إغتيال سياسي تونسي : يقتلون القتيل ويمشون في جنازته

بقلم: عادل السمعلي

موت السياسي التونسي شكري بلعيد صباح أمس إثر تعرضه لعملية إغتيال غادرة بأربع رصاصات قاتلة أمام منزله بأحواز تونس العاصمة وهو يهم بركوب سيارته حدث جلل وخبر فاجع لن يمر بتونس الثورة دون تداعيات قد تقلب المشهد السياسي رأسا على عقب .

خبر الإغتيال صدم التونسيين جميعا بمختلف حساسيتهم السياسية وميولاتهم الايديولوجية فمثل هذه العمليات الغادرة الجبانة التي تعتمد التصفية الجسدية ليست من تقاليد وثقافة التونسيين ولا يكاد يوجد لها أثر في تاريخهم القديم ولا المعاصر مما زاد في صدمة وفاجعة الشعب التونسي .

المكروه حصل الآن ولا بد من معالجة هذا الأمر المستحدث بحكمة وروية وأناة وعلى عقلاء البلاد ونخبها ألا يزيدوا من إشعال فتيل الفتنة بإلقاء التهم جزافا على اليمين وعلى اليسار بغرض المزايدة السياسية والعمل على ربح نقاط على الخصوم السياسيين لأن في ذلك إنجرار نحو الفوضى ودفع لمصير مجهول العواقب

بالأمس القريب كان المغدور شكري بلعيد على شاشات التلفزة يتحدث عن العنف السياسي ويستنكره ويحذر من السيناريو الجزائري ويستنكر سياسات الحكومة المتخاذلة في هذا الشأن ويحذر من موجة تصفيات جسدية قادمة لا محالة وهو الخطيب المفوه والمعارض الشرس وليس هذا بدليل ولا برهان على تورط أطراف سياسية في هذا الإغتيال الجبان

رأيت البارحة بأم عيني إحتجاجات الجبهة الشعبية أمام وزارة الداخلية تطالب الوزير بالاستقالة على خلفية هذا الحدث الجلل بإعتبار أن حماية المواطنين والشخصيات السياسية من مشمولاتها ومن صلاحيتها وأن السلطة الحاكمة حاليا لا يمكن أن تتنصل من المسؤولية بحال من الأحوال رغم ورود معلومات تؤكد أن الفقيد رفض الحماية الأمنية التي عرضت عليه من رئاسة الجمهورية وأنه لم يحمل التهديدات التي تعرض لها على محمل الجد

إلا أني فوجئت البارحة إثر هذه الاحتجاجات المشروعة وجود عناصر مندسة من فلول نظام بن علي ترفع سقف المطالب وتذهب بها إلى مداها المتماهي مع أعداء الثورة فهي لا تكتفي بالاحتجاج السلمي بل محملة بأكياس الحجارة المتوسطة الحجم لممارسة العنف والتخريب بإسم الاحتجاج على العنف السياسي ولسائل أن يتساءل هل مقاومة العنف السياسي لا يتم إلا بالعنف الحجري

تداخل الأوضاع السياسية بتونس بعد الثورة من تواجد عناصر مخربة وعصابات منظمة وتدخل أجنبي سافر ووجود آثار للموساد الاسرائيلي في المشهد التونسي يجعل كل الاحتمالات واردة وكل التصورات
ممكنة بما في ذلك الممكنات الأشد غرابة فتونس لا يمكن أن تكون موطن إغتيالات ولا تصفيات جسدية وهذه حقيقة يوثقها التاريخ ويؤكدها

فآخر عملية إغتيال سياسي بتونس كانت إبان الاستعمار الفرنسي أي منذ ما يقرب عن ستة عقود بالتمام والكمال ويعرف التونسيون جيدا من هو العقل المدبر لهذه الإغتيالات وهي موثقة بالصورة والصوت وكتبت حولها الدراسات والبحوث التاريخية وتناولتها الاشرطة الوثائقية السينمائية والبرامج التلفزية الفضائية مثل برنامج قناةالجزيرةالوثائقية الشهير( إغتيال فرحات حشاد جريمة العصر )

رجوعنا لتاريخ الإغتيالات في تونس وهو تاريخ نادر الحدوث يعين الباحثين عن كشف الحقيقة وتقدم بداية الأجوبة التي قد تغيب عن مخموري السياسة فنحن نتذكر جيدا أن إغتيال الزعيم فرحات حشاد مؤسس أول نقابة في العالم العربي وهي الاتحاد العام التونسي للشغل قد تم سنة 1952 على يد عصابات اليد الحمراء الفرنسية كما أن ثاني أشهر عملية إغتيال قي تونس التي ذهب ضحيتها المجاهد صالح بن يوسف قد تورط فيها الزعيم الحبيب بورقيبة وميليشيات حزب الدستور وقد أعترف بورقيبة بهذا الجرم بنفسه في إحدى خطبه الشهيرة وكان ذلك في إطار الصراع على السلطة إبان الاستقلال

نقدم هذه الرؤية لتاريخية الإغتيالات بتونس لأنها ذات فائدة عظيمة في معرفة الجناة الحقيقيين الذين برمجوا وخططوا ونفذوا عملية إغتيال المغدور شكري بلعيد والذي تم وفق خطة محكمة ومتقنة يؤكد أن هذه الجريمة ليست فردية بل ذات صبغة سياسية منظمة يقف وراءها قاعة عمليات إجرامية تتقن إختيار الهدف والتخطيط والتنفيذ وفق توقيت مختار ومدروس

ستثبت لنا الأيام القادمة أن التونسي على درجة كبيرة من الفهم والوعي للحظة التاريخية المعاشة رغم الهرسلة اليومية الذي يتعرض لها من الإعلام الذي مازال مرتبطا بنظام المخلوع الهارب والذي يعمل منذ هروب بن علي إلى إرجاع بوصلة الثورة إلى الوراء ويحاول توجيه أصابع الإتهام في هذا الإغتيال إلى أطراف هي في الحقيقة أكبر متضرر سياسي من هذه العملية القذرة

إن هذه المقاربة ليست إعتباطية ولا رجما بالغيب قبل إكتمال التحقيق بل إن الرسائل الصريحة و المشفرة التي بعثها أعداء الثورة للشعب التونسي منذ الحل القضائي لحزب التجمع فيها تهديدات صريحة وأخرى مبطنة بالاغتيالات والتفجيرات وحمامات الدم أفلم يقل أحدهم ذات يوم أنه في صورة إقصاء فلول النظام السابق من النشاط السياسي فستتحول تونس لحمام دم ومعلوم لدى الجميع ما يتمتع به بقايا حزب بن علي من دعم خارجي وعلاقات مخابراتية مع دول أجنبية ومن تطبيع مع الكيان الصهيوني مما يؤكد أنهم قادرين على فعل كل العمليات القذرة بما فيها التخلص من حلفائهم الموضوعيين ويبدو أنهم مروا فعلا لتنفيذ المخطط فهل سينجحون وتذهب تونس للجحيم أم سيتصدى لهم الشعب بكل قوة ووعي وثبات.


عادل السمعلي
كاتب من تونس

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت