من قال أن الفلسطينيين أخطأوا بذهابهم إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وحصولهم على عضو مراقب مع التمتع بجميع حقوق عضوية المنظمات الدولية، باستثناء التصويت في الجمعية العمومية، إن الاتهامات بأنهم تسببوا بالحصار المالي من القريب والبعيد غير منطقية، بل هي ذريعة مورست وتمارس في مناسبات أخرى، وهل كان أمام الفلسطينيين خيارات أخرى باستثناء استمرار نهب الأراضي وإقامة المستوطنات عليها؟ صحيح أنه على المدى القريب لا خطوات عملية جديدة من هذه العضوية، لكن هذه الخطوة لها أهميتها على المدى البعيد، وتفتح أمام الفلسطينيين الطريق نحو الدولة، ومن الفوائد الآنية من هذه العضوية أن فلسطين أصبحت دولة تحت الاحتلال من قبل الكيان الإسرائيلي، وليست أراضٍ متنازع عليها كما يدعون، فلو لم يكن أهمية لهذه الخطوة لما قامت قائمة كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وعملوا كل ما في وسعهم لإفشالها، مما يؤكد على أهميتها، في المقابل أدت إلى وضع إسرائيل في عزلة شبه دولية، ومكنت الفلسطينيين من اتخاذ خطوات قانونية ضد الغول والاحتلال الإسرائيلي، وزادت في تعرية إسرائيل لكي تصبح دولة "ابرتهايد" بنظر المجتمع الدولي، فصدور تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في هذه الأيام، المطالب بإخلاء كافة المستوطنات من الأراضي الفلسطينية، وإخراج المستوطنين منها، معتبرا أن الاستيطان غير قانوني ويؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان، فإن لهذا التراكم من القرارات الدولية، ونذكر بقرار محكمة "لاهاي" الدولية ضد جدار الفصل العنصري، والقرارات العديدة ضد الاستيطان والممارسات الإسرائيلية، وإذا أضفنا قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بفلسطين، لنجد أن العائق أمام تنفيذها هو "الفيتو" الأميركي الذي لا بد له من نهاية.
عشية تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فإن "بنيامين نتنياهو" المرشح لتشكيلها، يقوم بمهاتفة جميع الكتل الحزبية حتى الذين لم يحصلوا سوى على مقعدين، متجاهلاً الاتصال بالأحزاب العربية الثلاثة، والتي بلغ عدد نوابها (11) نائباً، وهذا التجاهل يدحض أقوال "نتنياهو" وغيره من القيادة الإسرائيلية بأن عرب الداخل يتمتعون بالمساواة والحقوق مثل بقية المواطنين اليهود، وهذا غير صحيح، فهم يدفعون الضرائب مثل اليهود، ولا ينالون الحقوق مثلهم، وما هدف "نتنياهو" إلا تعميق وتثبيت وتجذير العنصرية بالمجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر، والذين يزيد عددهم عن 20% من عدد سكان إسرائيل، بل إلى تثقيف الإسرائيليين على هذه العنصرية، مما يؤكد أنها مسيرة ونهج وعقيدة لدى الإسرائيليين، تقودها قياداته السياسية والتوراتية، فقبل أيام وأثناء مباراة بكرة القدم بين فريق "بيطار" اليهودي، وفريق شباب مدينة أم الفحم العربي، تعالت أصوات اليهود الذين أخذوا ينادون:"الموت للعرب"، فهذا التحريض ناجم عن السياسة الإسرائيلية الرسمية، ينادون بها وبطرد العرب في مناسبات مختلفة، دون قيام السلطات الإسرائيلية التي تدعي المساواة والديمقراطية بالإجراءات اللازمة ضد المحرضين، فالعنصرية ليست تعبيراً عن الرأي، إنما هي فعل جنائي بكل المقاييس، فقد تكرر قيام سوائب اليمين الإسرائيلي، بمحاولات لاقتحام بعض المدن والقرى العربية داخل الخط الأخضر، وبتصريح وحماية من قبل الشرطة الإسرائيلية، فبعد محاولة اقتحام مدينة "أم الفحم" وقرى في و"ادي عارة"، حاول هؤلاء القطعان اقتحام قرية "مصمص" داخل المثلث في مطلع هذا العام، إلا أن أهالي هذه القرية والقرى العربية المجاورة، تصدوا لهؤلاء العنصريين الذين ينادون بطرد المواطنين العرب، فأين هي الديمقراطية والمزاعم الإسرائيلية بأنها دولة القانون، ولماذا لا يفعّلون القانون الجنائي الإسرائيلي ضد هذه العنصرية، أم أن تفعيله ضد المواطنين العرب فقط؟
في تقرير لجمعية المواطن نشر بتاريخ "23-12-2012"، جاء فيه أن إسرائيل حطمت الرقم القياسي للعنف والعنصرية، وحسب جريدة "هآرتس 23-12-2012"، فإن العنف لم يقتصر على الأفراد، بل على المؤسسات العربية أيضاً، وجاء في التقرير أن تواصل الممارسات العنصرية تجاه المواطنين العرب، ومحاولة تقييد حرية التعبير، يضاف إلى ذلك التمييز الرسمي المتمثل بالقوانين والتشريعات والممارسات، تؤسس للتمييز الرسمي ضد الأقلية العربية، على عكس الإدعاء بضمان وصيانة الحقوق الأساسية للمواطنين العرب.
ليس فقط "أفيغدور ليبرمان" وزير الخارجية المستقيل بهجومه غير المسبوق ضد الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، إلى درجة الدعوة بقتله، فنائب الكنيست "ميخائيل بن أريه" حسب موقع "غلوبس الإسرائيلي 27-12-2012"، يعتبر أن اغتيال "محمود عباس"، على غرار اغتيال قائد القسام "أحمد الجعبري"، يعتبر عملاً رائعاً، وهو يستغل هذا التطرف في منافسة الأحزاب الأكثر تطرفاً للحصول على أصوات المتطرفين، لكن ولسوء طالع هذا النائب، فإنه سقط في الانتخابات الأخيرة، ولماذا الاستغراب من أقواله وأقوال أمثاله، فإن الديانة اليهودية تسمح بالقتل، وترى بالقتل وسيلة للحل والخلاص، هذه العنصرية المجنونة المنتشرة كالوباء بين الإسرائيليين، إضافة إلى الجريمة والفساد لدى النخبة السياسية، وأن "ليبرمان" الذي يقدم إلى القضاء يعتبر نموذجاً بالاحتيال وخيانة الأمانة.
خلال فترة الكنيست المنتهية في عهد "نتنياهو" و "ليبرمان" شُرّعت عشرات القوانين العنصرية في وضح النهار، وأن إسرائيل-وفقاً لجريدة "هآرتس 16-12-2012" التي نقلت عن جمعية حقوق الإنسان الإسرائيلية- حطمت الرقم القياسي في العنصرية، وأن كراهية العرب أكثر يعتبر جزءاً من الولاء، وجزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية اليهودية- الإسرائيلية، ويقول معلق جريدة هآرتس أنه إذا انتهى الاحتلال غداً فإن المناداة بالموت للعرب لن ينتهي، لأنه تعبير عن كراهية عادية للآخر كما تقول الجريدة، أو شعارات للعصابات، فقد أفاد استطلاع للرأي العام الإسرائيلي نشرته جريدة هآرتس، أن 47% من الإسرائيليين يؤيدون سياسة الفصل العنصري، وأن غالبية الإسرائيليين يؤيدون طرد عرب الداخل، و42% لا يريدون العيش مع العرب في مدينة واحدة، ونسبة مشابهة لا تريد أن يتعلم أبناؤها في صف واحد مع تلاميذ عرب، وأن 33% من المستطلعين يؤيدون منع عرب الداخل من الاشتراك في الانتخابات للكنيست، لكن الأهم أن 58% من اليهود المستطلعين يقرون بأن نظام الأبرتهايد قائم منذ الآن، وأظهر الاستطلاع أن الأصوليين اليهود هم الأكثر تطرفاً في النظرة العدائية للعرب، إذ أيد 71% ترحيل الفلسطينيين من وطنهم، وأن 50% يصفون العرب بالإرهابيين والخونة، فالاحتلال الإسرائيلي والنظام العنصري سواسية، يعترفون بعنصريتهم "ابرتهايد" بلا خجل وبلا شعور بالذنب".
وأخيراً .. فإن ما أوردناه يقودنا إلى التساؤل: إذا كانت أسطورة المحارق ضد اليهود في العهد النازي، والعذاب الذي تعرضوا له حسب الروايات الصهيونية حقيقية، فهل يعقل قيامهم بممارسة تجربتهم على الشعب الفلسطيني؟ أم أنهم استغلوا هذه الرواية كجزء من استعطاف العالم في إقامة دولتهم، إذ أن من ذاق العذاب والقمع والتمييز، لا يعقل أن يمارسه على شعب فلسطين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت