لن تكون آخر الضحايا

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس


لن يكون شكري بالعيد آخر الضحايا، أو آخر قائمة شهداء حرية الفكر والرأي والتعبير... بل هو في مقدمة ضحايا الإرهاب والإغتيال السياسي الذي يبشرنا به أصحاب الفكر التفسيقي والتكفيري القائم على الفتوى بتحليل قتل من أختلف معه في الرأي أو المصلحة سواء ...، لأن أمثال هؤلاء قد أوصلهم الربيع أو الخريف العربي إلى مكانة التأثير أو الإستئثار في مراكز القرار في أكثر من دولة عربية، وقد جرى قبولهم وتسويقهم في إطار المشاركة السياسية الديمقراطية هنا وهناك، وهم أبعد ما يكونون عن المفاهيم الليبرالية التي بنيت على أساسها أعرق الديمقراطيات قديماً وحديثاً، ومن الخطير جداً أن ينظر البعض إلى أفكارهم وآرائهم وفتاويهم أنها تدخل في إطار حرية الرأي والفكر والاعتقاد وفي إطار حرية التعبير التي تكفلها مبادئ الديمقراطية.
أي حرية تلك التي تعطي لفرد أو مجموعة أو تيار أو فصيل، حق تكفير أو تفسيق أو إفتاء بقتل من يختلف معها في الرأي أو الفكر أو الاعتقاد، فرداً كان أو جماعة ؟!!
إننا اليوم نعيش على حافة الطامة الكبرى في أزمة الثقافة العربية والفكر العربي الإسلامي، وأزمة الديمقراطية ومقتضياتها، ومستلزماتها. وبعد إنهيار بعض النظم العربية السلطوية، لقد اعتقد الكثيرون أننا سندخل عصر الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية ...الخ، من أشكال الحكم التي ستلبي متطلبات المواطن العربي وتطلعاته في العيش بأمن وأمان واستقرار في ظل نظم تقوم على أساس إرساء قواعد الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
إن ما يجري على الساحة السياسية والثقافية والفكرية العربية اليوم ينذر أو سيقود حتماً إلى الفتنة بعينها، وليس إلى أي شكل من أشكال الديمقراطية التي تطمح وتسعى إليها الشعوب العربية، وما لم يوضع حد لفكر التطرف والشذوذ والضلال، فإنه سيقود مجتمعاتنا العربية إلى فقد وحدتها الاجتماعية وتفسخها وبالتالي فقد وحدتها السياسية والثقافية والفكرية، وسيترتب على ذلك نتائج كارثية في مقدمتها إنهيار مفهوم الأمن الاجتماعي والفكري ومن ثم إنهيار مؤسسات الدولة الواحدة مقدمة للانتقال إلى مرحلة اللا دولة وتصبح الصومال نموذج الدولة العربية القادمة ...
على ضوء ذلك لا بد للدولة العربية من مواجهة ومحاسبة ومحاربة كافة القوى والأفراد الذين يؤمنون ويروجون لفكر التفسيق والتكفير وعدم الاستسلام إلى سطوتهم وتهديداتهم وفتاويهم، والتسليم لهم بحق المشاركة في الحياة السياسية وهم على مثل هذه الاعتقادات والآراء الخطيرة.
تلك الأفكار والآراء التكفيرية والشاذة والبعيدة كل البعد عن الإيمان الحق وعن هدف الرسالات السماوية جميعها منذ آدم عليه السلام، إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، تلك رسالة الإسلام الحنيف التي تقوم على أساس التسامح والقبول بالآخر والبعد عن الكره والإكراه، إن إدعاء أصحاب الفكر الضال بالانتساب إلى الدين أو المذهب لا يبرر منحهم سلطة التفسير للدين أو المذهب كما لا يجوز أن يمنحهم أو يمنح آراءهم الضالة أي حصانة، لأنهم هم الخطر الحقيقي على الدين وعلى المذهب وعلى المجتمع والدولة، وإذا لم تصحو المجتمعات العربية والإسلامية لخطورة هذه الأفكار ولم تتخذ إجراءات عزلها وإسقاطها من صفوفها، فإن شكري بالعيد السياسي التونسي الذي قضى يوم 6 فبراير لن يكون آخر ضحاياها في قائمة الضحايا التي ستقدمها المجتمعات العربية والإسلامية حتى تخرج من مستنقع هذه الأزمة التي باتت تقترب من مستوى الفتنة، ومن أجل أن تنتقل المجتمعات والدول العربية إلى عالم تحكمه مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية والديمقراطية التي ضحى من أجلها الكثيرون قبل شكري بالعيد وسيتبعه الكثيرون بعده على طريق الانتقال إلى عالم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي تطلع إليها مجتمعاتنا العربية، وبكلمة أخيرة نستذكر قوله تعالى: (( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)). صدق الله العظيم،،،
د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
E-mail: pcommety @ hotmail.com
الرياض 09/02/2013م الموافق 28/03/1434هـ

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت