سيدي الرئيس : لا شيء يجعل الأمة عظيمة غير ألم عظيم , ناتج عن مرض خطير يخترق جسدها ويصيب ذاكرتها وعقلها بأعطاب تقعدها عن الحركة والعمل . حينها يأتي دور المفكرين من عظمائها ، فيجتمعون ويُجمِعون على التصدي للمحنة التي ألمت بهم , وينبري جميعهم وقوفاً ، فينشطون في تشخيص المرض ويجتهدون في البحث عن العلاج بكل أناة وصبر وشجاعة من أجل استرداد العافية , فيَصِفون الدواء ويُحَدِّدون جرعاته ومدى فاعليته , و يتابعون تعاطيه حتى يتم برنامج الاستشفاء كاملا بدون انقطاع لئلا تَحْدُث الانتكاسة المَرَضِيَّة . أما نحن - في دولة فلسطين – بخلاف ذلك كله , ذلك أننا نعاني من أمراض خطيرة أهمها انفصال الشبكية ما جعلنا عمياناً فلا نرى الحقيقة . ونعاني من تصلب الشرايين وتلوث في الدم الذي يدخل القلب فيَضُخُّه كما هو ملوثاً فاسداً. ونعاني من فقدان الذاكرة وتوقف الزمن عن (الحرس القديم ) الذين مازالوا يتسلطنون ويتسلطون علينا ، ويتربعون على مؤسسات المنظمة ومقدرات السلطة الوطنية , معتقدين أنهم مازالوا شباناً ، تخدعهم مراياهم حين ينظرون فيها فيروْن سواد شعرهم المصبوغ ، ويعجبهم منظر وجوههم المشدودة ، مُصَدِّقين خداعهم لأنفسهم . ونعاني من اضطرابات شديدة في الجهاز الهضمي والتنفسي دون العرض على الأطباء المختصين ولزوم نصائحهم . ونعاني من الضغط والقهر والظلم والفساد المتجذر في أروقة المنظمة وفي دواوين السلطة في الضفة الغربية وفي مراتع غزة الأبية , حيث يجلس الحكام والأمراء والسلاطين والنبلاء واللوردات والجنرالات والضّالون منهم ، المُبْعَدُون من رحمة رب العالمين . تجدهم جميعاً على الأرائك يتفاكهون , صامِّين آذانهم عن أنات المغلوب على أمرهم , مُغمِضين نوافذ عيونهم عن مراثي الثكالى والأرامل واليتامى ، لاهين بمكاسبهم ومغانمهم ومغانيهم التي يتمرغون فيها عن تذمر الشباب الضائع العاطل عن العمل من خريجي المعاهد والجامعات ، الذين يبحثون عن المكانس يجوبون بها الشوارع والطرُقات من أجل بضعة شواكل فلا يجدونها . ونعاني من الغرق القسري في بحر غزة حيث إن السفينة قد أصيبت بخروقات ، ما جعلها تهبط رويداً رويداً إلى القاع , فيتحقق حلم رابين الذي يتمناه الكثير من كهنة المنظمة وعجائز السلطة ليرتاحوا من هَمِّ غزة وقـرف أهل غزة . ونعاني من كثرة المُفتِين الذين يُفَصِّلون الفتاوى ونحن نلبسها راغمين ، ونعاني من الكذب المنظم بإطلاق شعارات رنانة دون عمل , مثل : " القدس في خطر , والمسجد الأقصى في خطر " . و نحن جميعاً نعلم أن الخطر الصهيوني قد بدأ يتهدد مدينة القدس منذ أن وطئت أقدام المحتلين أرضها عقب هزيمة 5 يونيه 1967، و نعلم أيضاً أن الأقصى في خطر منذ إحراقه في 21 أغسطس 1969. ومازال المسلسل مستمراً بتخطيط الفكر الصهيوني وتنفيذ اليد الصهيونية ، يشجعهم على ذلك تكاسل العرب المسلمين وتراخي قادة السلطة الفلسطينية ولامبالاة حكوماتها المتعاقبة . فماذا فعلتَ يا سيد عباس لإنقاذ القدس من التهويد , وإنقاذ الأقصى من التقويض ؟. ولا يخفى على أحد أن الادعاء بالحق فقط لا يعيد حقاً , والخروج إلى المجتمع الدولي بهذه الشعارات الحضارية! وبهذه الدعاوى الانهزامية المتمثلة بالمقاومة السلمية , لا يحرر شبراً من أرض ولا يفك قيداً لأسير في سجن , ولا يعيد لنا حقاً من حقوقنا المغتصبة في فلسطين العربية الكنعانية التي أقرتها المنظمات الدولية , واعترفتْ بها من قبل أسفار توراتهم اليهودية.
سيدي الرئيس : المقاومة السلمية والتظاهرات السلمية والنهج المتحضِّر الوديع ، الذي يُظهر صاحبَه كالحَمَل الوديع ، لا يوقف الاستيطان ولا يفكك مستوطنة قائمة , بل يغري الذئاب بمزيد من الاعتداء على أرضنا وتهجير أهلنا من بيوتهم وعمائرهم وحقولهم ومزارعهم ، ثم يأتي إعلان الحكومة الصهيونية عن عزمها على بناء آلاف الوحدات السكنية في مستوطنة جديدة على أرض فلسطينية جديدة . كل ذلك بسبب " برستيجك " المُتَحَضِّر وبفعل رخاوتك وضعف حيلتك يا سيدي الرئيس , فقد اختبرك نتنياهو وكذلك رؤساء الحكومات الإسرائيلية السابقة الذين وزنوك وعرفوا أسلوبك في التهديد والوعيد , فوجدوك تَعِد بعدم الرجوع إلى طاولة المفاوضات إلا إذا تم وقف الاستيطان , ولا تفي بوعودك , و يتم بناء المستوطنات تلو المستوطنات ، وترجع إلى طاولة المفاوضات... و هكذا دواليك . فتنعقد جلسات الدروشة ، ونشرب نحن أنخاب هزائمنا ... و( كاسك يا وطن !).
سيدي الرئيس : بدأت بشائر الانتخابات تهبُّ علينا , تارة باردة وتارة حارة حارقة , وذلك حسب تصريحات أولئك الذين يحملون على ظهورهم ملف المصالحة ، سواء من هنا أو من هناك , وإنهم ليَدُورُون به في حلقات مُفْرَغَة في أروقة القاهرة . وكلما رأى أحد الفريقين أن لعبتهم باتت مُسَلِّية تجذب المتفرجين ، فأنه يطلق تصريحاً فيه شيء من التفاؤل المُخَدِّر للعقول والوجدان , فيستبشر الناس بتقدم الفرقاء خطوة إلى الأمام ، ثم لا يلبثون أن يسمعوا كلاماً مغايراً على لسان أحد الفرقاء يَجُبُّ ما قبله ، فيدفع بالأماني إلى الخلف عشر خطوات ، وكأن كلام الليل مدهون بالزبدة، إذا طلعتْ عليها الشمس ساحت وساح معها كل الكلام . وهكذا يُمَنُّون الناس ثم يُحبِطونهم . ولكن الناس عرفت ألاعيبهم وكشفت أكاذيبهم فلم تَعُد تُصدق منهم أحدا0ً
عزيزي القارئ : كاتب هذا المقال شارك بمراقبة تسجيل الناخبين في عديد من مراكز الوسطى على مدى عشرة أيام , بصفته مراقب محلي عن اتحاد الكُتَّاب والصحفيين بغزة , وهو اتحاد مازال تحت الإنعاش , يعاني من عدم القدرة على التنفس الحر , لانعدام الهواء النقي . وإني أسجل انطباعي عما رأيت من تزاحم الناس وإقبالهم الشديد – رجالا ونساء , شباباً وشابات – على مراكز التسجيل وكلهم يمدُّ نظره إلى بعيد ويمدُّ أمله إلى الأبعد , ذلك لأنهم – إن لم يكن كلهم فهو أغلبهم – متعطشون ، (وَحْمَانُون), قلوبهم ملأى بالرفض المطلق لهذا الواقع الأليم , ونفوسهم تطفح بالشوق إلى التغيير : تغيير القيادات والزعامات والقائمين على مقدرات شعبنا , آملين أن يتخلصوا من كهنة فتح العواجيز المتصابين رغم بلوغهم سن الثمانين وما دون ذلك بقليل , عسى أن يحل محلهم أبناء فتح – استغفر الله , أحفاد فتح الذين بلغوا سن الأربعين واجتازوها. ويحدو كثير من الشعب أن تأتي الانتخابات سريعاً حتى يتم التغيير الحقيقي في قطاع غزة القابع تحت خيمة الظلم والظلام والتهميش , الذي تجثم على صدره صخرة ثقيلة تكتم أنفاسه , وتعقد لسانه وتقيِّد يديه وتعقل رجليه بسلاسل من الذل والقهر . فهل فكر السيد الرئيس عباس الديمقراطي جداً , صاحب ورقة (عفارم) الحاصل عليها من المنظمات الصهيونية العالمية على نهجه ودوره الاستسلامي , بتوقيع أمريكي إسرائيلي أورو بي – هل فكر سيادته أن يعود إلى قطاع غزة , ويعود أهله المنكوبين ، أولئك الذين قتلتهم ودمرت بيوتهم طائرات الf 16 ، وأولئك الذين خُدعوا به وانتخبوه رئيساً لهم وهو لا يستحق ثقتهم . فلماذا لا يعود إليهم ويعودهم ؟. أليست غزة أرضاً فلسطينية وجزءاً من أراضي السلطة الفلسطينية ؟. أليس الرئيس محمود عباس رئيساً منتخباً للسلطة الفلسطينية ؟. أليس الرئيس محمود عباس رئيساً لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بصفته رئيساً ل : م . ت. ف. الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كله؟. أيحتاج مثل هذا الرئيس وهو بهذه الكيفية الوصفية إلى دعوة من حكومة حماس(لزيارة غزة!) ؟. ما هذا الكلام الفارغ ؟! فمنذ متى رئيس الدولة لا يدخل إحدى محافظات بلاده أو إحدى مدنها إلا بتصريح مسبق من هذا المحافظ أو من رئيس البلدية أو من حاكم المقاطعة؟. هل يتوجب على الرئيس محمود عباس أن يشترط على حكومة حماس أن تستقبله بحضور فرقة حسب الله التي تزفُّه بالطبل والمزمار البلدي , على أن يكون رئيس وزرائها – المُقَال بمرسوم منك - على رأس المستقبلين لسيادته عند دخول غزة زائراً ؟!. أجبني يا سيادة الرئيس بالله عليك!. هل نقوم نحن الشعب بالوساطة بينك وبين حاكم غزة لأجل إنجاز هذه الزيارة الميمونة , أم أنه يتوجب علينا أن نوسط أمير قطر وأمين الجامعة العربية وسكرتير الأمم المتحدة من أجل الحصول على التنسيق الأمني المسبق من وزارة الداخلية الغُزِّية لإتمام هذا الفتح العظيم بتشريفكم إحدى المدن الفلسطينية التابعة لرئاستكم؟!. لقد كان الشعب في قطاع غزة يتوقع منك النخوة العربية الأصيلة ، فأخذ يرقُب مجيئك مع المتضامنين في سفينة "جالوي" لفك الحصار والمشاركة في إعادة الإعمار بعد الدمار الذي لحق الديار بالقطاع في يناير 2009 , وبعد حرب الثمانية أيام في نوفمبر 2012 , واستشفعنا لك عند قلوبنا على هذا التقصير, وقلنا سيأتي سيادته مباشرة من نيويورك حاملا معه هدية العمر ليُدخل علينا الفرحة بنصر الحَجَر والبندقية وفوز الدبلوماسية في الأمم المتحدة بعد حصول فلسطين على صفة دولة مراقب غيرعضو. ولكنك لم تحضر تطييباً لخاطر هذا الشعب المشوق إلى رئيسه , واكتفيتَ أن جُدْتَ علينا سيادتك بصوتك وصورتك يوم الاحتفال بانطلاقة فتح في الأول من يناير 2013 عبر شاشات التلفاز . ألا تعلم يا سيادة الرئيس أنك رسَّخْتَ جدار الانقسام وأعليتَ بنيانه بعدم وجودك في غزة على رأس المستقبلين لأمير قطر ومن بعده رئيس وزراء مصر ووزير خارجية تونس ثم أمين الجامعة العربية يرافقه وزير خارجية مصر وكان آخرهم رئيس وزراء ماليزيا . أليس هذا تخليا منك لحماس عن غزة ؟. يا حسرة على قضية أنتم مسؤولون عنها أمام الله وأمام الشعب , وكأني بالأجيال القادمة تخجل من تاريخنا الحالي حين تقرأ , وستلعن كل مكونات الحكم الحالية ، ولكنها لن تنسى الشهيد ياسر عرفات ، بل ستذكره وستذكر رفاقه الأوائل الذين حملوا البنادق وأشعلوا فتيل الثورة المسلحة في سماء العرب المُجَلَّلَة بسواد الهزيمة ، فانبثقت من فَـوْهات بنادقها نور العاصفة ونارها التي أطفأ جذوتها الكلمنجيون من ذوي القلوب الرقيقة التي يُغمى عليها إن رأت سكيناً أو مسدساً ...*
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت