القدس المحتلة - وكالة قدس نت للأنباء
في اجتماع لحزب ليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عقد قبل أيام من الانتخابات العامة في إسرائيل انخرط يهود أرثوذكس في الصلاة مما تسبب في تأخير دخول نتنياهو في حين كان سياسيون ينتظرون بأدب.
هذا المشهد يلخص التغيير الكبير في السياسة الإسرائيلية.
فقد ترك يهود أرثوذكس أحزابا دينية لينضموا إلى حزب ليكود وغيره من أحزاب رئيسية في إسرائيل في تحد لهيمنة السياسيين غير الملتزمين دينيا مما يضخ في السياسة الإسرائيلية حماسا دينيا ونهجا أكثر تشددا تجاه الصراع مع الفلسطينيين.
وتتوقع استطلاعات الرأي أن يحقق السياسيون المتدينون فوزا قياسيا ويحصلون على 40 مقعدا من مقاعد البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) وعددها 120 مقعدا بعد الانتخابات التي ستجرى يوم الثلاثاء القادم مقابل 25 مقعدا في الكنيست المنتهية ولايته والذي انتخب عام 2009. وقبل 20 عاما لم يكن هناك سوى عشرة نواب من المتدينين الأرثوذكس.
ورغم ان هذا التوجه قد يسعد بعض الإسرائيليين فإن آخرين في الأغلبية العلمانية يخشون من اتجاه قد يغير هوية دولة لم ترسم قط الحدود المضطربة بين الدين والدولة والتي يعيش فيها أيضا أقلية عربية مسلمة كبيرة.
ويتوقع كثيرون أن تتجدد النزاعات حول "الطابع اليهودي" وقبول المهاجرين.
ويشعر آخرون بقلق من محاولات من قبل أعضاء متشددين في أحزاب مؤيدة للمستوطنين مثل ليكود أو البيت اليهودي للسيطرة على المحكمة العليا ذات التوجه العلماني وتقييد الحريات المدنية وتكثيف مراقبة التمويل الأجنبي للجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان وجماعات أخرى.
قالت عالمة الاجتماع في الجامعة العبرية في القدس المحتلة باتيا سبيزنر "أرى إضعافا لأسس الديمقراطية في الدولة على المدى البعيد" مشيرة إلى سجل السياسيين الأرثوذكس الذين يحثون الدولة على تطبيق التعاليم الدينية.
ويثير هذا الاحتمال فزع الإسرائيليين العلمانيين الذين لا يستسيغون المقارنات مع إيران كدولة إسلامية معلنة أو الدول العربية التي تحقق الأحزاب الإسلامية فيها تقدما.
يقول دافيد ستاف وهو حاخام أرثوذكسي معتدل يخوض انتخابات على منصب الحاخام الأكبر التي تجرى في وقت لاحق هذا العام إنه يجري تضخيم هذه المخاوف.
وقال لوكالة "رويترز"، "هذه (الدولة) لن تتحول إلى دولة دينية." وتابع أن معظم الساسة المتدينين "ملتزمون بدولة يهودية وديمقراطية ولا يريدون أن يروا أنفسهم يقهرون الآخرين."
ومع هذا فإن أحزاب الوسط واليمين تطرح مرشحين من المتدينين. وحرص نتنياهو على أن يصور نفسه مع ناخبين يرتدون القبعة اليهودية.
وانضم حاخام إلى قائمة النجم التلفزيوني يائير لابيد الوسطية. كذلك استعانت وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني بجنرال سابق يرتدي قبعة على قائمة حزبها الوسطي.
وفي الانتخابات السابقة ركز الساسة الأرثوذكس الذين مثلوا بالأساس أحزابا أصغر على القضايا الدينية.
ويساعدهم اندماجهم في أحزاب أكبر على الحصول على عدد أكبر من المقاعد في البرلمان رغم ان الإسرائيليين الأرثوذكس ما زالوا أقلية.
ووجد مسح أجراه في العام الماضي المعهد الإسرائيلي للديمقراطية ومقره القدس أن 22 في المئة من اليهود الإسرائيليين ملتزمون دينيا بمن فيهم الأرثوذكس المتشددون والأرثوذكس الأكثر اعتدالا والذين يفوقهم عددا بفارق كبير الإسرائيليين غير الملتزمين دينيا الذين يشكلون 78 بالمئة.
لكن الملتزمين يتمتعون بتأثير لا يتناسب مع عددهم.
يقول كثير من الخبراء إن الحركات الدينية التي تسعى إلى توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل وحرمان الفلسطينيين من دولة يحلون محل حركة الكيبوتز التي كانت قوية كرموز للرسالة الوطنية المعلنة لإسرائيل.
وسيطرت حركة الكيبوتز -وهي حركة المزارع الجماعية التي اندمجت مع حركة الاستيطان الأولى للأرض- على قيادة الجيش والقيادة السياسية لفترة طويلة بالرغم من أعدادهم الصغيرة نسبيا. وتقول استطلاعات الرأي أن حركة الكيبوتز قد لا تفوز بأي مقعد في الأسبوع القادم.
قالت عالمة الأنثربولوجيا في الجامعة العبرية تامار إل أور "المواقف الأيديولوجية تغيرت والصهاينة المتدينون يسيطرون على الخطاب الوطني" وتضيف أن هذا التوجه ليس جديدا لكنه يترجم الآن إلى نفوذ في البرلمان.
وتزامن صعود المستوطنين المتدينين مع خيبة أمل الإسرائيليين واسعة النطاق لفشل المفاوضات مع الفلسطينيين الذي صاحبه في العامين الماضيين انتفاضات عربية جاءت بإسلاميين إلى السلطة لاسيما في مصر مما جعل معاهدة السلام التي وقعتها مع إسرائيل تبدو هشة.
وقالت إل أور إن برلمانا له صبغة دينية أكبر قد يؤدي إلى "تزايد في العنصرية وفي النزعة الانفصالية وقدر أقل من الديمقراطية."
وأضافت أن الوضع "سيصبح أكثر صعوبة في أن تكون مواطنا في هذا البلد إذا كنت مهاجرا وغير يهودي ويقينا إذا كنت عربيا" مشيرة إلى عرب إسرائيل الحاصلين على الجنسية والذين يشكلون خمس السكان لكنهم يشكون من التمييز ضدهم.
وقد يركز المشرعون الأرثوذكس في الوقت الحالي على تشجيع المستوطنات اليهودية أكثر من السعي لفرض التعاليم الدينية اليهودية وهو مشروع سرعان ما قد يثير غضب الأغلبية العلمانية.
قال عالم السياسة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية جدعون راهات "إذا أسكرتهم نشوة قوتهم أو حاولوا فرض برنامج ديني فقد يرون أنفسهم في مواجهة رد فعل عكسي."
ويريد البعض في المعسكر الأرثوذكسي الأكثر تحررا رأب الصدع مع الإسرائيليين غير الملتزمين دينيا لاسيما فيما يتعلق بقضية التحول الديني- إذ لا تعترف الحاخامية الأرثوذكسية بكثير من المهاجرين كيهود أو بحق الحاخامين الليبراليين في تحويلهم.
ويتوقع الحاخام ستاف حدوث "كارثة" في إسرائيل إذا توسع الخلاف لأنه سيردع المهاجرين ويعيق اليهود في أي سباق سكاني مع العرب. وقال "لن تكتب لنا النجاة هنا."
قالت النائبة من حزب ليكود تسيبي حوتوفلي وهي مرشحة مؤيدة للمستوطنين إنه يتعين على زملائها من أعضاء الكنيست الأرثوذكس أن يركزوا على قضايا الأمن وعلى رفض الضغوط من أجل التخلي عن الأرض "التوراتية" التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967 للفلسطينيين.
وتابعت "مهمتنا هي أن نقود رؤية عالمية للهوية اليهودية وأن نحافظ على أرض إسرائيل."
وفي اجتماع حزب ليكود أدى اليهود الأرثوذكس صلوات بعد الظهيرة فيما انتظر زملاؤهم غير الملتزمين بصمت صبور. إنهم يصيغون شكلا جديدا للتعبير عن الحزب المتدين وربما عن السياسة الإسرائيلية ككل.