ما دفعني إلى كتابة هذا المقال ، هو ما جال في خاطري قبل نحو خمسة وعشرون عاما ، عندما كنت احضر احد الفعاليات الفلسطينية في مدينة الرياض بالسعودية ، حيث نظم مكتب حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح مهرجانا بمناسبة انطلاقة فتح ولدعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي كانت في أشهرها الأولى، عندها لاحظت أن جميع المتحدثين في هذا المهرجان كانوا كثيري تكرار شعار "منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" ، وكنت اتسائل لماذا هذا التكرار والتأكيد ، على الرغم من أن قرارات مؤتمر قمة فاس بالمملكة المغربية، التي تضمنت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ، قد مر عليها نحو ثلاثة عشر عاما ، وهنا أدركت بان المتحدثين كان لهم الحق فيما قالوا لان العديد من القوى وخاصة القوى العربية ، كانت مستمرة في محاولة سلب الفلسطينيين هذا الحق ضاربين بعرض الحائط لكل قرارات الجامعة العربية والقمم العربية .
اكتب هذا الكلام حيث أرى يان مسألة التمثيل الفلسطيني باتت تطفوا على السطح ، ولكن هذه المرة ليست في ساحة العلاقات العربية الفلسطينية ، ولكن في ساحة العلاقات الفلسطينية الفلسطينية ، ومسالة التمثيل الفلسطيني هذه تقود الكثير ربما لكي يتساءل ، نحن من ؟ ، ومع من؟ ، والى أين ؟ ، فتح أم حماس ، حكومة رام الله أم حكومة غزة ، حصار غزة أم حصار الشعب الفلسطيني ، مصالحة أم انقسام وربما نسمع ما هو أخطر الانفصال .
أسئلة كثير تطلب إجابات شافية وقاطعة حتى لا تجعل المواطن العادي منا في حيرة من أمرة ، فالمواطن هنا في قطاع غزة يعيش ظروفا اقتصادية واجتماعية قلما يستطيع احد في هذا العالم تحملها ، من البطالة ، والفقر، ونقص الأدوية ، والمحروقات ، وانقطاع الكهرباء ، وأزمة السكن ، والازدحام الهائل للسكان على بقعة صغيرة من الأرض مصحوبا بحصار إسرائيلي يلقي في كل الأحوال بظلاله السوداء على الشعب المغلوب على أمره .
والقصة عندنا بدأت بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006 ، والتي في نظري كان تنظيمها خطأ لا لرغبتي في بقاء الحال على ما هو عليه ، ولكن لأنها أجريت في ظل تولي رئيس للسلطة ينتمي إلى تيار وبرنامج مخالف تماما لتيار وبرنامج جاء ليكون منافسا قويا له ، وكان من الأولى أن توجد طريقة لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في نفس الوقت ، حتى يمكن تجنب المناكفات السياسية اللاحقة من تنافس وصراعات حول الصلاحيات ، التي قادتنا في النهاية إلى الانقسام البغيض .
سارعت حركة حماس التي سيطرت على قطاع غزة ، بالإعلان مرارا عن عدم شرعية الرئاسة في رام الله خاصة في بداية عام 2009 بعد انتهاء ولاية الرئيس عباس الأولى ، وعدم شرعية حكومة رام الله ، وأنها أي الحكومة في غزة هي الحكومة الشرعية .
وبدأت حركة حماس في العمل على صعيدين هامين بكل قوة ، الأول على الصعيد الإعلامي للاستقطاب الداخلي والخارجي، والثاني سياسيا خارجيا لتعزيز وتوسيع شبكة علاقاتها مع الكثير من المؤسسات والهيئات الإسلامية والأجنبية مع محاولة تعزيز علاقاتها مع بعض الدول التي ساندتها منذ البداية وعلى رأسها دولة قطر ، وقد جاء ذلك في ظل انعقاد العديد من جلسات الحوار الفلسطيني الفلسطيني من اجل راب الصدع وتحقيق المصالحة ، إلا أن أنظار حماس كانت متركزة على مسالة تعزيز حضورها عربيا ودوليا ، أما مسالة الحوارات الفلسطيني فهي مسالة ليست على درجة من الأهمية .
في الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة عام 2008/2009 ، خرجت حركة حماس من هذه الحرب قوية ، إذا حظيت بكثير من التعاطف مع جهات عديدة ، كيف لا وان إسرائيل عجزت بقوتها العسكرية عن اقتلاع حماس من جذورها وهذا ما علنت عنه مرارا قبل وأثناء حربها ، وهذا ربما ساعد على تمسك حركة حماس بمواقفها وشروطها تجاه المصالحة والتي لم تتحقق إلى يومنا هذا .
بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في نوفمبر الماضي والذي استمر ثمانية أيام خرجت حركة حماس قوية أيضا ، لسببين الأول لعجز إسرائيل عن تحقيق أهدافها ، والثاني تمكن حركة حماس وباقي الفصائل وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي من ضرب المدن الإسرائيلية بما فيها مدينتي تل أبيب والقدس الغربية وبعض المستوطنات في الضفة واستمر ذلك طيلة أيام العدوان الأمر الذي زادت معه درجة التأييد العربي خاصة الشعبي للمقاومة ، وبعد توقف العدوان نتيجة الاتفاق الذي ابرم بين الطرفين برعاية مصرية ، بدأت العديد من الوفود تدفق على قطاع غزة ومن بين هذه الوفود وفود كبرى بدأها أمير قطر حتى قبل العوان بأيام ، ثم رئيس الوزراء المصري هشام قنديل أثناء العدوان وتلاه وفد الجامعة العربية برئاسة أمين عام الجامعة العربية ، وكان آخر هذه الوفود رئيس وزراء ماليزيا ، وقد تزامن مع هذه الزيارات زيارات معاكسة للعديد من المسئولين في حركة حماس للعديد من الدول والذين بدأوا يستقبلون وكأنهم ممثلين عن الشعب الفلسطيني بعيدا عن التنسيق مع الطرف الأخر وهو الطرف الشرعي المعترف به عربيا ودوليا ، الأمر الذي اثأر حفيظة السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله وعلى رأسها الرئيس محمود عباس .
حيث رأت السلطة الوطنية الفلسطينية أن ثمة خطر يهدد مسالة التمثيل الفلسطيني ، وبدأت التصريحات تدور حول هذا الشأن برفض الرئيس عباس استقبال أي عضو من حماس إلا بصفته الحركية التنظيمية لحركة مقاومة وليس بصفته مسئولا تنفيذيا في السلطة ، وما زالت هذه الصورة ماثلة على المشهد الفلسطيني إلى الآن ، وربما كان من آخر مشاهدها ذلك الحادث المؤسف الذي وقع في بلغاريا عندما أجبرت حكومتها وفد حركة حماس على مغادرة أراضيها .
من هنا نقول أن مسالة صراع البدائل بدا يطفوا على ساحة علاقتنا الفلسطينية الفلسطينية ، وتقوم إسرائيل بتعزيز هذا الصراع بإعلانها بين الفينة والأخرى في معرض تهديداتها للرئيس عباس بان القيادة الفلسطينية البديلة موجودة ، ويمكن التفاوض والحوار معها إذا لم يقم الرئيس باستئناف المفاوضات مع إسرائيل .
وهاهي الأحداث تؤكد ذلك حيث بدأت حركة حماس وعبر وسائل الإعلام بالإعلان عن رغبتها في السيطرة على منظمة التحرير الف5لسطينية بل وتعتزم ترشيح السيد خالد مشعل لرئاستها ، في الوقت الذي تطالعنا فيه وسائل الإعلام أن مفاوضات جارية بين إسرائيل وحركة حماس في القاهرة برعاية مصرية ، مع استبعاد الجانب الفلسطيني الآخر ونقصد السلطة في رام الله برئاسة الرئيس محمود عباس .
اعتقد أن من حق أي حركة مقاومة أو أي فصيل من الفصائل تعزيز مواقعه أينما كان وتوسيع دائرة علاقاته للحصول على مزيد من الدعم والمؤازرة ، ولكن إذا تعلق الأمر بمصير الشعب فلا يجوز الانفراد أو التفرد مهما كان الأمر ، ونتمنى أن تعود حركة حماس إلى يوم الرابع من يناير حيث خرجت الجموع الحاشدة من أبناء القطاع في رسالة واضحة برفضهم واقع الحال .
إن مسالة التمثيل الفلسطيني لا يحسمها ولا يحكمها إلا صناديق الانتخابات ، بعدها لا يبقى عذرا ولا حجة لأحد ، لذلك نتمنى أن يسارع الإخوة في كل من حماس وفتح وباقي الفصائل إلى تنظيم الانتخابات ، ونرجو أن تتوقف مسالة المنافسة على التمثيل لحين إجراء هذه الانتخابات لان استمرارها لا يقودنا إلا إلى مزيد من المعاناة .
أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
20/2/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت