الكتابة في مهب الريح .. بين مطرقة الكتاب .. وسندان القراء ،،

بقلم: شفيق التلولي


منذ ظهور العالم الإفتراضي على الشبكة الالكترونية العنكبوتية وتزايد الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف تسمياتها الجميلة وتراكم الصفحات والصحف الالكترونية تكاثرت الاقلام التي انبرت تكتب في هذا الفضاء المفتوح بل تزايدت اعدادها مع مرور الوقت أضعاف مضاعفة من ذي قبل كما انه وبالمقابل فقد ازداد عدد القراء والمتابعين والمعلقين على مجمل المشاركات والمساهمات اليومية لهذه الأقلام على اختلاف تنوعها وتباينها سواءاً كانت سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية أو أدبية أو ثقافية أو علمية ومع غياب الحاضن الأساسي لجل الكتاب المعروفين والواعدين من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسهم اتحاد الكتاب ذهب الكل ليدلو بدلوه ويجتهد كيفما وحيثما شاء من أجل التعبير عن ذاته وافكاره وابراز قدراته وامكانياته وطاقته الكتابية ، وزد على ذلك لقد اعطى كل كاتب لنفسه الحق في تصنيف موقعه الكتابي وفقا للمسمى والوصف الذي يراه مناسب معتقدا بذلك بأن كافة الشروط اللازمه للكتابه تتوفر فيه فيما غيبت المعاير المتبعة والأليات اللازمه لتقيم وتصنيف الكتاب وبالتالي انعدم مبدأ تكافئ الفرص وإندثرت روح التمايز والإبداع ولعل هذه الحاله ليست بجديده

إذ هي قديمه جدآ في عالم الكتابه والقراءه غير ان الانفتاح الالكتروني الكبير والذي شهده العالم في السنوات الاخيره ادى الي تكشف هذه الظاهرة وأظهر كافة الاسقاطات الداخلية للكتاب وما تخفيه المرايا من عيوب لبعضهم فيما تجلت قدرات القراء واختلاف مستوى ثقافتهم أيضآ من قارء لآخر ، حيث ظهر هذا واضحا من خلال المتابعات اليومية والتي هيأها ووفرها هذا الفضاء الافتراضي المفتوح من خلال شبكته العنكبوتيه عبر المشاهده المستمره لما يكتب وما يقرء على حد سواء
وبما يشارك الكل بما للكل وما عليه من المشاركات والمساهمات والتعليقات وغيرها على مستوى الساعة ولحظة بلحظة .

ولكي نأتي على هذه الفكره من أبعاد عده دعونا نسوق بعض المحاور التاليه :_
أولاً :_ بعض الكتاب ممن اخذهم الغرور ذهبوا للتعالي على القراءه للغير ، وقد أصبحو لا يرون غير انفسهم فلا يتابعون ما يكتب من قبل الغير وبالتالي لا يكلفون خاطرهم للمساهمه والمشاركه والتعليق والنقد الموضوعي البناء القام على اساس النقد والنقد الذاتي فيما يكتب عبر كافة الوسائل المقروءه سواء كانت ورقيه او الكترونيه
فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد استأنس بعضهم تعليق المشاركين على كتاباته بينما لا يعلقون أو يهتمون بمشاركات الأخرين وكتاباتهم كما انهم لا يردون على ما يعلق لهم من مهتمين وغيره فأي كتاب هؤلاء الذين لا يقرأون ؟!؟!؟

ثانياً :_ يعتقد البعض ممن يكتبون بأنهم كتاباً وقد ارتفعو الى مستوى القلم الكبير ولهم باعا طويلاً في الكتابه وقدرة فائقة على التحليل السياسي والإبداع الأدبي غير آبهين بأنه ليس كل ما يكتب يأتي في اطار الملكات الابداعيه فللكتابه أصولاً قائمه على أساس الوعي والإحساس والإلهام والقريحة وكم القراءات والمفردات اللغوية الوفيرة
وروح الرمزية فيما يخص الأدب وكذلك الموروث الثقافي للمعرفة والتجربة والممارسة والدراسة والمثابرة فيما يخص التحليل السياسي والكتابة في مختلف القضايا العامة والتي تخص الإنسان
والمجتمع و القضية _ رحم الله إمرء عرف قدر نفسه _ .

ثالثاُ :_ لا يوجد ناظم حقيقي وفاعل لمتابعة الكتاب وتصنيفهم على اختلاف مهارتهم وتمايزها على اساس مبدأ علمي سليم ومدروس قائم على الحياد وبعيداً عن المجاملات وبتالي تعزيز روح المثابره والمبادره والاجتهاد ولوجاً للأقلام الصائبه والثاقبه وإخراجها من بين إزدحام الأقلام التي عجت بها الصفحات هنا وهناك وعليه فقد انعدم مبدأ تكافئ الفرص .
رابعاً :_ لقد اختلط الأمر على القراء فما عاد القارئ يميز ما بين هواة الكتابة والكتاب الحقيقين لكثرة الأقلام التى تكتب في شتى المجالات وعلى كافة الصعد ومع غياب آليات المتابعة من قبل المختصين وعدم اهتمامهم وإكتراثهم واحترامهم لعقل القارئ جعله غير قادر على التمييز ما بين الغث والسمين وعلى الرغم من ذلك ما زال القراء
يجتهدون ويثابرون بحثاً على ما يستحق القراءه ومنهم من إستطاع إيجادها وسط هذا الاختلاط الهائل للأوراق .

خامساً :_ إختفاء إتحاد الكتاب والمؤسسات الثقافيه عن المشهد أدى الى تراجع روح الكتابه والابداع وترك هامشا كبيرا للإجتهاد والتأويل من خلال عدم ممارسة دروهم الطليعي والطبيعي المأمول لإبراز وصقل كافة المواهب والطاقات الكامنه لدى الكتاب المميزين فأين منشورات إتحاد الكتاب من هذه الأقلام ؟! أم ان الإتحاد أصبح يحابي من يشاء وينشر له وأخرون يدفعون من قوت أسرهم لنشر كتاباتهم .

سادساً :_ عمدت وسائل الإعلام المختلفه وخصوصاً المرئيه منها على تلميع فئه قليله من الكتاب وفقا لأجنداتها المبرمجه وهذا يأتي في سياق عدم حياد واستقلاليه الإعلام وأذرعه المختلفه وانحيازه المطلق وفقا لما ترتأيه دواعي السياسه العامه والتي تسنها الحكومات لما يخدم مصالحها ، ومن جهة اخرى عملت على تهميش كم كبير من الكتاب الذين لو سنحت لهم هذه الفرص التي تتوفر لغيرهم فسيكون لهم باعا طويلاً وقدرا كبيراً يثري هذه المكتبات الاعلاميه ، مما ادخل حاله من الإحباط الى نفوس هؤلاء الكتاب وبالتالي تسلل الملل للقارئ والمشاهد والمتابع لهذا المشهد والتكرار والإستهلاك اليومي .

سابعا : سياسة استزلام بعض الكتاب المأجورين واستبعاد وتهميش ذوي الرأي الحر والكلمة الجريئة وتكميم الأفواه ولجمها وعدم افساح المجال أمام ممارسة الحريات العامة والقمع والإرهاب الفكري من خلال الأذرع التنفيذية للحكومات ومراكز القوى الذي يمارس ضد الأقلام الشجاعة أدت الى اختزال الحركة الكتابية والإبداع الثقافي والفكري مما فرض على القارئ الغوص في اعماق عالما آخرا غير عالم الإعلام المقروء والمرئي والمسموع الأمر الذي أغرقه في تفاصيل ومتاهات العالم الإفتراضي الكبير الذي أبحر فيه عوضا عن ذلك .
ثامناً :_ عدم قدره الكتاب المميزين على نشر وتوثيق كتاباتهم وابداعاتهم لكي يتداولها القراء في الأسواق وذلك بسبب التكاليف الماليه الباهضه لطباعتها في دور النشر وغياب ثقافة شراء الكتب من قبل الجمهور والإستعاضه عنها بالقراءة والمطالعة من خلال الفضاء الالكتروني واحلال هذه الثوره الافتراضيه مكان الكتب والمكتبات وكذلك عدم قيام اتحاد الكتاب وغيره من المؤسسات الثقافية ذات العلاقة بطباعة هذه المواد على نفقتهم الخاصه .

وبناءا على ما تقدم فإنه من الضروري اعادة النظر فيما يكتب وكذلك تقييم ذواتنا على اساس المبدأ الموضوعي للنقد وتصنيف كافة الاستهامات اليوميه ووضعها في قوالبها وأطرها الموضوعيه بعيداً
عن الاستعراض والأنا والهوا حتى نتمكن من انقاذ ما يمكن انقاذه للكتاب والقراء معاً من بحر عصفت به الأمواج من كل صوب وحد وفي هذا السياق فإننا ندعو كتابنا الأفاضل الى التخلص من السلبيات
التى ذكرناها سابقاً واحترام بعضهم البعض كما ان للقراء دورا كبيرا وفاعلا من خلال انتقاء ما يقرأون وتشجيع الجيد منه ونبذ ما لا يليق بمستوى القلم وعقل القارئ كما وأننا لن نقف عند حد اللوم على اتحاد الكتاب والمؤسسات الثقافيه ذات الشأن والإختصاص إضافة الى وسائل الإعلام المختلفة إذ عليه أخذ دورهم إزاء إذكاء روح الحركه الكتابيه والقرائيه وابقاء جذوتها متقدة حتى يصار الي تعميم حراكا ثقافيا يليق بمستوى مجتمعاتنا الواعدة فعليهم أن يهتمو أكثر من ذلك بكثير بكتابنا وأن يعملو بكل طاقاتهم وامكانياتهم من اجل نشر المواد التي تكتب وتستحق التوثيق لرفعة واعلاء شأن الكلمة وبالتالي عدم قتل روح المثابره لدى الكتاب وتعميق الثقافه المشتركه فيما بين الكتاب والقراء معاً .

غزة في /
29/1/2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت