أزمة على طاولة الحكومة
تجمع كافة التقارير المتعلقة بالوضع المائي في قطاع غزة بأنه على وشك الكارثة، وسواء كانت التقارير دولية أو محلية فجميعها يشير إلى أن المياه في قطاع غزة لن تكون في مجملها صالحة للاستهلاك الآدمي في غضون الخمس سنوات القادمة، وإن تجاهلنا التقارير التي أعدها البنك الدولي أو منظمات الأمم المتحدة على اعتبار أنها قد تكون جزءاً من نظرية المؤامرة، فلا يمكن لنا تجاهل تلك الصادرة عن الجهات الرسمية والأهلية الفلسطينية ذات العلاقة والتي لا تبتعد بشيء عما تحمله التقارير الدولية، المهم أن واقع المياه الحالي يتغلغل في مناحي شتى من حياتنا ويلقي بظلاله عليها، قد تكون في مجملها إشارات تحذيرية لما هو قادم، تفرض علينا أن نتوقف حيال هذه الأزمة بواقعها الذي نحياه، صحيح أن الاحتلال يتحمل المسؤولية الكاملة وأنه على مدار سنوات احتلاله لقطاع غزة استنزف مخزونها الجوفي، وأنه يعكف على منع وصول الوديان التي تغذي المخزون الجوفي في قطاع غزة، والحصار الذي يفرضه على قطاع غزة أسهم هو الآخر في تفاقم الأزمة، وندرك أيضاً بأن لنا حقوقاً مائية كفلتها المواثيق الدولية، وأن المياه تتواجد بثقلها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أننا في الوقت ذاته لم نحاول أن نترجم عملياً الكثير من المشاريع التي وضعها المختصون لمعالجة مشكلة المياه، ولم نجعلها ضمن أولوياتنا.
أزمة المياه في قطاع غزة تفرض علينا أن نتوقف حيالها بكثير من الأهمية، كونها تتعلق بشتى مناحي الحياة، فالوضع الصحي في القطاع يرتبط بشكل كبير بما تحمله المياه من ملوثات، وإن غابت الدراسات العلمية الدقيقة حول ذلك، إلا أن المؤكد أن الفاتورة التي تنفقها السلطة على العلاج تتحمل الأمراض الناجمة عن المياه وملوثاتها القسط الأكبر منها، ناهيك على أنه لا يمكن لنا الحديث عن تطور في الخدمات الصحية في ظل ما تسببه المياه من أمراض، إن أزمة المياه لا تتوقف عند الاستهلاك البشري ومتطلباته، وإن كان الأهم، بل أن الزراعة هي الأخرى مرشحة لأن تتأثر بشكل كبير في السنوات القليلة القادمة، وهذا بدوره سيلقي بظلاله على الناتج المحلي الزراعي، والذي يشكل مساحة مهمة في الدخل القومي، إن الحديث عن أزمة المياه يقودنا إلى جوانب متعددة تمس بشكل جدي الخدمات المختلفة المقدمة للمواطن وفي ذات الوقت تضر بالاقتصاد الوطني.
ملوحة المياه في قطاع غزة التي تزداد سنوياً بشكل مضطرد، ترجع بالأساس إلى أن ما يتم ضخه من المخزون الجوفي أكبر بكثير من حجم المياه المغذية له، وانطلاقاً من أن معدل استخدام الفرد للمياه في قطاع غزة أقل من معدلاته حتى في الدول المحيطة بنا، فإن الحلول يجب أن تتركز حول ضرورة توفير مصادر مياه جديدة، وبطبيعة الحال هذا يقودنا إلى أمرين:
أولاً: تحلية مياه البحر لتوفير متطلبات الاستهلاك البشري، وهذا الأمر يصطدم بمعضلتين، الأولى أننا بحاجة لاستثمار الكثير من الأموال في هذا القطاع، وهو من الصعوبة بمكان أن تتحمله دوله مانحة بعينها، بل بحاجة لمشاركة العديد من الدول المانحة فيه، وهو ما يجعل البعض منها يحجم عن ذلك، حيث أن الدول المانحة عادة ما ترغب في تمويل مشاريع ظاهرية، وثانياً أن تكلفة تحلية مياه البحر لا تتوقف عند تمويل المشروع فقط بل أن تكلفة التشغيل هي الأخرى مرتفعة، سيتحملها المواطن وترهق كاهله في ظل الوضع الاقتصادي المتردي.
ثانياً: معالجة مياه الصرف الصحي لإعادة استخدامها في الزراعة، وهذا يتطلب أيضاً تمويلاً كبيراً من الدول المانحة، حتى هذه اللحظة تتردد الدول المانحة في تنفيذ تعهداتها، والحديث يدور عن ثلاث محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي، شمال القطاع وغزة والجنوب، حتى ما تعهدت به الدول المانحة فيما يتعلق بهذه المحطات لا يكفي لاعتماد تقنية معالجة تكفل سلامة استخدام المياه المعالجة في الزراعة، وأعتقد أنه بات من الضروري اليوم التفكير بشكل استراتيجي فيما يتعلق بمشاريع المعالجة في قطاع غزة، فهل نحن بحاجة إلى عدة محطات معالجة في القطاع بتقنية متواضعة، أم يمكن لنا حصرها في واحدة واستثمار المزيد من الأموال فيها كي نصل بها لتقنية الاستخدام الآمن للمياه المعالجة في الزراعة، ناهيك عما يمكن أن توفره لنا من طاقة كهربائية وأسمدة، هذا بالإضافة إلى ما يمكن أن توفره من أراض تستنزفها المحطات المتعددة؟.
أزمة المياه التي يعاني منها قطاع غزة ومرشحة للتفاقم خلال السنوات القليلة القادمة يجب أن تفرض ذاتها على طاولة الحكومة، وهي بحاجة إلى حل جذري يتطلب تنفيذه سنوات، كي لا يغرق قطاع غزة في ملوحة المياه مثلما يغرق اليوم في ظلمة انقطاع الكهرباء.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت