باستشهاد الأسير عرفات جردات،والذي كان موقوفاً في سجن مجدو ويخضع للتحقيق،يرتفع عدد الأسرى الذين استشهدوا في سجون الاحتلال ومراكز وأقبية تحقيقه الى 203،منهم 71 استشهدوا جراء التعذيب في أقبية التحقيق،و51 نتيجة سياسة الإهمال الطبي،و74 استشهدوا بعد أن جرت عملية تصفيتهم وإعدامهم عقب الاعتقال مباشرة،و7 استشهدوا جراء إطلاق الرصاص عليهم في السجون،والتعذيب في السجون الإسرائيلية بأشكاله المتعددة والمختلفة،الجسدية والنفسية،ليس بالحالة النادرة أو الاستثنائية أو غير المألوفة ممارسته في أقبية التحقيق والسجون الإسرائيلية،بل هو سلوك ثابت انتهج بعد الاحتلال مباشرة،وهذا السلوك عملت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على تطويره وبشكل متدرج بحيث أصبح نهج ثابت وجزء أساسي من العلاقة ما بين المعتقلين الفلسطينيين والجهة التي تمارس التعذيب ( أجهزة أمنية وشرطية إسرائيلية )بمختلف تسمياتها.
ورغم أن من يمارس التعذيب ويعمل على تطبيقه،هو المؤسسة الأمنية الإسرائيلية،ولكن تلقى تلك السياسة دعم ومباركة،بل ومشاركة الجهات السياسية والقضائية الإسرائيلية. والتعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين،لا يجري فقط في المعتقلات ومراكز وأقبية التحقيق،بل رحلة التعذيب والعذاب،تبدأ من لحظة الإعتقال،حيث في الكثير من الحالات التي جرى فيها اعتقال مناضلين فلسطينيين،تعرض المعتقل للضرب العنيف أمام أفراد أسرته ناهيك عن ضرب وإهانة أفراد العائلة،وإتلاف وتدمير محتويات المنزل،وحشر الأطفال والنساء في غرفة من غرف البيت،وكذلك القيام بإهانتهم وتحقيرهم وتفتيشهم وتعريتهم من ملابسهم،يضاف الى ذلك استخدام الكلاب البوليسية والقوات الخاصة المقنعة في عمليات الاقتحام والاعتقال،لبث الرعب والخوف في قلوب الأهل والأطفال،وفي الطريق الى مراكز التحقيق يمارس جنود الاحتلال ساديتهم ووحشيتهم على المعتقل بالضرب والسب والشتم والتحقير،وتبرر إسرائيل بالعادة استخدامها للتعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين،من أجل الحصول على المعلومات والحفاظ على أمنها وحماية أرواح مواطنيها،وفي الغالب يكون هناك أهداف أخرى من التحقيق،ألا وهي تحقير الأسير وأهانته،والسخرية من قيمه ومبادئه ونضالاته وتضحياته وقضيته وشعبه،وأيضاً استهداف وتدمير شخصية الأسير نفسياً وجسدياً،والمؤسسات الحقوقية والإنسانية التي تعنى بشؤون الأسرى،تشير الى أن إسرائيل أكثر من مائتي شكل وأسلوب تحقيق مع الأسرى الفلسطينيين منها النفسية،ومنها الجسدية،ومن هذه الأساليب( الشبح على كراسي صغيرة وعلى الجدران لفترات طويلة ودون إنقطاع،والهز العنيف، والحرمان من النوم لساعات طويلة تمتد الى عدة أيام والضرب المبرح،والذي قد يصل ببعض الحالات حد الإغماء وفقدان الوعي ومن ثم مفارقة الحياة،والتحقيق الدوار،أي تناوب عدد من أطقم التحقيق على المعتقل بشكل مستمر،أو نقله بين مراكز التحقيق المختلفة وممارسة التحقيق بشكل متواصل معه،من أجل إيصاله إلى مرحلة الانهيار وتقديم المعلومات أو تقديم اعتراف كاذب للخلاص من شدة العذاب،ووضع الأسير في غرف وأقسام العار "العصافير"بهدف طمأنته بأن التحقيق معه قد انتهى،وهو الآن موجود بين المناضلين،والذي قد تدفعه قلة تجربته ووعيه وخبرته الى تقديم معلومات لهم على أساس أنهم مناضلين،وفي حالة رفضه التجاوب معهم يتم تهديده أو اتهامه بالعمالة وأحيانا الاعتداء الجسدي عليه،والتحرش الجنسي والتهديد بالإغتصاب،والعزل في الزنازين لفترات طويلة لضرب وقل الروح المعنوية والحالة النفسية للأسير ،والصعق بالكهرباء،والحرمان من قضاء الحاجة وتبديل الملابس الداخلية،ووضع الأسير في خزانة 50 سم × 50 سم،وتسليط تيار من الهواء البارد عليه وغيرها من عشرات أشكال التعذيب الأخرى.
من الواضح وعقب استشهاد الأسير عرفات جردات في سجون الاحتلال،وعلى ضوء الإضراب المفتوح عن الطعام الذي يخوضه عدد من الأسرى وبأرقام قياسية،والذين أعيد إعتقالهم بعد تحررهم في صفقة الوفاء للأسرى،تحت حجج وذرائع واهية،هي خرقهم لما يسمى بشروط الصفقة،بأن حكومة الاحتلال وأجهزتها الأمنية،لا تلتزم بأية شروط او مواثيق أو اتفاقيات،بل هي تخرق القانون الدولي بشكل منظم وممنهج،بدعم وحماية من القوى النفاذة في المؤسسات الدولية،وهي تقوم بعملية شرعنة للتعذيب،واليوم لم يعد مقبولاً بعد أن أصبحت فلسطين دولة مراقبة في الأمم المتحدة،أن تبقى ردة فعلنا تجاه ما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب بحق أسرانا في إطار الشجب والاستنكار والمناشدة،او القيام بفعاليات ومناشطات جماهيرية وتضامنية مع الأسرى،على الرغم من اهمية ذلك،حيث التعذيب والعزل والحرمان من أبسط الحقوق التي نصت عليها الأعراف والقوانين والاتفاقيات الدولية بخصوص الأسرى،وكذلك القرصنة والزعرنة باعتقال واختطاف النواب والقادة الفلسطينيين،كما حدث مع القادة احمد سعدات ومروان البرغوثي وغيرهم من النواب المنتخبين والممثلين للشعب الفلسطيني.
اليوم بات مطلوبا من الفلسطينيين،ضرورة استكمال انضمامنا الى محكمة الجنايات الدولية،لكي نتمكن من رفع قضايا امام تلك المحاكم على قادة الاحتلال ومسؤولية ورجال مخابراته،والذين يرتكبون جرائم حرب بامتياز بحق أسرانا،فبأي قانون وضعي او حتى سماوي،يجري اعتقال أسرى محررين بطريقة منافية لكل ما اتفق عليه ومتناقضة مع القانون الدولي،ويدخلون مرحلة الموت الحقيقي،دون ان يحرك المجتمع الدولي و"معهري" القوانين والمواثيق الدولية والمتشدقين بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ساكناً،في الوقت الذي لو كان فيه المضربين عن الطعام أسرى إسرائيليين،لقامت الدنيا ولم تقعد،ولم يبق مسؤول أمريكي أو أوروبي غربي إلا وتدخل في القضية،وبدأ بالتنظير لاحترام قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان،ولربما كانت مطالبات ليس فقط باستصدار قرار من مجلس الأمن لإطلاق سراحهم،بل دعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد تحت البند السابع ،أي استخدام القوة العسكرية من أجل تحريرهم وإطلاق سراحهم.
اليوم وبانتظار زيارة اوباما القادمة،يجب وبالضرورة ان يكون هناك إصرار فلسطيني،بعدم العودة لتلك المفاوضات،وعلى ان يكون أحد اشتراطاتها إطلاق سراح كل الأسرى القدماء ما قبل أوسلو،ووضع جداول زمنية محددة ومسقوفة زمنياً،من أجل تحرير كل الأسرى من سجون الاحتلال،فهذه القضية جوهرية وحساسة وتمس كل بيت فلسطيني،وأهميتها لا تقل عن اهمية القضايا الأخرى من وقف الاستيطان وعودة اللاجئين،ولا يجوز استمرار العبث بها،وتركها لما يسمى بحسن النوايا الإسرائيلية.
القدس- فلسطين
24/3/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت