يقف بنيامين نتنياهو على عتبة تشكيل الحكومة الإسرائيلية في مرحلة ما بعد انتخابات الكنيست. وإذا لم تحصل مفاجآت من العيار الثقيل فإن المؤشرات تقول بأنه سيكون رئيس الوزراء المكلف بإدارة مفاوضات الإئتلاف الحكومي القادم، خاصة إذا أوصت الكتل الكبيرة وفي المقدمة حزب «يوجد مستقبل» بتكليفه.
وكلما زاد عدد نواب «الكتلة الصلبة» التي من المفترض أن يعتمد عليها، كلما قلت أكلاف تشكيل حكومة موسعة ومستقرة، لا سيما إذا نجح في عقد اتفاقات مسبقة لإدارة الملفات الرئيسية التي ستكون محور نقاش الكنيست القادمة، وأهمها ملف الموازنة وقانون التجنيد الذي يثير حساسية خاصة لدى الأحزاب الدينية التي استفادت كثيرا من تطبيق «قانون طال» قبل أن يتوقف العمل به العام الماضي.
وكما كان الأمر خلال الحملة الدعائية قبيل الانتخابات، فإن ملف التسوية سيكون أيضا خارج نقاط الخلاف في معرض البحث في تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة مما يطرح على الجانب الفلسطيني أسئلة كبرى تدور حول محاور العمل الوطني التي ينبغي النهوض بها في المرحلة القادمة.
ففي موضوعة التسوية السياسية لم يعد كافيا الحديث عن عدم نجاعة المفاوضات مع استمرار سياسة الاستيطان والتنكر لمرجعية المفاوضات. لأن هذا وحده كفيل فقط بإدامة الجمود في العملية السياسية. ولهذا السبب كان التأكيد مرارا على ضرورة أن يتابع الجانب الفلسطيني ما بدأه العام الماضي على صعيد التحرك السياسي والديبلوماسي بشأن عضوية دولة فلسطين في المنتدى الدولي. ومنذ أن تم قبول فلسطين في الأمم المتحدة، برزت إلى الواجهة مهام الدخول إلى مؤسساتها وخاصة تلك المتصلة بإمكانية محاسبة الاحتلال على جرائمه بحق الأرض الفلسطينية وأصحابها.
الحراك الذي يفترضه تطبيق هذا التوجه، سيعيد القضية الفلسطينية مجددا إلى مقدمة اهتمامات الرأي العام الدولي وسيخلف تفاعلات في المواقف الإقليمية والدولية تعيد تدوير الزاوية التي يجري من خلالها التعامل مع الموضوع الفلسطيني وخاصة في ظل ما يتردد عن مبادرة أوروبية قادمة بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية، وفي ظل التحركات الأميركية المتوقعة على هذا الصعيد.
حيث تدل المؤشرات أن كلا التحركين ينطلقان من القاعدة السابقة التي انطلقت وفقها المبادرات السابقة والتي فشلت في تحقيق اختراق فعلي على جبهة التسوية لأنها افتقدت على الدوام الآليات العملية التي يمكن أن تضع إسرائيل أمام الالتزامات المنصوص عليها في تلك المبادرات. وقبل ذلك كله، افتقاد هذه المبادرات إلى الأسس القانونية والسياسية التي يجب أن تنطلق على أساسها ونقصد أولا غياب قرارات الشرعية الدولية.
إن الحراك الذي نفترضه على المستوى السياسي دوليا وفي أروقة الأمم المتحدة يحتاج لكي يؤدي الغرض منه إلى دعم جدي على الأرض من خلال اعتماد سياسة بديلة نضاليا واقتصاديا. ولهذا السبب كان يتم التأكيد على أهمية إنهاض المقاومة الشعبية باعتبارها رافعة أساسية في مواجهة الاحتلال بما يكفل إشعاره بأن أكلاف احتلال الأرض الفلسطينية سيزداد كلفة مع كل يوم إضافي تتواصل فيه هذه المقاومة.
وعلى اعتبار أن هذه المواجهة، ولكي تستمر وتتعاظم وتثمر، تحتاج إلى جهود مكونات الحالة الفلسطينية كافة، فإن هذا يسلط الضوء مجددا على جهود إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.
إذ من المفترض أن يتم المضي قدما في تنفيذ اتفاق المصالحة وصولا إلى إكمال عملية تسجيل الناخبين في قطاع غزة وتحديد موعد الانتخابات بصورة قطعية، واستكمال عمل اللجان المختلفة المنبثقة عن مؤتمر المصالحة الذي انعقد في القاهرة في بداية أيار/ مايو 2011. كما من المفترض بداية الشهر القادم انعقاد اجتماع لجنة تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية.
إن التقدم في هذه المسألة الجوهرية يتطلب ـ برأينا ـ الإقلاع عن السياسات التي أدت إلى إفشال جميع الجهود الوطنية والشقيقة التي بذلك من أجل إنهاء الانقسام. وفي مقدمة هذه السياسات ممارسة النزعات الفئوية وتغليب مبدأ المحاصصة على حساب المصلحة الوطنية العليا. وإلى جانب ذلك إعلاء شأن الحسابات الخاصة المتصلة بالتطورات الإقليمية من أجل تثبيت معادلات مستجدة في العلاقات الفلسطينية الداخلية وهو ما أدى ببعض الأطراف إلى أن تطلب علنا تجاوز اتفاق المصالحة الموقع في 4/11/2010، والبحث في اتفاق آخر يستجيب لهذه الحسابات.
إن هذا كله مرتبط بتوافر الإرادة السياسية المطلوبة من أجل استعادة الوحدة، والإقلاع عن استمرار إدارة الانقسام واعتباره أمرا واقعا في المشهد السياسي الفلسطيني استجابة لمصالح كثيرة نشأت مع وقوعه وأدت بالممارسة إلى مفاقمة مظاهر الانقسام وإشعال المزيد من ملفات الاحتراب الداخلي.
إن التقدم بمحاور العمل الوطني الملحة مجتمعة يخرج الحالة الفلسطينية من حالة المراوحة ويغلق الباب جديا أمام السياسات الإنتظارية التي يراهن البعض من خلالها على حدوث تغير ما في المحيط إن كان على الصعيد الإسرائيلي أو على صعيد التحركات الأوروبية والأميركية.
ففي إسرائيل تجتمع مكونات الخريطة الحزبية والسياسية للكنيست الجديدة على موقف موحد بخصوص الموضوع الفلسطيني وعناصر التسوية السياسية التي تصب في خدمة الاعتبارات الأمنية والتوسعية الإسرائيلية.
ولا يوجد في مكونات هذه الخريطة من تجاوز الموقف الصهيوني السائد في الالتفاف على الحقوق الوطنية الفلسطينية وتجزئتها، والاتفاق على مبدأ شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم طردوا منها.
وفي سياق التحركات الأوروبية والأميركية لا جديد متوقعا في طبيعة وآليات هذه التحركات وما ينشا عنها من مبادرات سياسية.
فقط العامل الفلسطيني الذاتي هو ما يمكن أن يراهن عليه الفلسطينيون . فهو الذي يدفع بهم إلى موقع متقدم في المعادلات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالملف الفلسطيني، وهو الكفيل بنقلهم من حالة الجمود والمراوحة، إلى الموقف المبادر الذي من شأنه أن يعيد الاعتبار للحقوق الوطنية ويفتح الطريق أمام تجسيدها.
محمد السهلي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت