البيرة / غزة – وكالة قدس نت للأنباء
دعا مشاركون في حلقة نقاش حول تداعيات زيارة أوباما إلى ضرورة الحذر من الوقوع مرة أخرى في وهم الرهان على الدور الأميركي وإمكانيّة نجاحه في استئناف المفاوضات والتوصل إلى حل يلبي الحقوق الفلسطينيّة، وأكدوا على ضرورة اعتماد إستراتيجيّة جديدة تعمل على جمع أوراق القوة والضغط الكفيلة بتغيير موازين القوى وإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة في العام 1967، وتجسيد الحقوق الفلسطينيّة المتمثلة بحق تقرير المصير والعودة والاستقلال الوطني.
جاء ذلك خلال حلقة نقاش نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجيّة – مسارات، مساء الثلاثاء، في مقره بمدينة البيرة، وفي مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة بمشاركة عشرات الشخصيات السياسيّة والأكاديميّة. وافتتح الورشة الكاتب هاني المصري، مدير عام المركز، حيث أشار إلى الاستفادة من دروس وعبر المفاوضات السابقة، واعتبر أن إعادة إنتاجها على نفس الأسس أو بعد تعديلها بشكل جزئي، ليس مجرد خطأ، بل يعكس نوعًا من الاختلال السياسي بالغ الضرر على القضيّة الفلسطينيّة.
وقدم خليل شاهين، مدير البحوث في مركز مسارات، عرضًا لورقة تقدير موقف بعنوان "تداعيات زيارة أوباما: أقل من مبادرة .. أكثر من إصغاء"، منوهًا إلى أن خفض سقف التوقعات من الزيارة يشير إلى أن هناك "ما هو متوقع"، أكثر من مجرد "الإصغاء" الذي حدده وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري عنوانا لزيارة أوباما: ربما أقل بكثير من مبادرة، لكن أكثر من استمرار الجمود في العمليّة السياسيّة. فهناك من المؤشرات في الموقفين الفلسطيني والإسرائيلي ما يحمل على الاعتقاد أن زيارة أوباما قد توفر سلما لنزول الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي عن قمة الشجرة التي صعد كل منهما إليها بشأن شروط استئناف المفاوضات. وبذلك، قد تشكل الزيارة محطة مفصليّة في سياسة إدارة الأزمات التي تميز بداية ولاية أوباما الثانية، لاسيما إن ترتبت عليها عودة إلى شكل ما من أشكال المفاوضات، حتى ولو تحت عنوان "استكشاف" فرص التفاوض على شروط التفاوض. لكن الأكثر خطورة هو ما يمكن أن يحدث لاحقا في حالة تبني التيار المركزي الحاكم في إسرائيل، بدعم أو بتواطؤ أميركي، الأفكار المتداولة حول انسحاب أحادي الجانب من أجزاء من الضفة الغربيّة لفرض إقامة دولة فلسطينيّة ضمن حدود مؤقتة، أو ربما ترتبط باتحاد كونفدرالي مع الأردن.
وتطرق شاهين إلى علاقة التحرك الأميركي الراهن في المنطقة برسم خارطة المصالح الأميركيّة، وقال إنه لا يتوقع أن تقدم واشنطن في المرحلة الراهنة مبادرات لحل الأزمة الأكثر صعوبة وتعقيدًا في المنطقة، وبخاصة إذا كان ثمنها الضغط على إسرائيل، حليفها الأول والثابت في منطقة مفتوحة على المتغيرات. بل ويذهب بعض المحللين في إسرائيل إلى الدعوة إلى انتهاز فرصة إعادة رسم خارطة المصالح الأميركيّة الإستراتيجيّة في الشرق الأوسط، وصولا إلى إيران وأفغانستان وحتى الباكستان، للانخراط كشريك إستراتيجي في رسم خارطة المصالح الأميركيّة الإسرائيليّة المشتركة، وهو ما يحدث فعليا من خلال اللقاءات المكثفة بين كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين في كل من تل أبيب وواشنطن.
وأضاف أنّ من المرجح أن تتجاوز مهمة الرئيس الأميركيّ باراك أوباما الإصغاء إلى محاولة التوصل إلى تفاهمات حول أسس تكفل عودة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات مع "تخريجة" تحفظ ماء الوجه لكل من الطرفين أمام الرأي العام لديه ولا تظهره كمن خضع لاشتراطات الطرف الآخر. وهناك مؤشرات في الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني على بدء النزول تدريجيا عن قمة الشجرة قبل وصول أوباما إلى المنطقة.
وبينت الورقة أن المؤشرات الفلسطينيّة تمثلث في تراجع الحديث عن ضرورة إلتزام إسرائيل بأحد أهم المطالب الرئيسيّة الثلاثة التي أعلنها الجانب الفلسطيني كأساس لاستئناف المفاوضات، وهو ضرورة إقرار إسرائيل بخط الرابع من حزيران كأساس للبحث في قضيّة الحدود، مع استمرار التمسك بمطلبي وقف الاستيطان "أثناء المفاوضات"، وإطلاق سراح الأسرى وفق تفاهم سابق بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أيهود أولمرت. ويبدو كأن الموقف التفاوضي الفلسطيني عاد إلى المربع الأول، وبضمن ذلك التعامل مع ما يسمى بإجراءات "بناء الثقة" أو "حسن النوايا" كعربون لاستئناف المفاوضات، وكأن شيئا لم يتغير بعد رفع مكانة فلسطين إلى دولة عضو بصفة مراقب، فضلًا عن "تجميد" أي خطوات فلسطينيّة باتجاه الانضمام إلى منظمات ووكالات الأمم المتحدة.
أما إسرائيليًا، فقد عاد الحديث عن إمكانيّة إقدام الحكومة الإسرائيليّة القادمة على إجراءات "حسن نوايا" من جانب واحد قبل أو خلال زيارة أوباما، بما يحسن صورة إسرائيل ويجنبها التعرض إلى ضغوط دوليّة، وبخاصة فيما يتعلق بتجميد جزئي للبناء الاستيطاني يشمل عدم الإعلان عن أي مشاريع استيطانيّة جديدة خارج القدس والكتل الاستيطانيّة، الأمر الذي يعني من الناحية العمليّة استمرار البناء الاستيطاني في ضوء حجم خطط البناء المعلن عنها حتى نهاية العام الحالي، لاسيما في القدس ومحيطها. كما يجري تسريب أنباء عن استعداد إسرائيلي لبحث إطلاق سراح مجموعة من الأسرى، وإن كان الخلاف مع الجانب الفلسطيني يتركز حول العدد والشروط والآليّة التي يمكن أن تتم بموجبها هذه العمليّة.
ولخص شاهين أبرز عناصر الخلل في الموقف الفلسطيني بعدم وجود سياسة واضحة لكيفيّة التعامل مع الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، واستمرار الرهان على المفاوضات بصفتها الخيار الوحيد المتاح، واعتماد موقف يسعى لتحسين شروط العودة إلى طاولة المفاوضات، ما جعل المفاوضات ترقى إلى مستوى الإستراتيجيّة بدلا من أن تكون أحد مكونات ووسائل تحقيق الإستراتيجيّة، والمبالغة في الرهان على إمكانيّة اتخاذ الاتحاد الأوروبي موقفا أكثر استقلاليّة في الضغط على إسرائيل، أو التحرك الفعال لإقناع إدارة أوباما بطرح مبادرة للخروج من حالة الجمود، والقراءة غير الدقيقة للاصطفافات والمواقف ضمن الخارطة الحزبيّة الإسرائيليّة بعد انتخابات الكنيست الأخيرة وتداعياتها على موقف أي حكومة يمكن تشكيلها من المفاوضات والاستيطان ومبدأ "حل الدولتين" عموما.
وشدد شاهين على أهميّة وجود مرتكزات لتغيير هذه السياسة من خلال اعتماد مسار آخر مبني على عوامل القوة المتاحة كالانتصار في الأمم المتحدة، والصمود في غزة، وحالة النهوض الشعبي التي قد تتطور باتجاه هبة شاملة أو انتفاضة ثالثة تثير قلق الاحتلال وتهدد سياسة إدارة الصراع وبقاء الوضع على حاله، إضافة إلى عوامل القوة الكامنة، وفي مقدمتها ما تفتحه المصالحة الوطنيّة الحقيقيّة من فرص لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة إستراتيجيّة وطنيّة شاملة توحد طاقات الفلسطينيين في الوطن والشتات.
وقال إن تحقيق ذلك يقتضي إحداث تحول في السياسة الفلسطينيّة يبدأ برفض الاستجابة للضغوط من أجل العودة إلى عمليّة سياسيّة تعيد استنساخ تجربة المفاوضات العقيمة طيلة العقدين الماضيين، وببلورة سياسة فلسطينيّة واضحة حول كيفيّة وآليات التعامل مع الامم المتحدة وأجهزتها ووكالاتها، في ضوء رفع مكانة فلسطين إلى دولة عضو بصفة مراقب، وإنهاء حالة الانفصام بين مقتضيات التحرك السياسي والقانوني للدولة المراقب في الأمم المتحدة، والقيود الناجمة عن مكانة ودور السلطة الفلسطينيّة بموجب اتفاق أوسلو، بما يستدعي إعادة النظر في دور وشكل ووظائف السلطة وعلاقتها بمنظمة التحرير، وتحقيق الوحدة الوطنيّة على قاعدة إعادة بناء التمثيل الوطني في إطار منظمة التحرير، المستندة إلى توافق وطني على ركائز المصلحة الوطنيّة العليا، وبرنامج سياسي يستفيد من مجمل عناصر القوة المحليّة والإقليميّة والدوليّة.
وحذر الحضور من الزيارة، وقالوا إنها تحمل خيبة أمل وإحباطات جديدة متكررة، ولن ينجم عنها أي شيء يحقق الفائدة للفلسطينيين، فهي تهدف إلى الإيحاء بإمكانيّة إحياء ما يسمى "عمليّة السلام" وإعادة الفلسطينيين إلى دوامة المفاوضات العبثيّة، وأنها تأتي مثلها مثل زيارات الرؤساء الأميركيين السابقين التي لم تحمل في طياتها إلا محاولات لإخضاع الفلسطينيين والعرب للشروط الأميركيّة والإسرائيليّة.
وأضاف الحضور أنها (الزيارة) جاءت بضغوط من اللوبي الصهيوني من أجل تحسين العلاقات الثنائيّة الأميركيّة الإسرائيليّة، وتنسيق الموقف المشتركة من الملف الإيراني والتغييرات العربيّة، خصوصًا بعد صعود الإسلام السياسي الذي تجري محاوة لاحتوائه لخدمة الإستراتيجيّة المشتركة.