حياتها بلا توقف ، فتتوالى الصدمات لتعيش رهينة المرض فلا تملك سوى الدعاء والانتظار لعل حلمها الوحيد يتحقق وتسترد حياتها لتعيش كباقي الاطفال وبينهم بلا خوف وقلق ، ولسان حالها يردد صباح مساء هل يوجد امل ؟.

حزن ودموع ..
في ظلال هذا الواقع المأساوي تعيش الطفلة سجود البالغة من العمر (9 سنوات) كريمة الاسير المحرر جهاد محمد حسن دواليب من مدينة جنين ، حزن وألم ودموع كما يقول والدها لتحرم طفولتها رغم كل ما نوفر لها من حب ورعاية واهتمام ولكن حالتها الصحية الصعبة والنتائج التي ادت اليها سلبتها كل معاني الطفولة وتحولت حياتنا واياها لجحيم وعذاب لا ينتهي ".

ويصف المحرر جهاد(43 عاما ) حياة اسرته بسبب وضع طفلته سجود بانه اشد قساوة حتى من السنوات المريرة وكل محطات العذاب التي عايشها خلال السنوات التي قضاها خلف القضبان الاسرائيلية ، فقد اعتقلته سلطات الاحتلال خلال الانتفاضة الاولى بعد ملاحقته وحوكم بالسجن المؤبد اضافة ل20 عاما بتهمة الانتماء لمجموعات "الفهد الاسود"ومقاومة الاحتلال الذي ارغم على الافراج عنه ضمن الافراجات التي اعقبت اتفاق اوسلو بعدما قضى 10 سنوات من محكوميته .

فور تحرره ، بدأ بترتيب امور حياته وتأسيس اسرة ورغم ظروفه المالية الصعبة وعدم حصوله على تفريغ او وظيفة في السلطة ومؤسساتها ، شق حياته منذ نقطة الصفر فعمل في عدة مهن وتزوج ورزق باربع ابناء اكبرهم سجود واصغرهم ضياء ابن الثلاثة شهور .

المرض المفاجيء ..
وفي مشوار حياته الجديد ، انهمك المحرر جهاد في تحدي كل الظروف العصيبة وخاصة تاثيرات فترة اعتقاله التي انعكست على وضعه الصحي ليوفر لاسرته حياة كريمة ،وكانت اجمل لحظات عمره كما يقول " عندما رزقت بسجود التي ولدت بشكل طبيعي ولم تعاني من اية مشاكل صحية او امراض ".

تنهمر دموع المحرر جهاد وهو ينظر لطفلته التي كانت تلازمه خلال الحديث ، ورغم صمتها فان نظرات عينيها كانت تروي صور ألمها الذي تعودت على كتمانه رغم صغر سنها ، فيقبلها ويضيف " احيانا اتمنى ان اكون انا المريض وليست ابنتي التي تحولت حياتها بعد 3 سنوات لجحيم ، ففجأة ودون أي سبب انتشرت حبيبات سوداء في كافة انحاء جسدها واعتقدنا انها في البداية مجرد حالة مرضية وبدأنا بعلاجها بالطب الشعبي والوصفات المشهورة اضافة لادوية وصفها لنا بعض الاطباء ".

ويضيف " لكن مع مرور الوقت ، لم يطرأ أي تحسن او تغيير على وضع سجود ، فالحبيبات تنتشر من اسفل الرقبة حتى قدميها مما اثار قلقنا وفزعنا وحالة رعب خاصة كونها فتاة ".

صور مؤلمة ..
سارع الوالد للبحث عن علاج لطفلته ، ويقول " راجعنا الاطباء والمستشفيات في جنين ورغم الفحوصات لم نحصل على اجابة شافية عن مرضها واقتصر علاجها على بعض اشكال الدهون التي لم تجدي نفعا".

وبمرور الوقت ، كانت العائلة تحاول التخفيف من الم ومعاناة طفلتها وخاصة بين اشقاءها وفي محيطها العائلي مع بلوغها سن المدرسة خاصة كما يقول والدها " ان الاطباء ابلغونا ان مرضها غير معدي رغم عجزهم عن تحديده ، فسجلناها بالمدرسة وبدأت الدراسة وفرحنا كثيرا لانها كانت طالبة متفوقة ومجتهدة لابعد درجة ".
في نفس الوقت ، تنقل الوالد بين الاطباء ومراكز متخصصة والمستشفيات في كافة المحافظات ، ويقول الوالد المحرر جهاد " مع مرور الايام ، اصبح ألمنا وخوفنا بسبب تأثر ابنتي نفسيا حتى اصبحت تخجل عن تغيير ملابسها مع اشقائها ، واحيانا تبكي لانها مختلفة عن باقي الاطفال وفي كل يوم تسألني انا ووالدتها الى متى سيستمر هذا المرض ، انقذوني لا اريد ان اعيش عمري بهذه الصورة ".

تساؤلات وكلمات يعجز الوالد عن الاجابة عنها ، فيبكي ألما كما يقول " فلا يوجد شيء اصعب من عجز الاب عن مساعدة فلذة كبده خاصة عندما يأسره المرض ، فكانت كل دمعة تذرفها ابنتي سجود اكثر من الف عام في الاسر ، واصبحت كل ثانية في حياتنا عذاب يتجاوز حدود الاحتمال ".

عذاب مستمر..
عذاب لازم الطفلة سجود خاصة في مدرستها رغم كل الرعاية والاهتمام التي حظيت بها من الهيئة التدريسية خاصة لكونها متفوقة وتحدت واقعها بتسجيل اعلى الدرجات في كافة مراحل الدراسة ، ويقول والدتها " نحمد الله دوما بانه ميز سجود بالثقة بالنفس والارادة والعزيمة والصبر ، فقد حرصت على الجد والاجتهاد رغم المنغصات التي كانت تواجهها وتسعى لتجاوزها وتحملها خاصة النظرة السلبية من بعض زميلاتها في المدرسة "، ويضيف " لم تكن تتألم او تبكي سجود بسبب المرض وحالتها وانما عندما تسمع بعض الجمل حول وضعها من زميلاتها او اقرانها في الحارة فهي حساسة جدا وقادرة على فهم وتحليل كل نظرة او حركة ،وانما حزنها الكبير بسبب الجهل وعدم الوعي ،وللاسف كان البعض يرفض اللعب معها او مخالطتها رغم دعم المدرسة الكبير لها وتوعية الطالبات وتشجيعهن على الاختلاط معها لان حالتها غير معدية ".

تبكي سجود وهي تستمع للحوار،وتتابع وهي تمسح دموعها دون ان تتردد عن قول " الحمد لله على كل شيء ورغم وضعي املي بالله كبير ولن اتخلى عن الامل بايجاد دواء شافي ، ولكن احيانا لا احتمل عندما يحاول البعض التعامل معي بشفقة ، او الاحظ ما أطالعه في عيون من هم في سني من خوف وقلق ورفضهم الاختلاط معي "، وتضيف " الحمد لله مدرستي والكثير من زملائي واشقائي يتفهمون وضعي ويوفرون لي الحب والرعاية التي ترفع معنوياتي وتحفزني على الاصرار على النجاح والتفوق ولكن ألمي الكبير ليس بسبب الحبيبات او المرض وانما لابتعاد بعض الاصدقاء عني وعدم تقديرهم لحالتي ولعدم توفر علاج شافي ".

المرض المجهول..
وبين دراستها وحياتها ، لم تتوقف عائلة سجود عن طرق ابواب امهر الاطباء المتخصصين في امراض الجلد ، ويقول والدها " من جنين حتى القدس راجعنا كل الاطباء المخصصين واجرينا فحوصات وتحاليل لابنتي ولكن دون جدوى اجمع الاطباء على ان المرض مجهول وعلاجه غير متوفر في فلسطين ".

المحرر جهاد الذي يعمل في ورشة حدادة في جنين ، لن يتمكن من توفير مصاريف علاج كريمته في الخارج ، فراتبه بالكاد يوفر احتياجات اسرته ، ويقول " حاولت السفر عدة مرات ولكن لم اتمكن من توفير المصاريف وحاولت الحصول على قرض ولكن دون جدوى وقرعت كافة الابواب وتوجهت للمؤسسات وارسلت النداءات والمناشدات لكن لا زلنا عاجزين مما يؤثر بشكل بالغ على نفسية وحياة طفلتي "، ويضيف " رغم ايماننا بالقضاء والقدر ، ولكن يؤلمني هذا العجز ويقتلني وابنتي تتعذب امامي ، فهل مصير الفقراء في وطننا ان يدفعوا الثمن بسبب عجزهم حتى يحرموا من علاج ابنائهم ".

مناشدة ..
ويقول المحرر جهاد "دوما اديت واجبي تجاه وطني وشعبي فعشت مطاردا واسيرا ولم ولن اندم، ولكني اتأمل ان يفتح الوطن ذراعيه لابنتي التي حرمت طفولتها "، ويضيف " سجود طفلة فلسطينية متميزة باخلاقها ودينها ، مجتهدة وحصلت في العام الدراسي الاخير رغم كل ظروفها على معدل99 % ، طموحه ولديها احلام كبيرة ، تؤدي الصلاة في وقتها ، تقرأ وتحفظ القران وتصوم رمضان ، وفي يوم تقف على سجادة الصلاة فلا تملك سوى الدعاء لله ان يفرج كربها"، ويضيف " وبعدما اغلقت في وجوهنا كل الابواب ، نناشد الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الدكتور سلام فياض والمساندين لشعبنا وفي مقدمتهم الاخوة في الجزائر تلبية دعواتها وتبني علاجها ".

كل ليلة تقف سجود لساعات على سجادة الصلاة تدعوا وتتمنى ، وتقول " احلامي ليست ككل الاطفال ،لا اريد العاب او هدايا ، وانما انقاذ حياتي والحصول على علاج شافي فهل يتحقق الامل ؟.

تقرير/علي سمودي