ألقت حادثة استشهاد الأسير الفلسطيني عرفات جرادات في " سجن مجدو " الصهيوني بظلال ثقيلة على المؤسسة السياسية والأمنية والعسكرية في الدولة العبرية ، واربكت ردة الفعل الشعبية الفلسطينية القوية حساباتهم ، بسبب خشيتهم من تدهور الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة ، وعدم مقدرة الدولة العبرية على ضبط الأمور؛ مايؤدي الى تدهور الأوضاع وتطورها بشكل دراماتيكي على الساحة الفلسطينية لتقود نحو ( الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة ) المرتقبة والمتوقع انفجارها بأية لحظة ، وأصدر رئيس أركان جيش الاحتلال (الجنرال بيني غانتس) تعليماته إلى قادة جيش الاحتلال وكبار ضباطه بضرورة : ( الاستعداد لإمكانية اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية ) ، ودعا (غانتس) كبار ضباط جيش العدولاجتماع خاص لدراسة كافة السيناريوهات المحتملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والخطط التي أعدها الجيش الصهيوني للتعامل معها. وبدأ الإعلام الصهيوني المرئي والمسموع والمقروء والإليكتروني بالحديث الموسع عن احتمالو إمكانية ( اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة في الضفة الغربية، والعوامل المسببه لها، والطريقة الأمثل للكيان الصهيوني لمنع انفجارها وحدوثها ،وكيفية التعامل معها في حال انفجارها ) ، وطالبت صحيفة ( هآرتس ) الصهيونية في افتتاحيتها الثلاثاء26شباط / فبراير بــ : ( عدم السماح بالانجرار للمواجهات في الضفة الغربية ) ، ودعت حكومة العدو إلى : ( ضرورة إلزام الجنود بالتحلي بضبط النفس والتمهل في استخدام النيران، ومراعاة مطالب الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام، وعدم اعتقال الأسرى المحررين في صفقة التبادل الأخيرة ، و فتح أفق جديد للمفاوضات مع السلطة الفلسطينية ).
وطالب العديد من الكتاب والصحافيين والمحللين والمراقبين الصهاينة حكومة العدو بــ : ( الاستجابة لبعض مطالب الأسرى، مؤكدين أن ذلك أفضل من الدخول في "دوامة من العنف" ستكلف الكيان الصهيوني كثيراً) .
وظهر واضحا حجم التوتروالخوف والقلق الصهيوني من احتمال اندلاع انتفاضة جديدة، وشككت أحزاب وقيادات اليميني الصهيونية المتطرفة بإمكانية تفجر الانتفاضة الثالثة ، وأكدهؤلاء المتطرفون على :
( أن الجيش الصهيوني لديه القدرة على التعامل مع الاضطرابات في الضفة الغربية ، وانه استعد جيداً لمثل هذه السيناريوهات ) .
و طالب (نداف شرغاي) في صحيفة " إسرائيل اليوم " الصهيونية المقربة من نتنياهو بـ : ( منح الجنود الحرية في استخدام النيران ضد المتظاهرين الفلسطينيين) .
وطالبت رئيسة حزب ميرتس المعارض (زهافا غالؤون) نتنياهو بـ : ( الإعلان من على منبر الكنيست عن الخطوات التي ينوي اتخاذها لمنع اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في الضفة الغربية) .
وأخذت حكومة نتنياهو بتوصيات قادة الأجهزة الأمنية وقيادة الجيش الصهيوني ؛ وأصدر نتنياهو أوامره لوزارة المالية في الكيان الصهيوني بتحويل أموال الضرائب إلى وزارة المالية الفلسطينية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، وأرسل نتنياهو مبعوثه الخاص اسحاق مولخو برسالة واضحة إلى قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية يطالبها فيها بــ : ( ضبط الوضع الميداني في الضفة الغربية، مقابل وعود بتقديم "خطوات بوادر حسن نية" تجاه السلطة الفلسطينية ) .
و العوامل التي يمكنها اشعال الانتفاضة الشاملة في الضفة الغربية المحتلة ، مع احتمال اشتعال جبهة قطاع غزة ايضا عديدة وكثيرة ، من أهمها :
1ـ انسداد الأفق السياسي .
2ـ حملات تهويد القدس الشريف ، والهجمة الاستيطانية الشرسة فيها وفي محيطها .
3ـ مصادرة أراضي ومنازل المقدسيين ، وطردهم منها .
4ـ طرد المقدسيين من القدس المحتلة نحو الضفة الغربية المحتلة ومصادرة هوياتهم ، مما يحدث انقلابا ديموغرافيا في القدس لصالح المستوطنين الصهاينة .
5ـ الاستمرار في النشاط الاستيطاني، ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية المحتلة .
6 ـ استمرار حصار وخنق الفلسطينيين بواسطة الجدار العازل العنصري
7 ـ تدهور الوضع الاقتصادي الصعب للفلسطيني ، وانهيار المنظومة الاقتصادية والبنية التحيتية للاقتصاد الفلسطيني بالضفة والقطاع .
8 ـ تضييق الخناق على السلطة الوطنية الفلسطينية، وتأخير تحويل اموال الضرائب الفلسطينية ، مما يتسبب بتأخير صرف رواتب قرابة 150الف موظف حكومي بالضفة والقطاع .
9ـ هناك مخاوف صهيونية من تعاظم قوة حركة "حماس " في الضفة الغربية بعد صفقة تبادل الأسرى ، واثر " حرب الأيام الثمانية " ، وما نتج عن هذا العدوان الصهيوني على قطاع غزة من مواجهة بطولية لرد العدوان ، شاركت فيه حركة حماس وفتح والجهاد ، وكافة فصائل المقاومة الفلسطينية ، وكان اداء المقاومة الفلسطينية أداء رائعا ومميزا .
10ـ استمرار الاعتداءات الصهيونية ضد قطاع غزة ، منذ اعلان التهدئة التي أعقبت حرب ( الأيام الثمانية ) التي شنتها قوات العدو ضد القطاع ، ورغم التهدئة التي تمت بوساطة ورعاية مصرية ن وضمانة اميركية ، والالتزام بها من الجانب الفلسطيني ، الا أن الدولة العبرية لم تتوقف عن اعتداءاتها بحق المدنيين الفلسطينيين البرياء في قطاع غزة ، وهناك شهداء وجرحى فلسطينييون يسقطون برصاص الغدر الصهيوني ،عدا عن الاعتداءات الصهيونية المستمرة بحق الصياديين الفلسطينيين .
11ـ استمرار الحصارالصهيوني الظالم لقطاع غزة ، واستمرار تضييق الخناق على سكان القطاع .
12ـ تنامي مشكلة البطالة في الضفة والقطاع ،والتي وصلت ارقاما قياسية .
ولدى الأوساط الأمنية والسياسية الصهيونية قناعة بأن قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله غير معنية بإشعال الأوضاع في الضفة الغربية، خاصة قبل الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما المتوقعة يوم 20مارس / آذار الحالي ، و أكدت تصريحات العديد من المسئولين الفلسطينيين في رام الله عقب استشهاد الأسير الفلسطيني عرفات جرادات هذا التقدير ، وأوضحوا أن السلطة الوطنية الفلسطينية لا تنوي ، ولن تسمح بالانجرار إلى مواجهة مع الاحتلال في الضفة الغربية ، ولا تريد أن تتفجر فيها انتفاضة فلسطينية ثالثة .
ومن الواضح أن المؤسسة الأمنية الصهيونية والجيش الصهيوني هما من يتحكم بطبيعة وكيفية تعاطي حكومة الكيان الصهيوني مع السلطة الوطنية الفلسطينية ؛ وهذه الجهات هي التي تتحمل تبعات قرارات الحكومة الصهيونية تجاه السلطة الوطنية ، ومعروف بالطبع ثقل وحجم تأثير المؤسسة الأمنية الصهيونية على القرار السياسي في الكيان الصهيوني ، وخصوصا في المسائل التي تتعلق بالأمن ، ولذلك تتدخل الأوساط الأمنية للجم العديد من القرارات الحكومية التي يمكن أن تهز او تضعف السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل كبير؛ لتصبح المعادلة هي : ( الضغط على السلطة ، مع عدم السماح بانهيارها !! ) .
و لكن المسألة بالنسبة للفلسطينيين ، وللقيادة الفلسطينية لم تعد فقط تحويل أموال الضرائب ، وتقديم تسهيلات حياتية محدودة جدا للفلسطينيين ، فالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وقيادته وكافة فصائله وقواه وتياراته يناضل ويكافح للتخلص والتحرر من الاحتلال الصهيوني ، وذل البقاء تحت حرابه وسيطرته وقيوده ، وانتفاضته الثالثة المبتغاة والتي ينتظرها ويتوقعها الجميع ، ستكون الرافعة الأهم والأكبر للقضية الفلسطينية وانجاز مشروع التحرر من الاحتلال في هذه المرحلة من النضال والكفاح الفلسطيني، ومن أهم العوامل التي ستساعد على تطوير الأداء والنضال الفلسطيني بكافة أشكاله تخلي القيادات والفصائل والقوى الفلسطينية عن خلافاتهم الحزبية والسياسية ، وانهاء حالة الانقسام المؤسفة وانجاز وتحقيق مشروع المصالحة، وتكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية ، ويتوجب على الجميع عدم وضع أية عراقيل في وجه اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة، والتي يمكن للقيادة الفلسطينية ، والسلطة الوطنية الفلسطينية توظيفها بشكل جيد أمام المجتمع الدولي ، والضغط الشديد من خلالها على العدو الصهيوني للمطالبة بالاستقلال الفلسطيني، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع ، وعاصمتها القدس الشريف ، وخصوصا أن كافة المعطيات والمؤشرات والظروف الذاتية والموضوعية على المستوى الفلسطيني والاقليمي والعربي تشير بوضوح الى أن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة هي في الطريق ، لتزهر ربيعا فلسطينيا مشرقا بروح العطاء والتضحية والتحدي والانتصار والعزة والكرامة ، ربيعا يزهر استقلالا عن الاحتلال الصهيوني ، والتخلص من ظلماته وقمعه وجبروته وافساده وعلوه ... انتفاضة الربيع الفلسطيني مقبلة بقوة ، لن يستطيع أحد أن يوقفها ، فالشعب الفلسطيني تعب من طول الانتظار ، وتعب من خذلان الأشقاء ، وقرر ــ كما كان دوما ــ أن يأخذ بيديه زمام المبادرة ، لتعود القضية الفلسطينية الى مكانتها المعهودة ـ درة القضايا ، وعنوان عزة الأمة وكرامتها، الشعب الفلسطيني بدأ زحفه الجديد المقدس نحو باب الشمس وباب الكرامة وبوابة الانتصار والدولة ، انه ايها القوم زمن الصعود الفلسطيني الجديد ، زمن الربيع الفلسطيني الذي سيزهر دولة فلسطينية مستقلة ، وعاصمتها القدس الشريف ـ بإذن الله .
د.محمد أبوسمره
مؤرخ وخبير استراتيجي
غزة ـ فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت