نص المقالة التي كتبها الاسير العيساوي صاحب أطول إضراب فى التاريخ

القدس المحتلة - وكالة قدس نت للأنباء
تنشر "وكالة قدس نت للأنباء" نص المقالة التي كتبها الأسير الفلسطيني سامر العيساوي (المضرب عن الطعام منذ 230 يوما) على التوالي، بعد أن رفض عرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي إبعاده إلى غزة أو للخارج مقابل الإفراج عنه.


وقالت المحامية شيرين العيساوي شقيقة صاحب أطول إضراب فى التاريخ، يوم السبت، إنه رفض الإبعاد من منطلق أن "الإبعاد يعنى تهجير الفلسطينيين وخاصة المقدسيون فى ظل التهويد الذى تتعرض لها مدينتهم".

وكانت محكمة إسرائيلية قد رفضت قبل أيام الإفراج عن العيساوى بكفالة مالية خلال جلسة استثنائية حضرها الأسير على كرسى متحرك، نظرا لتدهور حالته الصحية التى بلغت مرحلة خطيرة، لاسيما أن وزنه انخفض إلى 45 كيلوجراما.

وتم نقل العيساوى من عيادة سجن الرملة إلى مستشفى كبلان، بعد هبوط فى نبضات قلبه وظهور علامات إجهاد من خلال تصبب العرق من أطرافه ووجهه ويخضع للعناية، وكذلك مراقبة عمل القلب الذى ربط بجهاز راصد للتأكد من تجاوبه خلال 24 ساعة.

وينفذ عدة أسرى فى سجون الاحتلال إضرابا عن الطعام منذ أشهر، مطالبين السلطات الإسرائيلية بالإفراج عنهم، فيما تشهد السجون غليانا لتصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بحقهم وتضامنا مع زملائهم المضربين.

واليكم نص المقالة التي خطها الاسير العيساوي بجوعه بعد 229 يوما من إضرابه المفتوح عن الطعام، وجاء فيها :"إذا مت، فهو انتصار، وإذا تحررنا، فهو انتصار أيضا، لأني أكون قد رفضت في كلتا الحالتين الاستسلام للاحتلال الإسرائيلي، وطغيانه وغطرسته".


المقالة:

لا تختلف قصتي عن قصص الكثيرين من شباب الشعب الفلسطيني الآخرين الذين ولدوا وعاشوا طوال حياتهم في ظل الاحتلال الإسرائيلي. فقد تم اعتقالي للمرة الأولى عندما كان عمري (17 عاماً)، وسجنتُ لمدة عامين.

ثم جرى اعتقالي مرة أخرى عندما كنت في أوائل العشرينيات من عمري، في ذروة الانتفاضة الثانية في رام الله، خلال الاجتياح الإسرائيلي للعديد من المدن في الضفة الغربية -فيما أسمته إسرائيل "عملية الدرع الواقي"، وحكم على الأول بالسجن لمدة 30 عاماً بتهم تتعلق بمقاومتي للاحتلال.

ولست أول فرد يسجن من أفراد عائلتي خلال مسيرة شعبي الطويلة نحو الحرية، فقد حكم جدي، أحد الأعضاء المؤسسين لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالإعدام على يد سلطات الانتداب البريطاني، والتي ما تزال إسرائيل تستخدم قوانينها حتى يومنا هذا من أجل قمع شعبي، وتمكن جدي من الهرب قبل ساعات فقط من الوقت المقرر لتنفيذ حكم الإعدام فيه، ثم قتل أخي فادي في العام 1994، وكان عمره (16 عاماً) فقط، على أيدي القوات الإسرائيلية خلال تظاهرة في الضفة الغربية في أعقاب مذبحة المسجد الإبراهيمي في الخليل.

وقضى الدكتور مدحت، شقيقي الآخر، (19 عاماً) في السجن، كما سُجن كل من إخوتي الآخرين، فراس وشادي ورأفت لمدد تراوحت بين 5 سنوات و11 سنة.

وجرى اعتقال أختي، شيرين، مرات عديدة، وقضت سنة في السجن هي الأخرى، وتم تدمير منزل شقيقي، وقطع المياه والكهرباء عن والدتي، وتتعرض عائلتي، جنباً إلى جنب مع البقية من شعب مدينتي القدس الحبيبة، إلى التحرش والاضطهاد والهجوم بشكل مستمر، لكنهم ما يزالون يدافعون عن الحقوق الفلسطينية والأسرى الفلسطينيين، بعد ما يقرب من 10 أعوام قضيتها في السجن، تم الإفراج عني في الصفقة التي رعتها مصر بين إسرائيل وحماس، والتي تضمنت الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين.

ومع ذلك، تم اعتقالي من جديد في 7 تموز 2012 بالقرب من حزما، وهي منطقة تقع في داخل بلدية القدس، بتهمة انتهاك شروط الإفراج عني (إذ لا ينبغي أن أغادر مدينة القدس)، كما ألقي القبض على آخرين ممن أفرج عنهم كجزء من تلك الصفقة، بعضهم من غير أي سبب معلن للاعتقال.

وبناء عليه، بدأت إضرابا عن الطعام في 1 آب (أغسطس) احتجاجاً على سجني غير المشروع وانتهاك إسرائيل لاتفاقية تبادل الأسرى، وقد تدهورت صحتي كثيراً، لكنني سأواصل الإضراب عن الطعام حتى النصر أو الشهادة، هذا هو الحجر الأخير المتبقي لأقذفه في وجوه الطغاة والسجانين في مواجهة الاحتلال العنصري الذي يذل أبناء شعبنا.

وأنا أستمد قوتي من جميع الأحرار في العالم، الذين يريدون وضع حد للاحتلال الإسرائيلي، وما يزال قلبي الضعيف ينبض ويتحمل بفضل هذا التضامن والدعم؛ وصوتي الضعيف يستمد قوته من الأصوات الأعلى، والتي يمكنها أن تخترق جدران السجن، إنني لا أخوض معركتي من أجل حريتي الشخصية فقط، وإنما نخوض أنا وزملائي المضربين عن الطعام: أيمن وطارق وجعفر، معركة من أجل جميع الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي وسجونه.

ويبقى ما أتحمله قليلاً مقارنة بتضحيات الفلسطينيين في غزة، حيث قتل الآلاف أو جرحوا نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية والحصار الوحشي غير المسبوق وغير الإنساني.

ومع ذلك، ما تزال هناك حاجة إلى مزيد من الدعم، فما كان يمكن لإسرائيل أن تستمر في قمعها من دون الدعم الذي تتلقاه من الحكومات الغربية، وتتحمل هذه الحكومات، لا سيما البريطانية، مسؤولية تاريخية عن مأساة شعبي، وينبغي أن تقوم بفرض عقوبات على النظام الإسرائيلي حتى ينهي احتلاله ويعترف بحقوق الفلسطينيين، ويفرج عن جميع السجناء السياسيين الفلسطينيين.

لا تقلقوا إذا ما توقف قلبي، إنني ما أزال حياً الآن -وحتى بعد الموت، لأن القدس تجري في عروقي.

إذا مت، فهو انتصار، وإذا تحررنا، فهو انتصار أيضا، لأني أكون قد رفضت في كلتا الحالتين الاستسلام للاحتلال الإسرائيلي، وطغيانه وغطرسته.

بقلم/سامر العيساوي