سامر العيساوي يصنع فجراً لحرية قادمة

بقلم: راسم عبيدات


قد يقول البعض بأن عهد المعجزات قد ولى،منذ عهد النبي محمد (صلعم)،ولكن ها هو الأسير سامر العيساوي ورفاقه الذين يخوضون ملحمة وبطولة معارك الأمعاء الخاوية يصنعون ملاحم العزة والكرامة والشرف،ويصنعون معجزات لم يعرفها التاريخ البشري القديم ولا الحديث في النضال والكفاح والتضحية،معجزة في الإضرابات المفتوحة عن الطعام،والتي تجاوزت غينتس وما بعد غينتس،بطل الأمعاء الخاوية كان المناضل الايرلندي "بوبي ساندز"،مناضل الجيش الجمهوري الإيرلندي "الشين فين" والذي استشهد بعد 66 يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام،في سبيل حرية رفاقه الأسرى،ومن أجل ان تعترف بهم حكومة الإجرام البريطاني كأسرى حرب،وليستشهد من بعده عشرة من رفاقه لنفس الهدف والغاية،ونحن كشعب فلسطيني،حركتنا الأسيرة في سبيل حريتها وكرامتها وعزتها ومن اجل الحفاظ على وجودها،والدفاع عن حقوقها وصيانة مكتسباتها وإنجازاتها،خاضت سبعة وعشرين إضرابا مفتوحاً عن الطعام،عدا عن مئات الخطوات الاحتجاجية والإضرابات الجزئية،وقدمت كوكبة من خيرة أبنائها الأسرى شهداء على مذبح تلك المطالب والحقوق والمنجزات والمكتسبات،فكان الشهداء عبد القادر أبو الفحم وراسم حلاوة وعلي الجعفري واسحق مراغة وحسين عبيدات وغيرهم.

ورغم تحفظي على هذا الشكل من النضال،والذي أرى ان خوضه بشكل جماعي وموحد وباستراتيجية ومطالب وقيادة موحده،من شأنه أن يحقق نتائج أسرع،ويعطي القضية والتحرك زخما جماهيراً وتفاعلاً وتضامناً اوسع وأشمل على كل المستويات والصعد.

علينا ان نقر ونعترف أنه بعد مجيء اوسلو وما تركه من تداعيات خطيرة على الحركة الأسيرة الفلسطينية،من حيث وحدتها وتقسيمها وغياب وحدة أداتها التنظيمية الموحدة،وجدنا ان الحركة الأسيرة لم تعد قادرة على خوض الإضرابات المفتوحة عن الطعام بشكل جماعي وموحد وبرأس قيادي واحد،حتى انها منيت بهزيمة قاسية في اضراب آب/2004،لغياب تلك العوامل،وكذلك هذا الغياب ساهم في إطالة امد الإضرابات المفتوحة عن الطعام،وعدم تحقيق الأهداف المرجوة منها،ومكن إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية واجهزة مخابراتها،من اللعب على وتر الفرقة والإنقسام وعدم الاتفاق،مما جعلها تماطل كثيراً في الاستجابة للمطالب المرفوعة،او التنصل والتخلي عنها مجرد وقف أو إنهاء الإضراب،ومن بعد إضراب آب/2004،أخذت تلك الإضرابات شكل الفصائلية كالإضراب الذي خاضه أسرى الجبهة الشعبية،من اجل إنهاء عزل امينهم العام القائد احمد سعدات وأسرى العزل والإضرابات الفردية (البطولات الفردية)،تلك البطولات التي بدئها شيخ المناضلين خضر عدنان ومن بعده الأسيرة المحررة هناء الشلبي،وليؤسسا لمدرسة جديدة في النضال والكفاح واجتراح البطولات والمعجزات،وقد تركزت تلك الإضرابات في صفوف الأسرى الإداريين،وكان هناك فرصة كبيرة من أجل إنهاء ظاهرة الاعتقال الإداري لو احسن إستغلالها وإدارة المعركة بشكل جيد قانونياً وسياسياً ودولياً حول عدم جواز وشرعية الاعتقال الإداري،ومن بعد ذلك تصاعدت الأمور ولتبلغ ذروتها،بعد إقدام سلطات الاحتلال على إعادة اعتقال أكثر من عشرة مناضلين من الأسرى المحررين في صفقة الوفاء،حيث ما زال يخوض أربعة منهم إضراباً مفتوحاً عن الطعام،من اجل نيل حريتهم واحتجاجاً على إعادة اعتقالهم بحجج ومبررات واهية،يراد منها كسر إرادة المناضلين والأسرى المحررين،وثنيهم عن المشاركة في أي عمل مقاوم،حتى لو كان نشاطاَ سلمياً او ذا صبغة اجتماعية .

سامر ومن معه من الأسرى المضربين عن الطعام،لن يهزموا ولن يتراجعوا ولن تنكسر إرادتهم،بل سيواصلون معركتهم وبأعلى درجات الشرف والتضحية والفداء،فإما الحرية وإما الشهادة،وفي كلا الحالتين سيترتب على نتائج تلك المعركة أسس وقواعد جديدة في كيفية التعاطي مع قضايا أسرانا في سجون الإحتلال ومعتقلاته .

صحيح أنهم سيسجلون انتصاراً في كلا الحالتين ويصنعون فجراً لحرية قادمة،ولكن من سيهزم في تلك المعركة والملحمة البطولية ليس فقط إدارة مصلحة سجون الاحتلال وأجهزة مخابراتها،والتي تريد أن تستمر في إستخدام ملف أسرانا،ليس فقط من أجل الثأر والإنتقام من هؤلاء الأسرى والمناضلين،بل من اجل استمرار الإبتزاز السياسي،في أية مفاوضات قادمة،والهزيمة هنا ستطال أيضاً من لم ينتصروا لقضايا أسراهم سلطة وفصائل وأحزاب ومؤسسات وجماهير من قال لوالدة الأسير العيساوي ونصحوها بأن تطلب منه فك إضرابها،من تركوا ملف الحركة الأسيرة في أوسلو لحسن نوايا الاحتلال،وتنازلوا طواعية عن تمثيل أسرى الداخل- 48 - والقدس،من مارسوا ضغوطهم على الأسرى في الإضراب الأخير المفتوح عن الطعام من اجل عدم خوض الإضراب،وخرجوا ليستثمروا نضالات وتضحيات هؤلاء الأسرى،وكذلك فكل فصائل العمل الفلسطيني الوطنية والإسلامية مقصرة وتتحمل المسؤولية في إهمال هذا الملف،والفصائل التي تتسابق على حشد الجماهير في انطلاقاتها من اجل إثبات حضورها وفعلها وقيادتها للشعب والجماهير،عليها ان تتسابق في الفعل والحشد في قضايا الأسرى،حيث انه في أكبر مهرجان أو مسيرة او اعتصام لدعم الأسرى المضربين عن الطعام،لم يتجاوز العدد بضعة مئات،ولتتسابق كل جماهيرنا وأهالي أسرانا يوم قدوم اوباما الى المقاطعة ولتحاصرها،ولتقول بصوت عالي حرية أسرانا أهم من كل اللقاءات العبثية والمفاوضات العقيمة،ولتقل لأوباما والقيادة الأمريكية كفى دجلاً وكذباً ونفاقاً ومعايير مزدوجة،فلو كان الأسير المضرب عن الطعام إسرائيليا وبهذه المدة في أي بلد عربي،لقامت الدنيا ولم تقعد،ولربما تم دعوة مجلس الأمن الدولي للإنعقاد تحت البند السابع ،ولم يبقى أي زعيم أو مسؤول غربي دون أن يستنكر ويدين تلك الجريمة،ويدعو الى اتخاذ عقوبات رادعة بحق الدولة المأسور أو المسجون فيها هذا الإسرائيلي المضرب عن الطعام،باعتبار ذلك جريمة حرب،ومناف للديمقراطية وخرق لكل الأعراف والمواثيق والقوانين والاتفاقيات الدولية،أما عندما يتعلق الأمر بالأسرى الفلسطينيون،فأوباما وغيره من زعماء الغرب الاستعماري المجرم فإنهم يصمتون صمت القبور.

وليقل أهالي أسرانا والمعتصمين والمتضامنين معهم يوم قدوم الرئيس الأمريكي أوباما،لا عودة لتلك المفاوضات بدون إطلاق سراح أسرانا،وبالذات القدماء منهم،وبجداول واضحة ومحددة زمنياً لاطلاق سراح كل الأسرى وأسرى الداخل والقدس قبل غيرهم من الأسرى،وإلا فإكرام الميت دفنه ولتذهب تلك السلطة الى الجحيم.

القدس- فلسطين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت