المقاومة تعني المقاومة

بقلم: صلاح صبحية


بينما أنا أبحث في القنوات الفضائية استوقفتني رؤية شيخ جليل يجيب على أسئلة في اللغة العربية ، واستوقفني الموضوع الذي يشرحه أكثر ، إنه يغوص في الكلمة دالاً على معناها وتطور الكلمة في البنية والمعنى ، حيث بيّن لنا شيخنا الجليل تطور الكلمة ومعناها بتطور المجتمع ، ، فإذا كانت كلمة الشرف تدل على علو المكان فقد أصبحت اليوم تعني الخلق الحميد لدى الإنسان ، وإذا كانت كلمة الخلاء تعني مكان قضاء الحاجة فقد استبدلت اليوم بكلمة الحمّام ،وعلى الفور قفزتُ إلى السياسة والجغرافية أضاهي الشيخ فيما يشرح ويبيّن ، وخاصة ما يخصُ قضيتنا الفلسطينية ، فالقضية الفلسطينية بقيت تحافظ على اسمها الفلسطيني حتى حرب حزيران 1967 ، حيث تطور اسمها لتصبح قضية الشرق الأوسط ، حيث أنّ كلاّ من القضية الفلسطينية وقضية الشرق الأوسط تدلان على وجود الصراع العربي ـ الصهيوني ، ومع تطور هذا الصراع والوصول إلى اتفاق أوسلو وتكريسه الجزئي على أرض الواقع انتفت كلمة العدّو الصهيوني من القاموس السياسي الفلسطيني الرسمي ، بل وانتفت في معظم الخطاب الفلسطيني ، حيث أصبح العدّو جاراً وصديقاً ، بل أنّ الأرض التي كانت تسمى فلسطين وأصبحت تسمى فلسطين المحتلة عام 1948 ، أو أراضي الثمانية والأربعين ، أصبحت اليوم تسمى " اسرائيل " ، وكل هذه التسميات والمصطلحات تدّل على ذات الأرض ، وأرض فلسطين التي كانت تعني الأرض الممتدة من البحر الأبيض غرباً إلى نهر الأردن شرقاً أصبحت اليوم غير ذات المعنى ، فأرض فلسطين اليوم وفي العرف الفلسطيني والعربي والدولي تعني أرض الضفة الغربية وقطاع غزة معاً ، فهل تـُجردنا اللغة في تطورها من حقوقنا وتبدل أسماءنا ، أم أننا قادرون على الإمساك بزمام اللغة وإبقائها طيعة في خدمة حقوقنا الفلسطينية ، ذلك بالطبع مرتبط بإرادتنا الفلسطينية وقدرتنا على صوغ قراراتنا بأيدينا دون ارتهانها لأية جهة كانت .
في ظل تطور اللغة ، هل نجاري هذا التطور ، أم هل نبقي اللغة مشدودة إلينا لتعبّر تعبيراً حقيقياً عن واقعنا ، فالجهاد والكفاح والنضال والمقاومة والانتفاضة هي الأساليب التي يمكن أن نواجه بها عدّونا الصهيوني ، وكل هذه الكلمات تعني إجبار العدّو الصهيوني على الإقرار بحقوقنا كاملة فوق كل أرضنا كاملة .
فجدار الفصل العنصري والاستيطان لا يزولان بكلمات الشجب والإدانة والاستنكار ، وإنما يزولان بالفعل والعمل على الأرض ، ويزولان بمزيد من الجهاد والكفاح والنضال والمقاومة والانتفاضة وليس بغير ذلك ، فهذه الكلمات لا تعني إلا ما تعنيه ، ولا تدّل إلا على المعنى نفسه أياً كان المكان الذي يمارس فيه فعل هذه الكلمات ، فإزالة الجدار وإزالة الاستيطان يكون بفعل الإزالة الذي يأتي نتيجة حتمية لفعل الجهاد والكفاح والنضال والمقاومة والانتفاضة .
أمّا الأسرى في سجون الاحتلال وما يعانونه من عذابات ، فهم لم يكونوا أسرى لأنهم أرادوا أن يكونوا أسرى ، وإنما أصبحوا أسرى نتيجة فعلهم النضالي ضد الاحتلال ، ولا يمكن أن يتحرروا من أسرهم إلا بالأسلوب الذي أدى إلى أسرهم وهو أسلوب الجهاد والكفاح والنضال والمقاومة والانتفاضة ، والتضامن مع الأسرى يكون بفعل كفاحي نضالي مقاوم ضد الاحتلال ، فتحرير الأسرى لا يكون إلا بامتلاك قوة تحريرهم وليس بالحديث عن صمودهم وصبرهم على جوعهم وعطشهم وعذاباتهم في زنازينهم .
ما أحوجنا اليوم للتمسك بمعاني كلماتنا ، وإبقائها تدّل على المعنى الذي يعيد لنا حقوقنا ، فالمقاومة تعني المقاومة ولا تعني التسول لدى الجهات الدولية لاستعادة حقوقنا ، فلا يمكن لأوباما الأمريكي أن يكون فلسطينياً إلا بقدر ما تحقق له هذه الفلسطينية المحافظة على المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين التاريخية .
حمص في 10/3/2013 صلاح صبحية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت