طُرح العديد من مشاريع السلام بين العرب وإسرائيل، واصطدمت بحائط عناد إسرائيل لأنها ليست معنية بأي هدف كهذا نتيجة ضعف العرب وانقسامهم المستمر إلى جانب ذات الأمراض التي عصفت بالفلسطينيين، والمسألة المهمة أن إسرائيل تحظى بدعم سياسي وعسكري واقتصادي من حلفائها في الغرب وأمريكا، وليست تلك الدول على استعداد لاستخدامه وسيلة ضغط من أجل السلام، بل إن عودة نتنياهو لولاية ثالثة، وإن لم يحقق النتيجة العليا في الانتخابات، إلا أنه رسم سياسات استيطان سوف ينفذها بمباركة شعبية، وهي التي أعطته حق القيادة للعديد من المرات..
الفلسطينيون كل باع واشترى باسمهم عرب وغير عرب، ولا تزال قضيتهم مكان مزايدة لأنها في عمق المشكل العربي والأساسي منذ أكثر من نصف قرن، غير أن الوضع الراهن، بصرف النظر عمن يقوم موقفه من طرف وآخر يرضى أو يغضب منه، فالدعم العربي الحقيقي بقي وعوداً بدون التزامات حقيقية، وقد التزمت المملكة وعمان والجزائر بالدعم المادي وفقاً لتصريح الرئيس الفلسطيني الذي يواجه شعبه ضغوطاً وحصاراً إسرائيلياً وامتناع قوى عالمية إعطاء أي أهمية لدور مؤثر، وهذا، بحد ذاته، ليس خطأ فقط وإنما يساعد إسرائيل على جعل الفلسطينيين يواجهون عقوقاً من أبناء عمومتهم.
صحيح أن قيادات فلسطينية أخطأت بحق العديد من الدول العربية وذهبت إلى أكثر من جهة في صنع الخلافات أو الانحياز لدولة أو تنظيم وحزب ضد آخر وهذا يعزى لأن التوافق الداخلي شبه معدوم، غير أن الدعم العربي ضرورة أساسية لأنه يذهب للشعب كله لا لفئة دون أخرى، والمطلوب الآن ليس الدعم المعنوي أو السياسي والإعلامي والذي فقد مبرره مع تداعيات الأحداث العربية منذ أزمنة بعيدة وحتى اليوم بل الدعم المادي لشعب يعاني عجزاً في كل متطلباته..
صحيح ان الحرب لم تعد خياراً، والتفكير بها صار منعدماً، وإسرائيل عرفت أن ما بعد ١٩٧٣م لن تكون هناك حروب شاملة، وهذا عزز نفوذها وقوى درجة رفضها المبادرات من كل الجهات، غير أن العامل الدولي سريع التغير بدأ يظهر أن الطرق لخلق حلول قد بات ضرورة لمن يتحالفون مع إسرائيل، وإذا ما كان هناك إرادة أمريكية وأوروبية فقد يكون الأمر لتحقيق السلام ممكناً بشرط أن تستخدم أسلحتها المادية والمعنوية، وهذا يرتبط بمجريات الأحداث في المنطقة وخارجها، لأن الإشارات الجديدة لأمريكا في ولاية أوباما الحالية أعلنت نهاية قيام الحروب، وقد يصاحب هذا الموقف تسويات جديدة لمناطق الصراع في العالم بما فيها المنطقة العربية، لأن تحقيق السلام هو ما يحقق مصالح أمريكا وحلفائها..
طبعاً لا يمكن التعويل على تصريحات ومشاريع على الورق، لكن هناك بالفعل اتجاهات ترسم لعالم جديد بقوى متعددة، وإسرائيل حتى لو كانت لاعباً أساسياً في رسم سياسات أمريكا وأوروبا في المنطقة، فهي لن تستطيع فرض نفوذها أمام متغير عربي جديد تراقبه دول الخارج وتتعامل معه من أفق منطلقاتها ومصالحها..
جريدة الرياض السعودية
الاحد 15 ربيع الأول 1434 هـ - 27 يناير 2013م - العدد 16288
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت