سؤال إلى سيادة الرئيس: هل ترى أمناء مجلس الأمناء أمناء؟!

بقلم: أيوب عثمان


بكل جرأة الواثق وانضباطه وصراحته مع ذاته قبل غيره وصادق التزامه، أصرح بأنني أختلف في قضايا الوطن- يا سيادة الرئيس- معك، غير أن اختلافي هذا معك لا ينسيني أمرين مهمين، أولهما أنك الرئيس الذي يسأل نفسه وغيره ويُسأل عن كل شيء من قضايا الوطن وهمومه، وثانيهما أنك لم تغلق بابك -البتة- دوني، كلما طلبت في سابق الأوقات لقاءك، وما أكثر أن كان ذلك في شأن جامعة الأزهر وأوضاعها وأوجاعها وكثيرعثراتها وتعدد أزماتها وتنوعها. أما اختلافي في قضايا الوطن معك، فما كان له أن يكون لولا حق العودة الذي قلت في شأنه ما لا تملك، ولولا تلك الشهادة التي أصدرتها مجاناً لإسرائيل حين قلت- أثناء استقبالك لوفد من حاخاماتها اليهود المتطرفين في مكتبك برام الله في 27/8/2012- "إن إسرائيل وجدت لتبقى، دولة لها كيانها، لا لكي تزول"!

ولكن، على الرغم من اختلافي هذا معك، إلا أنني لا أجد ما يمنعني من أن أوجه إليك سؤالاً مهماً ربما تشكل الإجابة عنه مدخل خير وانفراج حقيقياً لجامعتنا التي رزأََها عاثر حظها ببعض أمنائها الذين ما كانوا عليها أمناء، وإنما كانوا لصالحهم ولمصالحهم ولرغباتهم أوفياء!

لن أطيل- يا سيادة الرئيس- في التدليل على ما أقول، فالأمثلة على ما أقول وافرة وكثيرة وناجزة، لكن مثالاً واحداً فقط ربما يكون- دونما تفصيل أو استقصاء- أكثر من كافٍ لرئيسٍِ مسؤوليته إنما هي مسؤولية وطن وهوية ومواطن ومستشفى وجامع وجامعةٍ و...و...إلخ. وعليه، فإن مثالاً صارخاً أرجو أن أستأذنكم لأورده على النحو الآتي، آملاًَ الانتباه إليه:
1) رئيس مجلس الأمناء أدخل ابنته إلى الدراسات العليا (الماجيستير) بخمسين درجة من مائة في امتحان القبول الكتابي والشفوي، جاهلاً أو متجاهلاً لحقيقة لا بد من إدراكها وهي أن من كان همه انتشال الجامعة من خرابها وتجفيف منابع الفساد والإفساد فيها، بغية إصلاحها والإقلاع بها إلى الأمام نحو تطويرها لا يمكن له أن يقبل إلى الدراسات العليا فيها من حصل على 50 درجة من 100، لا لشيء إلا لأن مثل هذا الذي يجري إنما هو الخراب والتخريب والفساد والإفساد بعينه.
2) أدخل إلى الدراسات العليا (الماجيستير) من حصلوا على 52 و54 و57 درجة من 100، وذلك في معية ابنته الحاصلة فقط على 50 من 100، والتي لولاها لما أدخل أي منهم، الأمر الذي لا يعني الفساد فحسب، بل والإفساد أيضاً.
3) بتعليمات إلى رئيس الجامعة من رئيس مجلس الأمناء، ما كان لمجلس الجامعة (المجرم والعاجز والفاشل في آن) أن يصدر قرار بالموافقة على إدخال اثنين آخريْن إلى الدراسات العليا (الماجيستير) من الحاصلين على 49 درجة من 100، الأمر الذي يدفع المرء إلى أن يتساءل مستهجناً ومستنكراً: "هل بعد مثل هذا الخراب خراب؟! وهل يبقى بعد هذا الفساد والإفساد في الجامعة فساد؟! وأليس مثل هذا الفساد في الجامعة هو أعظم الفساد؟!

أما القرار الذي اتخذه مجلس الجامعة (المجرم والعاجز والفاشل) بالموافقة على إدخال من حصل على 49 درجة من 100، فلم يكن قراراً جزافياً أو اعتباطياً، كما لم يكن قراراً ينطلق من حسن النية، ولم يكن كسباً للجامعة، وإنما على حسابها، وحجة عليها، وإضافة إلى الخراب والتخريب فيها، ومراكمة للفساد المستشري في كل أنحائها. لقد اتخذ مجلس الجامعة المجرم هذا القرار المجرم استرضاء لرئيس مجلس الأمناء، وإرضاء لشخص عجز ابنه عن النجاح ولم يتمكن من الحصول إلا على 49 درجة من 100! لقد كان السعي إلى إرضاء شخص يريد أن يفرح بإدخال ابنه (غير المؤهل) إلى الدراسات العليا على حساب الجامعة، رصيداً ومستقبلاً وسمعةً! لقد كان هذا القرار المجرم من محلس االجامعة المجرم، إرضاءً ــ في جزء منه ــ لعضو مجلس الأمناء الممثل عن فصيل من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، كما كان ــ في جزء آخر منه ــ إرضاءً لوساطات فصيل آخر مارست ضغوطاً مكثفة لقبول طالب ثانٍِ حاصل على 49 من 100. لِمَ كان امتحان القبول، إذن؟! أكان امتحان القبول لقبول من لا يمكن قبوله ؟! أكان امتحان القبول لقبول من ثبت في هذا الامتحان فشله؟! ألا تهزم الجامعة ذاتها وفكرة امتحان القبول للدراسات العليا فيها حينما تقبل حتى الراسبين في الامتحان التي تصنعه هي بصفته معياراً تقرر من خلاله لقبول من عدمه؟!
4) وفوق ما أوردنا من أمثلة فساد يشكل تخريباً للجامعة وإفساداً لما تبقى منها، نسأل سؤالاً لا بد لمن استخلفوا في هذه الجامعة وولوا أمرها أن يجيبوا عنه دون لف أو دوران أو مراوغة: لمَ اقتصر قرار مجلس الجامعة (المجرم العاجز الفاشل) على الموافقة على إدخال اثنين فقط من الحاصلين على 49 درجة من 100، فيما الحاصلون على ذات الدرجة (49) بلغوا عشرة؟! أليس هذا هو الفساد بعينه؟! هل من جواب يا أولي الألباب؟!

وبعد، فإذا كان رئيس مجلس الأمناء قد أدخل ابنته إلى الدراسات العليا بخمسين درجة من مائة، جاهلاً أو متجاهلاً للحق وللأصول وللشفافية من ناحية، ومسيئاً استخدام سلطته من أجل منفعته الخاصة من ناحية، ومعبداً كل الدروب أمام مصالحه الشخصية على حساب جامعة استخلف هو فيها وولي أمرها، بغية انتشالها من أزماتها والإقلاع بها صوب إصلاحها وتطويرها،
وإذا كان عضو مجلس الأمناء الممثل عن فصيل من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، يناضل هو الآخر من أجل إدخال ابنه إلى الدراسات العليا على الرغم من نكوصه وانكفائه وانعدام أهليته وضعف قدرته وكفاءته، ناسياً أو متناسياً أنّ النضال الوطني، العسكري منه والسياسي، الدبلوماسي منه والثوري لا ينفصل في أي حال عن النضال في معناه الكلي ولا يجتزأ منه،
وإذا كان عضو آخر في مجلس الأمناء يناضل هو الآخر بطريقته ليتحول من عضو في مجلس الأمناء إلى رئيس للكلية المتوسطة براتب ألفي دولار شهرياً أو يزيد في وقت كان فيه قد تجاوز العمر المسموح به قانوناً بثمان سنوات، فهل بقي في مثل هؤلاء الأمناء أي خير يرتجى لهذه الجامعة منهم؟! إن لم يجب عن السؤال من وجب عليه الجواب، فإن خير جواب هو قول الشاعر:
إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

أما آخر الكلام، فبعد أن اجتاحت جامعتنا أمراض وأعراض وأوضاع وأوجاع ومفاسد ونوادر لا نقبلها،
ولأن الخراب والتخريب والفساد والإفساد إذا دخل إلى الجامعة فإنه يكون أسوأ الفساد وأخطره، ذلك أن فساد الأفضل هو الفساد الأسوأ،
ولأن خراب الجامعة واستشراء الفساد فيها إنما هو تماماً كفساد الملح الذي لا نستطيع أن نملح به (وهو فاسد) الطعام لنحفظه، وهو ما قال الشاعر فيه:
بالملح يُحفظ ما يخشى تغيره فكيف بالملح إن حلًّت به الغير؟!
ولأن التنبيه إلى الفساد وانتقاده في جامعتنا قد حرّض الأمناء الخطائين ورئيس الجامعة السائر في ركابهم الخاطىء على محاربة من ينبه إلى الفساد وينتقده بدلاً من مواجهة الفساد ومحاربة المفسدين،
فإن الجامعة- بفساد فعل أربابها- مقبلة على ما ليس خيراً لها ولطلبتها وللعاملين فيها وللمجتمع الذي يفترض أنها ما أنشئت إلا لخدمته، الأمر الذي يجعل السكوت عما فيها من مفاسد إشارة قبول لخرابها وتخريبها، كما يجعل الاستمرار في إبقاء ما فيها من نماذج فاسدة تدير حالة الفساد فيها، سواء من مجلس أمنائها أو رئيسها ومجلس إدارتها، إنما هو دليل على السعي إلى تأمين فشلها وتحقيق انهيارها، ما يعني أن إحداث التغيير لم يعد حقاً فحسب، وإنما بات واجباً لا بدّ من إحداثه، كما بات ضرورةً يُجرَّم تأجيلها، ذلك أن "من نظر في العواقب سلم من النوائب". وعليه، فلتتكرم - يا سيادة الرئيس- بالنظر في عواقب الاستمرار فيما الجامعة الآن عليه من سوء وفساد غارقة هي حتى الأذنيْن فيه، كي تجنبها الوقوع في حبائله ورذائله، وكي تسلمها من السقوط في نوائبه، ورحم الله الإمام الشافعي الذي قال ما ينبغي لنا أن نعلمه ونتعلمه فنُعلِّمه:

إني رأيت سكون الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت